لماذا لم يغلق الصحابة رضي الله عنهم المساجد في الطاعون؟



|| لماذا لم يغلق الصحابة-رضي الله عنهم- المساجد في الطاعون؟ ||
::
ســ: #الطاعون_وقع_في_زمن_الصحابة-رضي الله عنهم- فلماذا لم يغلقوا المساجد؟
#شبهة_وجوابها |

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على محمد نبيه وعبده، وعلى آله وصحبه،
وبعد؛
فإنه قد أفتى في هذه النازلة بعض من لو سكت لكان السكوت أعذر له عند ربه، وأستر لجهله، وأقرب إلى السلامة إن شاء الله.
بل تجرأ العوام على رد فتاوى أهل العلم بالنوازل؛ كما ردوا فتاواهم قبل ذلك في الثورات والمظاهرات، فخربت أوطانهم، وانتهكت أعراضهم، وأذلت نساؤهم وشردت أولادهم، فلا أقاموا دينا ولا حفظوا دنيا –اللهم لا شماتة-!
والآن يتسللون ويتواعدون هنا وهناك لإقامة جماعات وجمعات، ضاربين بكلام أهل العلم بالنوازل عرض الحائط، ولسان حالهم يقول: نحن أعلم وأتقى وأورع وأحرص على الإسلام وشعائره من كبار العلماء!!
.
ألا فليعلم الجميع أنه ["من شروط المفتي في النوازل:
أن يكون على معرفة تامّة بواقع المسألة، وهذا عسير؛
إذ واقع النّوازل متشعّبٌ بين الطبّ والاقتصادِ والقانون....وغيرها.
وغالبُ ذلك لا يستطيعُ الفقيهُ المحضُ الوصولَ إليه بنفسِه، بل لا بدّ أن يستفصِلَ أهلَ الفنّ فيه.
وكثيرٌ من أغلاط المفتين إنما ترجع لقصور علمِهم بواقع المسألة.
قال القرافيّ: «وكم يخفَى على الفقيه والحاكِم الحقُّ في المسائل الكثيرة بسبب الجهل بالحساب والطبّ والهندسةِ، فينبغي لذَوِي الهِمَمِ العَلِيَّة أن لا يتركُوا الاطلاعَ على العلوم ما أمكنهم».
.
الإشكالُ المعاصر في ذلك؛ أنّ كثيرًا من الناظرين في النّوازل:
- إمّا جيّد في المعرفة التراثيّة ضعيفٌ في المعرفة بواقع المسائل، لغفلةٍ فيه أو قصورٍ في البحثِ أو سؤال غير المتأهّل في الفن المتعلق به واقع المسألة.
- وإما ضعيفٌ في المعرفة الفقهية التراثية، قوي في معرفة واقع المسألة.
- وإمَّا ضعيفٌ في الجانبين.
والأصناف الثلاثة ليسوا ممن يحلّ له النظر في النوازل المعاصرة."].اهـ من كلام الشيخ محمد سالم بحيري -وفقه الله-.
.
قلت:
فهل يقبل ممن أفتى بعدم جواز السمع والطاعة في ملازمة البيوت وإغلاق المساجد -إلا من الأذان –في هذه الأيام لأجل المحافظة على الصلاة في المسجد لا لشيء إلا لمجرد أنه لا يقتنع بوجود " كورونا" أصلاً!!
أو يعتقد أن الأمر مبالغ فيه!!
ولم يكلف خاطره الشريف! أن ينظر في كلام أهل الاختصاص!
أو يسألهم قبل أن يتجرأ على رد فتاوى المجامع الفقهية والهيئات الرسمية المستندة لتصور واضح وصحيح وكامل لحقيقة النازلة!
أو يظن أن الأمر مكيدة من أعداء الدين لشغل المسلمين عن صلاتهم!!
وعدم التحقيق للمناط٠٠٠٠ينشأ عنه أكثر الأغلاط
إذ يقع التطبيق للكليِّ٠٠٠ على سوى مناطه الجزئيِّ
وعادم الفطنة لا يحققُ ٠٠٠٠٠مناط كلي له يطبق!
.
وللأسف اعتمد العوام والمتسرعون في الفتيا على قياس منطقي فاسد؛
مؤداه:
1- المقدمة الأولى: الطاعون وقع في زمن الصحابة رضي الله عنهم ولم يغلقوا المساجد.
2- المقدمة الثانية: [كورونا] طاعون.
3- النتيجة: [كورونا] وقعت في زمننا فيجب ألا نغلق المساجد!
.
بيان فساد ذلك القياس:
وبيان ذلك من وجوه:
1- فساد المقدمة الأولى:
من جهة أن الصحابة-رضي الله عنهم- لم يمتنعوا عن إغلاق المساجد-والله أعلم- لكون النازلة مطلق طاعون!
بل تركوا الإغلاق لعدم التضرر بذلك، إما لإمكان التحرز من الضرر عند المخالطة وذلك لظهور الأعراض سريعاً؛ فيتحاشى المصاب كما مر٠
وإما لعزل المصاب في البيت كما يشير إليه قوله-صلى الله عليه وسلم- للمجذوم: "قد بايعناك فارجع" رواه مسلم.
ونحو ذلك.
.
2- وأما عن المقدمة الثانية في القياس:
نعم كورونا طاعون من جملة الطواعين؛ لكنها أشد أنواع الطواعين فتكاً وخطراً وانتشاراً، وهذا لا يجعل الأحكام متطابقة في كل شيء. فتنبه.
.
3- وأما النتيجة فظاهرة الفساد!
فلماذا لا نقول: يجب غلق المساجد لاختلاف حال مساجدنا عن مساجد الصحابة، كما اختلف حال كورونا عن الطواعين التي وجدت في العصور الماضية؟!
فإن "كورونا" تتميز عن الطاعون والوباء الذي ظهر في زمن الصحابة بالآتي:
.
1- [بالخفاء الشديد وتعذر التحرز منه]
فقد كان الطاعون القديم من جنس الأمراض الجلدية البكتيرية المميتة، كقروح أو ورم أو غدة كغدة البعير تخرج في المغابن والآباط٠
لذا كان التحرز من المصابين به سهلاً ميسوراً-نسبياً- بتحاشي المماسة ونحوها، تطبيقاً لحديث فر من المجذوم.
.
أما "كورونا المستجد": فأخفى وأدهى، فهو مرض فيروسي متخصص في الجهاز التنفسي، والعدوى فيه عن طريق التنفس، والرذاذ، والسعال، والعطاس، وهذا لا يمكن التحرز منه بتلك السهولة.
.
2- [طول فترة الحضانة]
الطاعون قديماً كان من أصيب به سرعان ما تظهر عليه أعراضه،
ففي طاعون "عمواس 18هـ" في بلاد الشام الذي استشهد فيه كثير من الصحابة، وكان أبرزهم والي الشام أبو عبيدة عامر بن الجراح-رضي الله عنه-، الذي قال عندما وقع هذا الوباء:
[اللهم نصيبَك في آل عبيدة! فخرجت في خنصره بثرة!
.
أما " كورونا" ففترة حضانة الفيروس طويلة –نسيباً- قد تصل إلى 37 يوماً -كما أثبتت أحدث الدراسات المتخصصة-، وفي هذه المرحلة يكون الشخص الحامل للفيروس ناقلاً للعدوى ولا يشعر به أحد؛ فهو بمثابة القاتل الخفي! وهنا مكمن الخطر، فلا تظهر عليه الأعراض إلا وقد أصاب المئات وربما الآلاف من الناس!
مع العلم بأن حاملي الفيروس الذين لم تظهر عليهم الأعراض يتجاوز 80بالمائة من جملة المصابين، يعني النسبة العظمي تمشي بين الناس فلا يتفطن لها أحد!
فأنى يحترس الناس منه؟!
.
3- [السرعة المذهلة]
سرعة انتشار " كورونا" وشدة سرايتها لا يمكن مقارنتها بانتشار الطواعين القديمة، فالعالم اليوم يواجه حرباً عالمية بمعنى الكلمة يجوب " كورونا" الكرة الأرضية من أقصاها إلى أقصاها كالبرق الخاطف.
.
4- [سهولة العدوى]
نظراً لبقائه في الهواء فترة طويلة نسبياً، بحيث إنه فتك بالأطباء الذين يعالجون المصابين وأصاب المتخصصين الذين خرجوا للتعقيم مع كامل يقظتهم وتمام حذرهم وشدة حيطتهم وكثيراً من الوزراء والقادة في شتى أصقاع الأرض،
ومؤخراً ثلاثة من قادة الجيش المصري كلهم لواء أركان حرب وكلهم ممن خرج مجاهداً ليذب عن الناس هذا الخطر الداهم وفق مبدأ الأخذ بالأسباب –رحمهم الله وتقبلهم من الشهداء!
وهذا لا يدع مجالاً لمقارنته بالطاعون القديم الذي يبدو بجواره ساذجاً!
.
5- [قوة الاختلاط بين الأمم والشعوب]
فبعد ساعات قليلة من اكتشافه في "ووهان الصينية" طار إلى أوربا وانتشر فيها وفي آسيا وأفريقيا وأمريكا شتى أصقاع الأرض، وما ذاك إلا لتيسر أسباب الانتقال عبر الطائرات وغيرها، فهو-بحق- القاتل المبير العابر للقارات!-
أما الطاعون القديم فكان يمكن حصاره ، فطاعون عمواس لم يتجاوز الشام وطاعون الجارف69هـ -في زمن عبد الله ابن الزبير-رضي الله عنهما- فلم يتعد البصرة، وهكذا،
فكيف يستويان؟!
.
6- [تغير حال المساجد عما كانت عليه]
كانت المساجد في زمن الصحابة مفروشة بالحصباء، متعرضة للهواء، وكل ذلك يقاوم انتشار العدوى –ولو بنسبة ضئيلة-، بينما مساجدنا اليوم مفروشة بالسجاد، محكمة الغلق- لدواعي التكييفات الصناعية- مقفلة النوافذ،
قد ألحقت بها المرافق: من مراحيض، ومياضئ، وأحواض، وحنفيات، ومواسير، وخراطيم، ومبردات......إلخ
وكل ذلك يساعد على نقل عدوى هذا الفيروس بشكل خطير،
ويزيد من احتمال الإصابة بشكل مذهل.
7- لا ينكر أحد تطور الفيروسات والطواعين نحو الأخطر، والحرب البيولوجية على قدم وساق لتصنيع أعتى وأشد أنواع الفيروسات التي يعجز أهل الأرض جميعاً عن مقاومتها، فكيف يراد بقاء الفتوى كما هي دون مراعاة ما يستجد من أخطار وأخذها بعين النظر والاعتبار؟!
.
8- وبالجملة :
فقد ظهرت فوارق جمة؛ بين الطاعون والوباء قديماً وحديثاً؛
بما لا يمكن معه إبقاء الأمر على ما كان عليه في ظل هذه الشراسة والإبادة المستجدة، التي لا مقارنة بينها وبين الطاعون القديم، مما يستلزم تغير الفتوى.
وقد قال الإمام ابن القيم -رحمه الله- :
" فصل ، في تغير الفتوى ، واختلافها ، بحسب تغير الأزمنة ، والأمكنة ، والأحوال ، والنيات ، والعوائد " ، والعوائد : جمع عادة ، وهو فصل نفيس ، ذكر فيه – رحمه الله – أمثلة كثيرة ، فلتنظر في " إعلام الموقعين " ( 3 / 3 فما بعدها ) .
.
وختاماً...
لست أزعم أنني مصيب في كل ما ذكرته ...
وإنما هي محاولة لاستجلاء الفرق بين الطاعون القديم الذي ضرب الأمة في الصدر الأول، وبين " كورونا المستجد" التي ضربت أهل الأرض بأخَرة ،والذي جعل أهل العلم والأمناء على الشريعة في شتى بقاع الأرض يجمعون على تغيير الفتوى في ذلك الأمر- إلا من تسرع وتجرأ وشذ عن الجماعة ، وترك السمع والطاعة - لقصوره عن درك الواقع، أو تقصيره في ذلك، ولا عذر له في الحالين لأن الواجب عند النوازل التأني وترك ما يجلب الفتن وترك الأمر لأهله،
ومن أشكل عليه الحال وسعه أن يتوقف حتى يعلم،
ويترك المجال لأهله من المجامع الفقهية والهيئات الرسمية التي اشتملت على متخصصين لتصوير حقيقة النازلة ، وفقهاء لتكييفها وتخريجها على الأصول، وأين هو من قول" الله أعلم" ؟
ومتى يقولها إذا لم يقلها في نازلة طبقت المشارق والمغارب وهو ما زال متشككاً في وجودها أصلاً!!
يريد أن تفتك بالناس أولاً ليتفضل الشيخ بالرخصة على الموتى والهلكى!!
............................................................................
[قُل لَّوْ أَنتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذًا لَّأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنفَاقِ ۚ وَكَانَ الْإِنسَانُ قَتُورًا]
................................................................
إن الفقيه حق الفقيه هو الذي يدرك الفتنة قبل حلولها لا بعد وقوعها
قال الحسن البصرى رحمه الله:
"الفتن إذا أقبلت عرفها كل عالم ،وإذا أدبرت عرفها كل جاهل"!
.
هذا ما أردت ،فإن كنت مخطئاً في التوجيه ؛
فأسأل الله المغفرة والمسامحة فهو أهل لذلك،
وإن أصبت؛ فتلك نعمة من الله وفضل؛
فلله الحمد في الأولى والآخرة، وهو أهل الثناء والمجد.
اللهم إنك عفو كريم تحب العفو فاعف عن أمة محمد.
صلى الله على النبي الأكرم . وعلى آله وصحبه وسلم.
والله تعالى أعلم.
#وكتبه / أبو طارق محمود محفوظ
غرة شعبان 1441هـ // الأربعاء 25 مارس 2020م.
#روابط_متعلقة_بــ #فيروس_كُرُوُنَاَ ⬇️⬇️⬇️
|| فيروس كُرُوُنَا وغلق المساجد ||
مرئي | https://youtu.be/1bndPkoC9OE
| إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا (فيروس كورونا) |
مرئي|https://youtu.be/WGFYGDdkQd0|
| كورونا .. في مصيدة الإسلام |
مرئي |https://youtu.be/2vMd4fUdLeU|
|| الأسباب الظاهرة والباطنة لرفع البلاء ||
مرئي ||https://youtu.be/c6Zvq9fpzUE||
|| لماذا لم يغلق الصحابة-رضي الله عنهم- المساجد في الطاعون؟ ||
مكتوب |https://mahfoouz.blogspot.com/2020/03/blog-post_25.html|
|| النوازل تكشف عن محاسن الإسلام ||
مكتوب || https://mahfoouz.blogspot.com/2020/03/blog-post_22.html||
================================
أبوطارق محمود بن محفوظ
ـ|https://mahfoouz.blogspot.com/ |ـ
شاركه على جوجل بلس

عن الكاتب العلوم الشرعية

    تعليقات بلوجر
    تعليقات فيس بوك

0 التعليقات:

إرسال تعليق