كيف تستفتي .. أخطاء وتوجيهات .. ( خطبة مفرغة)

 



                                    كَيْفَ تَستَفتِي

أخطَاءٌ وتَوجِيهَات

فضيلة الشيخ

أبوطارق محمود بن محفوظ

خُطبة مفرغة

أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم
- قال تعالى :﴿ فَسۡـَٔلُوۤا۟ أَهۡلَ ٱلذِّكۡرِ إِن كُنتُمۡ لَا تَعۡلَمُونَ﴾ .
-  قال تعالى ﴿ وَمَا كَانَ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ لِیَنفِرُوا۟ كَاۤفَّةࣰۚ فَلَوۡلَا نَفَرَ مِن كُلِّ فِرۡقَةࣲ مِّنۡهُمۡ طَاۤىِٕفَةࣱ لِّیَتَفَقَّهُوا۟ فِی ٱلدِّینِ وَلِیُنذِرُوا۟ قَوۡمَهُمۡ إِذَا رَجَعُوۤا۟ إِلَیۡهِمۡ لَعَلَّهُمۡ یَحۡذَرُونَ﴾ [التوبة ١٢٢] .
- ﴿وَإِذَا جَاۤءَهُمۡ أَمۡرࣱ مِّنَ ٱلۡأَمۡنِ أَوِ ٱلۡخَوۡفِ أَذَاعُوا۟ بِهِۦۖ وَلَوۡ رَدُّوهُ إِلَى ٱلرَّسُولِ وَإِلَىٰۤ أُو۟لِی ٱلۡأَمۡرِ مِنۡهُمۡ لَعَلِمَهُ ٱلَّذِینَ یَسۡتَنۢبِطُونَهُۥ مِنۡهُمۡۗ وَلَوۡلَا فَضۡلُ ٱللَّهِ عَلَیۡكُمۡ وَرَحۡمَتُهُۥ لَٱتَّبَعۡتُمُ ٱلشَّیۡطَـٰنَ إِلَّا قَلِیلࣰا﴾ [النساء ٨٣] .
- وقال تعالى ﴿وَمَاۤ أَرۡسَلۡنَا مِن قَبۡلِكَ إِلَّا رِجَالࣰا نُّوحِیۤ إِلَیۡهِمۡۖ فَسۡـَٔلُوۤا۟ أَهۡلَ ٱلذِّكۡرِ إِن كُنتُمۡ لَا تَعۡلَمُونَ﴾ [النحل ٤٣] .
- قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إن الله لا يقبض العلم انتزاعًا ينتزعه من العباد، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء حتى إذا لم يُبْقِ عالمًا اتَّخذ الناس رؤوسًا جهالاً، فسُئِلوا فأفتوا بغير علم؛ فضلوا وأضلوا)) متفق عليه.
 - وقال - صلى الله عليه وسلم – ((قتلوه قتلهم الله ، إنما شفاء العي السؤال)) .
 -  وورد عنه أنه قال : ((أجرؤكم على الفتيا أجرؤكم على النار)) .
 - وقال أيضاً : ((من أفتى فتيا بغير ثبت إنما إثمه على من أفتاه )) .
والمستفتي : هو طالب الفتيا ، هو الذي يطلب معرفة حكم من مفتٍ.
والمفتي : هو الذي يخبر عن حكم المسألة.
وأحكام الشريعة من المعلوم خمسة : واجب ، ومحرم ، مندوب ، ومكروه ، ومباح.
وخطوات العبد وجميع تصرفات المكلفين ، واقعة تحت هذه الأحكام الشرعية.
فإن من اعظم مقاصد الشريعة الإسلامية ، إخراج العبد من داعية هواه ، حتى يكون عبداً لله.
 كما كان عبداً لله اضطراراً ، يكون عبداً لله اختياراً ، كما قال الشاطبي - رحمه الله – " إخراج العبد من داعية الهوى الا يترك مرسلا كالاطفال والبهائم يفعل ما شاء " .
 بل جميع تصرفات العبد ، بل جميع تصوراته وأعماله القلبية ، وجميع أقواله اللسانية ، وجميع حركاته جوارحه ، وجميع أفعاله على أرض الواقع ، هي تقع تحت الأحكام الخمسة .
فما منها شيء ، إلا وهو إما مباح ، وإما مستحب ، وإما مكروه ، وإما واجب أو محرم ، حتى مرتبة العفو التي ذكرها الشاطبي هي داخلة تحت الإباحة.....
فجميع تصرفاتك أيها العبد ، هي داخلة تحت حكم الشريعة ، وأنت ملجم بلجامها ، وإلا تفلت إلى هواك.
 لذلك ، فإذا أراد العبد ، أو اذا وقعت له واقعة ، أو نزلت به نازلة وهو لا يعلم حكم الشرع فيها ، وجب عليه أن يستفتي قبل أن يفعل ، لا بعد ان يفعل .
 
يَفعل ثم يَسأل!!
بعض الناس - هداهم الله - يقْدِم على الفعل الذي لا يعلم حكمه، ويهجم عليه هجوماً؛ ثم يبحث عمن يستفتيه..
( بعد خربان مالطة ! )
أبعد أن فعلت فعلتك، وركبت أحموقتك؛ تلتمس المخرج؟
هيهات هيهات..
هلا كان قبل الإقدام يا همام!
وهذا خطأ بلا ريب؛ أن يفعل العبد الفعل ثم يبحث عن مفتٍ ينقذه .
 هذه ورطة عظيمة !!
 فيجب ألا تخطو خطوة إلا بعد أن تعلم حكم الشرع فيها ، وذلك بأن تسأل من تثق فيه.
 قال تعالى ﴿ فَسۡـَٔلُوۤا۟ أَهۡلَ ٱلذِّكۡرِ إِن كُنتُمۡ لَا تَعۡلَمُونَ﴾ ، والأمر يدل على الوجوب .
ورحم الله القائل:
        وواجبٌ للعامي إن عَنَّ لهُ
حادثةٌ يجب علم حكمها
              سؤاله للعلماء النُّبها
إن لم يجد بأرضه فليرحلِ
     وذاك هدي السلف الأوائل.
فمن الذي ينبغي أن تستفتيه ؟
الذي ينبغي أن تسأله هو المفتي، وهو المجتهد المطلق كالأئمة الأربعة ونحوهم من أقرانهم..
  فالمجتهد المنتسب؛
  ثم مجتهد المذهب ،
  ثم مجتهد التخريج ،
  ثم مجتهد الفتوى.
 وهؤلاء جميعاً قد انعدموا في هذه الأزمان ، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
 فلم يبق أمامنا إلا أن نسأل من تصدى وتصدر للفتوى ، وعرف بها واشتهر أمره أو نصبه ولي الأمر للفتوى.
 فأنت تسأل من كان أهلاً للفتوى ، ثقةً عدلاً .
 
من ناحية الثقة من كان متأهلا لها .
وكيف يعرف العامي أن هذا يُسأل وهذا لا يُسأل ؟
هذا لا يعرفه ، لأنه لو عرفه لكان عالماً ، وهذا من شأن العلماء ، فالمستفتي مقلد وكل من دون المجتهد فهو مقلد.
وكلنا مقلدون.
كما قيل:
يقصد بالعاميِّ عند الفقها
من كان للحكم الشهير فاقها
دون الخفي والقليل وقُصِد
عند الأصوليين غيرُ المجتهد.
فالمقلد وطالب العلم - المتبع على بصيرة – أيضاً من جملة العوام .
اذاً يسأل من كان منتصبا للفتوى ، متصدياً لها ، مشهوراً بها ، معروفاً بها ، قد استفاضت معرفته بها، ويسأله الناس.
 ولو لم نقل بذلك لانسد باب الاستفتاء ؟! وهذا ممتنع.
 والعامي مقلد في كل شيء إلا في إختيار من يستفتيه ،
والبحث عما تُعلم الأهليّة
          به له فريصةٌ جليّة
فلا يسأل المفتي إذا كان فاسقاً ، ولا يسأل المفتي الماجن ولو كان عالماً ، فلا بد من الثقة بعلميته .
ولابد أيضاً من التحقق من عدالته ،
 ويكفي العدالة الظاهرة ، ألا يكون معروفاً بما يخرجه عن العدالة إلى الفسق؛ عياذاً بالله.
السؤال عبر الوسيط
أسأل بنفسك!
 فإذا عرفت من تسأل ووقعت لك نازلة فلا بد أن تسأل بنفسك.
والآن- فمن فضل الله - يمكنك أن تقابل من تثق فيه .
وثانياً يمكنك أن تتواصل معه عبر الهاتف ،
وثالثاً يمكنك أن تتواصل معه عبر الإنترنت.
فللأسف الشديد ، فإن من أخطاء المستفتين ، أنه يحمل السؤال لبعض الوسطاء ، بل لكل من يلقاه .
 
لكل من هب ودب.
فيقول : أسأل لي من تعرف ، أسأل لي في المسألة الفلانية .
يا أخي..
أسأل بنفسك ، فإن تصوير المسألة وتحقيق المناط عندك أنت؛ لأنك صاحبها وأعرف الناس بتفاصيلها..
لذلك كم من الناس من يرسل مسألة إلى المفتي فيجيبه بجواب.
ثم بعد ذلك قد يسأل صاحبُ المسألة بنفسه ، فتتغير الفتوى لماذا ؟
لأنه وقع خطأ في التصوير!
 بعض الأخوة الآن صار مركزاً لتجميع الأسئلة !!
يجمع  من هذا وذاك ، يجمع عشرات الأسئلة ، ثم يتصل بشيخ- مثلا - أو مفتٍ ، ويقول : سائل يقول...
سائل يقول...
فهو يجمع الأسئلة فقط ، فهذا التجميع مرفوض .
ولابد أنه يحتمل أخطاء ؛ لأن تصوير المسالة وتحقيق مناطها عند صاحبها .
مع أن الأمر أصبح ميسوراً .
فقديماً كانوا يرسلون لمالك مثلا ، وكان يجيب في كثير منها بلا أدري .
ولعل بعضها ؛ لعدم التصور الكامل الصحيح لأعراف البلاد ، وللعوائد التى انبنت عليها كثير من الأحكام .
 فبدلاً من أن تقول : اسأل لي.
قل له مثلاً أعطني رقم هاتف مفت أو شيخ تثق فيه.
أو يتصل به عبر الانترنت فيسأل بنفسه  مباشرة.
وإلا لن يكون أميناً ،
 لماذا ؟
 لأن هذا الوسيط:
١- قد يفهم سؤالك خطأ ، ولا يتصوره تصوراً كاملا ، بل تصوراً ناقصاً أو قاصراً .
٢-ثم يصوره للشيخ أو المفتي تصويراً فيه نقص آخر .
٣-ثم يحمل الجواب ، ويعبر لك عن الجواب ، فيحمل تقصيراً آخر ، فتقع جملة من التقصيرات ،
فالأول احتمال خطأ في التصور.
 
والثاني احتمال خطأ في التصوير. والثالث خطأ في فهم الجواب أو نقل الجواب بالمعنى!
وعندئذ لن تصلك الفتوى الصحيحة بحال من الأحوال إلا على قلة ونذرة.
فلماذا ؟!!
 وقد يسر الله لنا أسباب التواصل مع من نثق فيهم من أهل الفتوى.
فالله المستعان وعليه التكلان ولا حول ولا قوة إلا بالله.
التنقل على أكثر من مفتي
لا تفعل كما يفعل كثير من المستفتين ، يسأل هذا ثم ينتقل إلى ذاك ، ويسأل ويجمع الأجوبة ، ويأخذ أقربها لنفسه وهواه وشهوته .
هذا ليس من التقوى في شيء؛ أن تسأل أكثر من مفتٍ في مسألة واحدة.
ثم إنك ستقع في الحيرة!!
يأتي إلى المفتي فيسأله فيجيبه ، فيقول للمفتي :
 لكن سألت فلاناً وأجابني بكذا!
 فيقع في حيرة ،
 ويوقع المفتي في حيرة أخرى .
 ماذا يصنع لك وقد سألت أكثر من واحد!؟
وقد علمت أن المفتي ليس بالضرورة أن يفتيك في مسائل كلها قطعية ، كلها إجماع  .
بل يفتيك في مسائل خلافية .
إذاً فطالما أن المسألة خلافية ، وسألت أكثر من واحد ، فلابد أن تختلف فتاواهم .
فماذا تصنع ؟
تحتار ماذا اصنع ؟
تقول المشايخ حيرونا.
وحيرتمونا ماذا نصنع ؟
أنت الذي حيرت نفسك .
اختر واحداً - اجتهد في اختياره - ثم أسأله ، ثم لا تعدل عن قوله وجوباً، وإلا وقعت في الحيرة واتبعت هواك.
( وحرَّموا عليه الارتجاعا ......عن عملٍ بقوله إجماع )
 
وإياك والمفتي الذي يخيرك بين الأقوال لتختار ما تشتهي؛
كما يفعل "سعد الدين" الضلالي!
فاذا وجدت قولين فلا تختر بهواك ، وإلا كنت مرسلاً كالأطفال  والبهائم تفعل ما تشاء بلا ضابط.
فالشرع أراد أن يلجمنا بلجامه ، وأن يحكمنا بزمامه ، وأن يضبطنا ، وألا يترك الناس فوضى،
بل ليخرجهم من داعية الهوى إلى الهدى.
وليكون العبد عبداً لله، لا مرسلاً مع هواه.
بل لا بد من ترجيح ومن الذي يرجح ؟
المفتي هو الذي يرجح لك.
أنت لست أهلاً للترجيح اصلاً .
فالمستفتي مقلد.
والمقلد يحظر من ثلاثة أمور:
 من الترجيح ، ومن التخطئة ، ومن النظر في الدليل .
فليس هذا من حق المستفتي أبداً ، أن ينظر إلى إستنباط الأحكام من أدلتها مباشرة.
هذا شأن المجتهد المطلق.
وليس له - المقلد - أن يخطئ و يقول هذا خطأ وهذا صواب.
وليس له ان يرجح .
فليس له إلا أن يسأل بإنصاف وبنصيحة.
والله الهادي إلى سواء السبيل
وهو حسبنا ونعم الوكيل.
تعمية السؤال لغرض
وهذا أيضاً يقع فيه كثير من الناس ، أن يعمي المستفتي ويلبس على المفتي.
وفي الواقع إنما يخدع نفسه!
يعطيه بعض السؤال الذي يوافق هواه ، ويخفي ما ليس في مصلحته!!
حتى يستحل به ما ليس له بحق.
 
 
وإنما يقتطع له قطعة من النار، كما قال - صلى الله عليه وسلم - : ( إِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إِلَيَّ، وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ بحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ؛ فأَقْضِي لَهُ بِنحْوِ مَا أَسْمَعُ، فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ بحَقِّ أَخِيهِ فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنَ النَّارِ)  مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.
فلا تلبس ولا تعمي ولا تكتم من القضية شيئاً على المفتي.
واطرح السؤال كاملاً غير منقوص، بجميع ملابساته حتى يستطيع المسئول أن يحقق المناط ويتصور المسألة تصوراً صحيحاً.
فإن الله لا يخادَع كما يخادع الصبيان!
عندئذ إذا حقق المناط ،إستطاع أن ينزل الحكم الشرعي المناسب على هذه الواقعة المعينة.
و المفتي الأريب هو الذي يتفطن لذلك.
ورحم الله القائل:
ولا يعين سائلاً تحايلا
          أو ماكراً دلس فيما سألا
وليتفطن لخداع الناس ِ
        وليْكُ للباطن ذا التماس ِ
ومَن يخالط الأنام يجد ِ
           غرائب الحيل والمكايد .
مراتب الفتوى
هناك من المسائل ما لا يصلح فيها أن تستفتي فيها رجلاً بشخصه ، وإنما هي فتوى مجامع .
 فالنوازل لا يحيط بها شخص واحد ، بل هناك من يحقق المناط ،
مثل الاقتصاديون -مثلا -في باب الاقتصاد كمسائل التضخم والعقود الحادثة والبورصات ونحو ذلك.
والأطباء في المسائل الصحية ، كالموت الدماغي وتحديد نوع الجنين وكورونا ونحوها.
 والساسة وولاة الأمور، بمناطات الأحكام السياسية والمصالح العامة .
كقضايا الحرب والسلام والمعاهدات الدولية ونحو ذلك.
فهيهات أن يجيب رجل في مسألة تتعلق بالسياسة العامة ، كيف يحقق مناطها ؟
وهو لم يعلم أبعادها ولا ملابساتها وإنما يأخذ التصور من نشرات الأخبار!
هذا لا يحل له .
هذه فتاوى مجامع فقهية ، ثم دور الفتوى.
 
لأن عندها من المتخصصين ما يمكنها من تصور المسألة تصورا صحيحا.
ثم يأخذ الأطباء والاقتصاديون
والسياسيون خطوة للوراء!
وتوضع القضية بين يدي فقهاء الشريعة لإصدار الفتوى المناسبة بعد هذا التصور الصحيح.
هذا هو الواجب .
فلا بد أن نفرق بين ثلاث مقامات :
 المقام الأول :  مقام التدريس .
والمقام الثاني : مقام الإفتاء .
والثالث : مقام القضاء .
التدريس :وهو الذي فيه بسط الأدلة ، والفقه المقارن ، والترجيح ، والنظر وهكذا هذا مقام تدريس.
المقام الثاني  :هو مقام الإفتاء ، وفيه يصدر المفتي فتواه ببيان الحكم مجرداً؛ فيقول مثلاً :
حلال أو حرام.... إلخ،
ولا تعرض فيه للتوسع ؛ حتى لا يتشتت المستفتي في بحار الأدلة وتلاطمها.
أو حتى لا يستسهل الأمر ، فيبني على ما يسمعه من الأدلة ، بناء على سهولة هذه الفتوى.
 والثالث : مقام القضاء.
إذا وقعت منازعة بين طرفين ، خصومة بين الورثة - مثلاً - أو بين أحد الإخوة وبقية الإخوة الآخرين.
 فيسأل فيأخذ من الشيخ فتوى ، فيطبقها حكماً ، ويقول : هذا المال لي وقد أفتاني الشيخ به ، هذا خطأ عظيم ! .
لابد أن نفرق بين مسائل الخصومات وبين مسائل الإفتاء.
 مسائل الإفتاء ، مثل : انا حلفت قلت كذا، انا صليت ونسيت كذا ، مسائل الزكاة ونحوذلك .
أما خصومة بين طرفين ، فهذه من القضاء.
 فالقضاء  إلزام .
 
والفتوى بيان وإعلام .
والتدريس تفصيل وشرح وإفهام.
فمقام القضاء في الخصومات ، لابد أن يستمع إلى جميع الأطراف ، وألا يحكم بادي الرأي ، بمجرد أن يسمع لأحد الأطراف فيحكم له ، دون أن يسمع للطرف الآخر .
كما في الحديث :(إذا جاءك أحد الخصمين وقد فقئت عينه فلا تحكم له، فلعل الآخر فقئت عيناه جميعا)!
 إذا كانت هناك مشكلة ، فلا تسأل بمفردك فأنت طرف في خصومة متعددة الأطراف .
ولكن أدخِل بينكم من يحكم بينكم فتحتكمون إليه إن كان أهلاً لذلك ، فيسمع من الطرفين ، لأنها لم تعد مسألة إفتاء ، وإنما أصبحت مسألة قضاء ، تترتب عليها حقوق مالية  وواجبات وغير ذلك والله أعلم
هل يطالب المستفتي المفتي بالدليل؟
أقول :
طالما أنك سألت رجلاً متمكناً متأهلاً للفتاوى، فلا يشترط ذكر الدليل لصحة الفتوى.
فموضوع الفتوى معرفة الحكم لا بسط الأدلة.
فذلك له مقام آخر؛ وهو مقام الدراسة.
ثم لا تظن أن الأدلة كلها صريحة في المطلوب!
فكيف ستفهم وجه الدلالة!؟
 فليس من شأن المستفتي المقلد أن ينظر في الدليل.
بل ربما أضر به ذلك!
وشوش عليه الفتوى.
 مثلاً:
سألت المفتي عن حكم غسل الجمعة ؟
فقال لك : مستحب.
عندئذ تراودك بعض الوساوس ، كيف يقول مستحب والنبي - صلى الله عليه وسلم-  قال :"غسل الجمعة واجب على كل محتلم"؟ والحديث صحيح.!
 أنت أخذت الحكم من دليل واحد.؛ ولكن أهل العلم ليسو كذلك .
 
بل لابد من جمع النصوص ، وجمع النصوص يحتاج الى إستقراء الشريعة.
 ثم إعمال كيفية الفهم  ،علم أصول الفقه ، ودلالات الألفاظ ، ومقاصد الشريعة ،  ثم تنظر في الخلاف.
إن الجمهور الذين قالوا : إن غسل الجمعة مستحب .
لمَ يخفى عليهم هذا الدليل ؟!
  بل وصلهم وكانوا أحرص على إتباع الأدلة ممن جاء بعدهم .
أما الشافعي فقال واجب : أي واجب في الآدب ، وكل أمر في الآداب فهو مستحب.
هذه قاعدة:
 كل أمر جاء في الآداب،  فهو أمر إرشاد وتأديب ، وليس واجباً.
هذا من ناحية الوجوب.
ثانيا : لو سلمنا أنه واجب ، فإن الجمهور قالوا : ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث آخر، أنه قال : " مَنْ تَوَضَّأَ يَوْمَ الجُمُعَةِ فَبِها وَنِعْمَتْ، وَمَن اغتسلَ فالغُسْل أفضَل "
 فهنا قال : الغسل أفضل ، فكيف نعمل وكيف نجمع ؟
 طبعاً هذه مسألة خلافية أصلاً .
فالإمام أحمد رجح الوجوب ، وأجاب عن أدلة الجمهور.
 والجمهور أجابوا عن أدلة الإمام أحمد.
فالعلماء لهم أهلية الترجيح .
وأنت قلد من تثق به ، لا حجر عليك في التقليد ، بل هو واجبك.
بشرط ألا تكون متبعاً لهواك ، وألا تختار من الفتوى ما يناسب شهوتك ، وغرضك الدنيوي.
وألا تنتقل بين المفتين تنتقي الفتاوى التي تناسبك.
 فهذا ضلال ، وهذا سوء نصيحة لنفسك.
فمعرفة الأدلة و النظرفيها ليس من شأن المستفتي .
 المستفتي ليس له شأن بذلك ، ولا ينبغي الخوض في ذلك، لأنه سيطعن في العلماء.
وربما أساء بهم الظن.
والطعن ليس من شأن المستفتي ولا من شأن طالب العلم ولا من شأنه الترجيح كما مر.
فشأن المستفتي أن يقلد .
 
يسال من تأهل لذلك ويثق به .
أما إذا أردت أن تخطو خطوة ، وتنظر في الأدلة ، فينبغي أن تطلب ذلك في غير مجال الفتوى ، في طلب العلم.
فتدرس المذاهب المعتمدة ، وتدرس الأصول والفروع واللغة... وهكذا .
أما في مجال الفتوى ، فلا تنتظر من المفتي ، إلا أن يقول لك: يجوز أو لا يجوز .
  فيعطيك الحكم الشرعي وتمضي لحال سبيلك، قد فعلت ما عليك وأديت الواجب عليك.
أما أن تطلب الدليل ، فسوف تدخل فيك هذه الوساوس ، التي ربما تطعن من خلالها ، أن الشيخ خالف الدليل أو خالف السنة بهذه الدعاوى العريضة .
﴿ فَسۡـَٔلُوۤا۟ أَهۡلَ ٱلذِّكۡرِ إِن كُنتُمۡ لَا تَعۡلَمُونَ بِٱلۡبَیِّنَـٰتِ وَٱلزُّبُرِۗ ﴾. بالبينات والزبر: أي أهل العلم بالبينات والزبر، أي المجتهدون. ومن عدا المجتهد فإنما هو ينقل عن المجتهد.
وقد قال الشاطبي رحمه الله :
الفتوى للعامي كالدليل للمجتهد
ونظمها ابن مامين رحمه الله تعالى :
ونسبة الفتوى لمن عمّ اقتدي
         كنسبة الدليل للمجتهد ِ
مَن عمّ يأخذُ من المجتهد
    وذو اجتهادٍ بالدليل يهتدي.
"وما أوتيتم من العلم إلا قليلا"
تنبيه وتوجيه حول فقه الدليل .
ومن الأوهام التى تتعرض للبعض ، ما يزعمه  أنه لا يأخذ إلا من معه الديل ، وكأن الله قد اثره بالدليل يوم خفي على ابي حنيفة ومالك والشافعي واحمد والبخاري وابن تيمية وابن القيم ومن نحى نحوهم مثلا.
فالعلماء كلهم قد خرجوا من الدليل أو بالدليل ، وتعاملوا مع الدليل ، لكن الأدلة في الشريعة كثيرة جداً ، ما بين منطوق وبين مفهوم.
العلماء قد يختلفون في قواعد الجرح والتعديل ، فيصحح بعضهم حديثاً ، وهو عند غيره صحيح ، فيحكم بمقتضاه.
 ومنتهاك حينئذ أن تقلد أحدهما .
أما أن تقول فلان أخطأ ، فهذه ليست لك ، وإلا فقد أرتقيت مرتقا صعباً.
ولتعلم أن الأئمة الأربعة هم فقهاء دليل ، فلم يخرجوا عن الدليل ، حتى تقول انا معتمد على الدليل الصحيح!، أما فقه المذاهب فخارج عن ذلك ، لقد أخطأت يا هذا وقلت ضلالة.
 
بل الائمة الاربعة ومن تبعهم بإحسان ، ما تكلموا إلا بدليل ، لكن هذا الدليل ليس بالفهم السطحي الذي تفهمه ، الذي في كل مسألة قال رسول الله كذا بل الأدلة : أدلة دلالات نصوص الكتاب والسنة الكتاب والسنة .
حتى اللفظ نفسه لأبد أن تكون ضابطا لمعناه ، وناظراً إلى تفاوت الدلالات .
ما هو نص ، وما هو ظاهر ، وما هو مجمل ، وما هو مبين ، وما هو مطلق ، وما هو مقيد وما هو عام وما هو خاص.
ثم بعد ذلك دلالة الإيماء ، ودلالة الإقتضاء ، ودلالة الإشارة.
 عبارة النص وأشارة النص .
مفهوم الموافقة ومفهوم المخالفة ، في دلالة المنطوق ودلالة المفهوم ، هذا في اللفظ نفسه .
وقبل ذلك تنظر في سنده إذا كان حديثاً ، هل هو صحيح ؟ هل هو ضعيف؟ ومراتب الصحة ، وماذا تفعل عند التعارض ؟ وكيف ترجح ؟ أو كيف تجمع؟
ثم في أصول الفقه ، ثم في مراتب الخلاف ، هل المسألة فيها خلاف معتبر؟ أو ليس فيها خلاف معتبر؟
 فهذا ينظر الى الأدلة بسطحية ، سطحية محضة ، وهو مقلد ويزعم أنه مجتهد ، ويتعامل في النصوص كما تعامل أبو حنيفة ومالك والشافعي وأحمد ، هذا متعالم ، وقائل على الله بغير علم.
وقديماً طلب شيخ الاسلام ابن تيمية أن يوضع على هؤلاء شرطة ، شرطة الفتاوى التي تأخذ على أيدي المتساهلين ، أو الذين يفتون بغير علم .
ولما تعجب من قوله قال : أيكون على الخبازين والطباخين محتسب ، ولا يكون على أهل الفتوى محتسب.
في المجلس الواحد الكل يتكلم ، يقول أحدهم حلال ؟!
 لا ليس فيها شئ ، ايه اللي حرمها ؟ ايه اللي كزا ؟!
هكذا وهو لا يعلم - من يقول ذلك - أنه يوقع عن رب العالمين.
وكما قال بعضهم المفتي كأنه متحدث بأسم الله.
كما تجعل وزارة الصحة - مثلا - متحدثاً رسميا .
فهذا الذي يفتي إنما يخبر حكم الله في المسألة.
" إعلام الموقعين عن رب العالمين " كما قال ابن القيم .
 هذا متكلم بأسم الله.
 من أين من خولك هذه الصلاحية ؟ قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -  " أجرأكم على الفتية ، أجرؤكم على النار"
وقال " من أفتي بفتيا غير ثبت، فإنما إثمه على من أفتاه " والحديث عند الدارمي وهو صحيح.
اذاً الأمر خطير فلا يلعب بك الشيطان.
 
 
شهوة الإفتاء!
بعض الناس فيستفتي فيجد مثلا من يتدخل في الكلام.
مثلا تعرض المسألة فكل واحد من الحاضرين يبدي فيها رأيه!!
يعني مجلس الفتوى صار فضفضة! صار دردشة!  تماماً كما يحدث في "ماتشات" الكورة.
بعد كل "مباراة" يجلس الناس ويحللون وتتعالى أصواتهم .
 وكذلك يفعلون!  أحدهم يقول :لا ما فيها شيء ، والآخر يقول : حلال ، والثالث يقول: حرام.
 وهكذا ثم آخر من يتكلم من يجيد الفتوى أو يحسن الفتوى أو يعرف الفتوى بأصولها.
هذا إن ترك له مجال للكلام!
وهذا قول على الله بغير علم.
ابن القيم - رحمه الله- سمى المفتين "موقعين عن رب العالمين"
 في كتابه إعلام الموقعين عن رب العالمين.
 فالمفتي كأنه يوقع مرسوماً أن الله قد أحل ، أن الله قد حرم.
أن الله قد أباح.
فهذا قول على الله بغير علم.
 "أجرؤكم على الفتيا أجرؤكم على النار"
 "اتخذ الناس رؤوساً جهالاً فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا".
فهؤلاء عصاة آثمون عند الله - وإن أصابوا-
لأنهم ليسوا من أهل الفتوى ، فليحذر هؤلاء.
لكن للإسف الشديد ، طالما أنه ليس على الفتوى محتسب ، فالكل يتكلم وفي كل شيء .
 والفتوى خطيرة جداً ؛ لإنها قول على الله ، توقيعٌ عن رب العالمين .
 فالمفتي يتحدث بإسم الله ، فإذا قال حلال ، فمعناه أن الله أحل ، وإذا قال حرام ، معناه أن الله حرم
 قال تعالى ﴿وَلَا تَقُولُوا۟ لِمَا تَصِفُ أَلۡسِنَتُكُمُ ٱلۡكَذِبَ هَـٰذَا حَلَـٰلࣱ وَهَـٰذَا حَرَامࣱ لِّتَفۡتَرُوا۟ عَلَى ٱللَّهِ ٱلۡكَذِبَۚ إِنَّ ٱلَّذِینَ یَفۡتَرُونَ عَلَى ٱللَّهِ ٱلۡكَذِبَ لَا یُفۡلِحُونَ ﴾ [النحل ١١٦]
 
 
 ومن مزالق وآفات الإستفتاء عند المعاصرين  :
● الآفة الأولى : ترويج الفتوى على مواقع الانترنت .
من الأخطاء الشائعة أنه إذا وجد الشخص فتوى معينة ، ورآها قد  أعجبته وراقته ، سرعان ما ينشرها ويروجها ، عن طريق المشاركة "التشيير"، فتنتشر، وربما تقع عند أناس آخرين في واقع مخالف، ومناط مختلف .
 والمسألة نفسها قد تكون خلافية!! والخلاف فيها خلاف معتبر.
لكن الذي ينشرها لا يعلم إلا هذا القول ، ويظن أنه الحق المطلق.
وبالتالي تقع المفاسد ، ويقع التعصب ويقع التضييق والحرج.
وقديما كان المستفتي يستفتي ، ويأخذ الفتوى من العالم مباشرة ويذهب .
 أما الآن ، فخطورة الأمر: أن الجالسين على مواقع الإنترنت ، لا يحسنون هذه الآداب ، ولا يتقيدون بهذه الضوابط .
 فالمسألة تكون خلافية ، لكن وجد أحدهم  فتوى معينة ، إما بالحل أو بالحرمة أو بالتبديع مثلا ، فينشرها ، ولم يعلم أن المسألة خلافية ، فيترتب على ذلك من المفاسد ، ما قد وقعت الأمة فيه ، بما أدى إلى تباغض القلوب ، وإلى التدبر والتهاجر وإلى الاتهام.. وغير ذلك من المفاسد ، ولا حول ولا قوة إلا بالله !
فحذار حذار من ترويج الفتيا .
لا تروج لشيء لست من أهله.
لا تقم بمشاركة الفتاوى في المسائل الخلافية.
● الآفة الثانية : الفتاوى الجاهزة    
ويبحث ويبحث ويقلب ، ويجد فتاوى أشكالاً وألواناً.
ماذا يفعل هذا الرجل؟  وماذا تفعل تلك المرأة ؟ 
هذا استهانة بدين الله؛ أن تبحث عن فتوى جاهزة ، لم يسمعها المفتي منك شخصياً .
 
فهذا مزلق آخر، في عدم تحقيق المناط الصحيح  .
فأسأل بنفسك مباشرة.
أما البحث عن فتوى جاهزة ، فهذا كالذي يأخذ "روشتة" مريض آخر دون أن يصفها له الطبيب!
وهذه حماقة طبية تفسد الأبدان والفتوى الجاهزة تفسد الأديان .
 فليس في الشريعة شيء اسمه فتوى جاهزة ؛ لأن الفتوى تنزيل حكم شرعي على أرض الواقع.
الأحكام الشرعية ثابتة ، وهي: الواجب والمحرم والمندوب والمكروه والمباح .
لكنها لا تتنزل إلا على أرض من أحكام الوضع:
 الأسباب والشروط والموانع ، هل تحققت فيك أم لا؟
  هناك فروق فردية، وعوامل خارجية.
إن الطبيب إذا قام بالكشف على مريض ، فربما يغير له بعض الأدوية أويغير في نسبة الجرعات ، وذلك بناء على حالة المريض المعين .
فلا يمكن أن يتناقل الناس "روشتة" معينة لمرض معين ، والكل يتداوى بها بلا ضوابط !
 فكذلك الفتاوى ، هناك فروق فردية ، فلا ينبغي أبداً ترويج الفتوى على مواقع الإنترنت، كما لا يجوز لك أن تبحث عن فتوى جاهزة.
وإن كنت متلاعباً بشيء فلا تتلاعب بدينك.
واتق الله.
بل عامل آفات دينك بما تعامل به آفات بدنك!!
● الآفة الثالثة : طرح الحوادث والمشكلات والقضايا الإستفتائية على العامة لإستبيان الأراء !!! .
ومن أعجب ما رأيت ، أن يقوم بعض مستعملي الفيسبوك بطرح قضايا إفتائية ، يطرحها على الفيسبوك، ويأخذ آراء الناس :
ما قولكم في - مثلا – إغلاق المساجد في كورونا ؟
 
ما قولكم فيما فعله الرئيس الفلاني ؟
 ما قولكم في هذا ؟
 ويأخذ آراء الناس .
 إن هذا الرجل ، يفتح للناس أبواب جهنم عياذا بالله!
إنه يقول لهم : قولوا فيما لا تعلمون ،
خوضوا في دين الله بغير ضابط ، قل حلال ، قل حرام ، قل واجب ، قل صح أو خطأ.
ولا حول ولا قوة إلا بالله.
كيف تفتح الباب لهؤلاء؟! كيف تفتح باب الخوض في دين الله بغير علم؟
تطرح قضية ، بل ربما كانت من النوازل التي لا يصح للعالم الجهبذ أن يفتي فيها ، بل هي فتاوى مجمعية  تحتاج إلى تحقيق مناط اقتصادي أو طبي ، ثم بعد ذلك يأتي الإفتاء من قبل المجامع الفقهية  أو دور الفتوى في العالم الإسلامي .
وليس معنى هذا أن الطبيب يفتي في النوازل الطبية ولا أن الإقتصادي يفتي في النوازل الاقتصادية.
 فليس معنى أن الطبيب يوصف الواقع ، أنه يفتي .
 بل هو يشخص الحالة، ويحقق المناط ، ثم يرفع الأمر إلى أهل الشريعة .
وعدم التحقيق للمناطِ..... ينشأ عنه أكثر الأغلاطِ .
 إذ يقع التطبيق للكلي.... على سوى مناطه الجزئي .
 وعادم الفطنة لا يحقق ....مناط كلي له يطبق.
وكذلك الفتاوى السلطانية التي تتعلق بالجهاد ، والحرب والسلام ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر العام ، لا يتكلم  فيها إلا السلطان ، إلا ولاة الأمر، لأنهم هم الذين يحققون هذا المناط ،  ويدركون المصالح والمفاسد .
  أما الفتاوى الاعتيادية ، فشأن أهل العلم.
أما المستفتي فهو مقلد لا شأن له بهذا الباب أصلا!
 
فكيف يطرح قضية على الفيسبوك ؟ ويأخذ آراء الناس والتعليقات والخلافات ؟
ثم يصير الأمر دردشة وفصفصة ومزاح!
فيا ليت شعري أنسمي هذا تلاعباً بالشريعة وأحكامها؟
أم استخفاف وتهريج؟
ولو مرض طفل لواحد منهم ما رضي بأخذ الآراء في علاجه بهذه الطريقة.
 فلا حول ولا قوة الا بالله !! .
● الآفة الرابعة : أخذ الفتوى من الكتب   .
خطورة الفتوى بمجرد النقل من الكتب دون تحقيق المناط .
ثم تعميم الفتوى لكل أحد دون ملاحظة الشروط والأسباب والموانع والزمان والمكان والأحوال والنيات والعوائد فيما مجاله ذلك.
قال القرافي - رحمه الله تعالى - : " هذه قاعدة لا بد من ملاحظتها، وبالإحاطة بها يظهر لك غلط كثير من الفقهاء المفتين، فإنهم يجرون المسطورات في كتب أئمتهم على أهل الأمصار في سائر الأعصار، وذلك خلاف الإجماع!
وهم عصاة آثمون عند الله تعالى غير معذورين بالجهل؛ لدخولهم في الفتوى وليسوا أهلا لها ولا عالمين بمدارك الفتاوى وشروطها واختلاف أحوالها” .
والجمود على المنقولات أبدا ضلال في الدين، وجهل بمقاصد علماء المسلمين والسلف الماضين".   (الفروق )
● الآفة الخامسة : إنكار المستفتي على مستفتٍ آخر.
مثلا رجل أفتاه عالم بفتوى ، فوجد آخر قد أُفتي بفتوى تخالف فتواه ، فينكر عليه، ويريد إلزامه بما أفتي به هو من شيخه!
وقد علمنا أن المستفتي مقلد، وأن المقلد لا يجوز له :
 الإنكار، ولا الترجيح ، ولا التخطئة ، فهذه ثلاثة محاذير .
 وإنما غايته أن يقلد قول من أفتاه ،  فهو على مذهب من أفتاه.
 
أما أن يتعرض لمستفتٍ آخر، ويقول له :  شيخك قد أخطأ في فتواه،  فهذه تخطئة،  ثم هذا طعن.
إن المفتي قد يفتي في مسألة خلافية ، ولو شاء الله عزوجل لجعل الشريعة كلها قطعية الثبوت وقطعية الدلالة ، ولما وقع خلاف أصلاً ، لكن أبت حكمة الله ذلك ، ولا يزالون مختلفين.
اختلف الصحابة رضي الله عنهم ، مع أن النص موجود بل وواضح فيما يظن ، قال عليه الصلاة والسلام لهم:
" من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يصلين العصر إلا في بني قريظة            ".
 قد نراه واضحاً ، وإذا به خفاء.
فإدراك العصر في الطريق ، لم يتعرض له النص ،  من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يصلين العصر إلا في بني قريظة .
لو أن الناس وصلوا إلى بني قريظة قبل العصر ، وأذن العصر في بني قريظة وصلى الناس لما وقع خلاف.
لكن في الطريق وقع مناط جديد لم يصرح به النص، أن العصر أدركهم في الطريق فاختلفوا ، فبعضهم راعى الظاهر وبعضهم راعى المقصد ، وسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يخطئ واحداًمنهما ، لإن الخلاف فيها معتبر؛ لأن النص يحتمله.
إذاً فالشريعة فيها أمور واضحة ، فيها المحكم ،
 وفيها أيضا النص .
وفيها الظاهر.
وفيها المبين .
وعلى الجهة الأخرى :
ففيها المتشابه .
وفيها المشكل .
وفيها المجمل .
وفيها الخفي .
 
 فهذه مراتب الخفاء .
والله عزوجل جعل الشريعة منها آيات محكمات وأخر متشابهات ، ولو شاء الله عزوجل لما جعل ذلك .
 فالمفتي قد يفتيك بفتوى قد اختلف فيها العلماء ، فلا تحمل الناس على مذهب واحد - وتقول طالما شيخي أفتاني ، إذاً ففتواك أنت خطأ.
وهذا من الخطأ البين .
ذلك بأن يربط المستفتي بين عقيدة المفتي وبين فقهه.
معلوم أن السلف الصالح - رضي الله عنهم - ، وأن الأئمة المرضيين ، المتقدمين ، المتبوعين-  من أهل المذاهب - كانوا على عقيدة السلف الصالح ؛ لكن دب بعد ذلك ، ودخلت على بعض الأتباع من المتأخرين ، الأشعرية والماتريدية.
- مثلا -عند متأخري الأحناف الماتريدية ، وعند الشافعية والمالكية الأشعرية ، وبقي أتباع مذهب الإمام أحمد في غالبهم على عقيدة السلف الصالح .
أقول عند ذلك:
 هناك من يربط بين معتقد المفتي ، فالمفتي - مثلا - إذا كان أشعرياً فلا يقبل منه الفتوى وإن كان يتكلم في الفقه !! .
 هذا المتأخر من العلماء سواء من الشافعية أو من المالكية أو من غيرهم ، حتى ولو كان أشعريا ، لكن فقهه أخذه ممن؟
أخذه من الإمام مالك أو من الإمام الشافعي أومن الإمام أحمد ، أو من الإمام أبي حنيفة ، ليس فيه من الأشعرية شيء ، ولا من الماتريدية ، ولا من الإرجاء ، ونحو ذلك من الأشياء التي دخلت على المتأخرين منهم ، بل الأشعري نفسه كان شافعياً!
 فلا ينبغي أن يقال:
 إن المفتي إذا كان صحيح العقيدة فيلزم أخذ فتواه في الفقه، والعكس بالعكس ، طالما أنه أشعري فلا نقبل منه الفتوى!
 هذا خطأ مجرد.
 
 ومن الذي يستغني عن فقه ابن حجر في شرحه البخاري في فتح الباري ؟
 ومن الذي يستغني عن فقه الإمام النووي ؟
 ونحو ذلك ، وهم قد وقعوا في بعض الأشعريات .
 ومع ذلك فينبغي إذا كان المفتي ضابطاً لفقهه ، معتمداً على أقوال المعتمدين والعلماء المعتبرين من سلف الأمة ، ألا ننظر في الناحية الفقهية إلى مسألة عقيدته ؛ لأننا لا نأخذ منه عقيدة ، فالعقيدة تؤخذ من أربابها .
 أما أن نلزم المستفتين المعاصرين ألا يأخذوا الفتوى الفقهية إلا من عالم سلفي على الجادة ، فهذا خطأ.
ثم بعد ذلك يحدث الولاء والبراء على الفتاوى الفقهية الإجتهادية ؛ لأن الشيخ إذا كان حسن العقيدة ، ثم أفتى بفتوى فقهية ، واختار قولاً ، يُشهّر هذا القول باعتباره قول أهل السنة والجماعة!!
 وهذا خطر عظيم يفرق الامة ، ويبدد شملها لماذا ؟ .
 لأن هذا العالم لما رجح قولاً ، ألغى بقية الأقوال رغم أنها معتبرة !!
 ورغم أنها ثابتة عن السلف !!  .
فهذه ضحالة وسطحية وجمود ، يؤدي إلى تفجير ما نحن فيه من صراعات بين أهل الملة ، بين المسلمين ، بين أهل السنة والجماعة على فتاوى فقهية ، على فتاوى خلافية وقع الخلاف فيها ، وهو خلاف معتبر ، يقع فيه الولاء.
خذ العقيدة من أربابها .
وخذ الفقه من أهله.
ولا حول ولا قوة الا بالله .
بمعنى أن هذا السائل الذي قد سأل وأجيب من متأهل للإفتاء ، ووقعت أمامه مسألة مشابهة لمسألته، فيقوم بتخرج فتوى على فتواه!
يقول أنا حدثت لي نفس المشكلة والمفتي أفتاني بكذا فيقيس في الإفتاء فيخرج قولاً على ما أفتي به!!
 وهذا لا يجوز ، ولا يحل في دين الله أن تفتي بالقياس ، أنت لست من أهل القياس أصلاً.
 
ثم إنه لا يقاس على الفتوى ، الفتوى لا يقاس عليها ، ولست من أهل القياس ولا من أهل النظر، ولا هي من مسائل القياس.
فالقياس يكون من أهله، وفي الأحكام الشرعية لا في الفتاوى.
فلا يجوز لك القياس في الفتوى.
ومن أخطاء المستفتين صياغة مسألته بصيغة عامة!
فبعض الناس إذا أراد الاستفتاء عن شيء وقع له ، قام بصياغة الفتوى على طريقته هو .
 مثلا قال: "عليّ الطلاق كذا".
 فيقول : يا شيخ ما حكم الطلاق المعلق!
 يعني صاغها بطريقة أخرى ،
ما حكم الطلاق المعلق ؟!
لأنه اعتبر أن حلفه بلفظ "علي الطلاق " طلاقاً معلقً!
فبدأ يسأل عن الطلاق المعلق!
فإذا أخبره المفتي بحكم الطلاق المعلق ، رجع هو الى مسألته وخرّجها عليها ، وأفتى نفسه بتطبيق كلام المفتي العام على مسألته الخاصة جاهلاً بفروق التنزيل وضوابطه!
فعاد الأمر إلى نصف استفتاء،
وليس استفتاءً كاملاً.
فيجب عليك أن تحكي للمفتي موضوع الفتوى بلا تعديل ولا تحوير ولا تعمية. 
نسأل الله تبارك وتعالى ، أن يعلمنا ما ينفعنا وأن ينفعنا بما علمنا وأن يزيدنا علماً
وصلى الله على نبينا محمد وآله، والحمد لله رب العالمين.
والله تعالى أعلم

========================

لمشاهدة #الجزء_الأول
👇👇👇👇👇

|| تعليم المُستَفْتي .. كيف يَسْتَفتيِ ||




لمشاهدة #الجزء_الثاني
👇👇👇👇👇

| تعليم المُستَفتيِ ||


🔴
- ترويج الفتوى على مواقع الانترنت ..
🔴
- طرح قضايا لأخذ الآراء ..
🔴
- البحث عن الفتوى الجاهزة ..
🔴
- إنكار مُستفتي على مُستفتي ..
🔴
- إنكار مُستفتٍ على المُفتي ..
🔴
- إنكار المستفتي على فتاوى أُجيب بها الأقليات ..
🔴
- ربط المُستفتي الفتوى بعقيدة المُفتي والعكس ..
🔴
- جعل مسائل الفُتيا الخلافية ولاء وبراء .
🔴
- تشهير مسائل وترجيحها باعتبارها مذهب أهل السُنّة ..
🔴
- تخريج المُستفتي بالقياس على ما أُفتي فيه ..
🔴
- جهل المُستفتي بمراتب الفُتيا .. اعتيادية .. مجمعية سلطانية .. وما خرج مخرج الزجر ، أو التأليف ..
🔴
- إعادة صياغة المستفتي للسؤال بطريقة عامة ..
🔴
- عدم التفريق بين مقامات التدريس ، والفُتيا ، والقضاء ..
شاركه على جوجل بلس

عن الكاتب العلوم الشرعية

    تعليقات بلوجر
    تعليقات فيس بوك

0 التعليقات:

إرسال تعليق