إعراب وفوائد من سورة العصر




|| إعراب وفوائد من سورة العصر ||
صوتي ||https://f.top4top.net/m_890x3d2k1.mp3 ||
مرئي || https://youtu.be/9u5qP0xq0ko ||

تحميل الملف بصيغة الــpdf ـ||https://up.top4top.net/downloadf-1090dz3k71-pdf.html ||ـ
#برنامج_مجالس_رمضان1439
إعراب قصار السور... فوائد نحوية، وصرفية ،وبلاغية، وتفسيرية
====================

إِعْرَابُ وَفَوَائِدُ
مِنْ "سورةالعصر"


كَتَبَهَا
أَبُو طَارِق
مَحْمُودُ مَحْفُوظ


بسم الله الرحمن الرحيم
مدخل
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومنْ والاه.
أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم من همزه ونفخه ونفثه.
بسم الله الرحمن الرحيم
﴿وَالْعَصْرِ۞ إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ۞ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ﴾[العصر:1،2،3]
سورةٌ عظيمة في ثلاث آيات، لها علاقةٌ بما قبلها وما بعدها؛
·       فما قبلها فإنها سورة التكاثر ﴿أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ﴾.
·      وما بعدها ﴿وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ ۞ الَّذِي جَمَعَ مَالًا وَعَدَّدَهُ﴾
فقبلها تكاثرٌ بالأموال والأولاد يُلهي ويُطغي ﴿حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ﴾
وبعده تشاغلٌ بالمال مع الهُمزة اللُمزة ﴿الَّذِي جَمَعَ مَالًا وَعَدَّدَهُ﴾،
 وبين هذا الضياع، وهذا الويل، وذاك التكاثر والإلهاء بالتكاثر تأتي سورة العصر.
نبدأ بإعرابها:
·       ﴿وَالْعَصْرِ﴾ الواو: حرف قسم، حرف جر يفيد القسم مبني على الفتح.
·       ﴿الْعَصْرِ﴾ مجرور بالواو وعلامة جره الكسرة الظاهرة وهو المقسَم به .
·       ﴿إِنَّ﴾ حرف ناسخ.
·       ﴿الإِنسَانَ﴾ اسمها منصوب بالفتحة الظاهرة.
·       ﴿لَفِي﴾ اللام هي لام التوكيد وهي اللام المزحلقة.
وفي حرف جر.
·       ﴿خُسْرٍ﴾ اسم مجرور بـ (في) وعلامة جره الكسرة الظاهرة،
·        وشبه الجملة ﴿لَفِي خُسْرٍ﴾في محل  رفع خبر  إنَّ ﴿إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ﴾.
·       ﴿إِلَّا﴾ أداة استثناء.
·       ﴿الَّذِينَ﴾  اسم موصول مبني على الفتح في محل نصب مستثنى بـ (إلا).
·       ﴿آمَنُوا﴾ فعل وفاعل، آمن فعل ماض مبني على الفتح المقدر منع من ظهوره اشتغال المحل بحركة المناسبة
·       ﴿آمَنُوا﴾، فـ واو الجماعة يجب أن يُضم ما قبلها (آمَنَ).
الأصل: أنه مبنيٌ على الفتح (آمَنَ)، لكن لما اتصل بواو الجماعة (آمنوا) أدى ذلك للثقل، فواو الجماعة تُناسبها الضمة؛
 لذا نقول: (آمَنَ) فعل ماضي مبني على الفتح المقدر بدلًا من الفتح الظاهر منع من ظهوره اشتغال المحل بحركة المناسبة.
إعرابٌ آخر:
﴿آمَنُوا﴾ فعل ماض مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة،
 إذًا ﴿آمَنُوا﴾ فعل وفاعل، والجملة من الفعل والفاعل لا محل لها من الإعراب صلة الموصول،
كما أنَّ الجملة ﴿إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ﴾ لا محل لها من الإعراب؛ لأنَّها جواب القسم.
·       ﴿وَالْعَصْرِ﴾ هذا قسم، وجوابه: ﴿إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ﴾ إلى آخر الآيات،
·        فهذه الجمل التي أُقسم عليها لا محل لها من الإعراب.
·       ﴿إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا﴾ الواو حرف عطف.
·       ﴿وَعَمِلُوا﴾ فعل ماض مبني على الفتح المقدر منع من ظهوره اشتغال المحل بحركة المناسبة لواو الجماعة.
أو فعل ماض مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة.
·       ﴿الصَّالِحَاتِ﴾ مفعول به منصوب بالكسرة؛ نيابةً عن الفتحة لأنه جمع مؤنث سالم.
·       ﴿وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾ فعل وفاعل ومفعول.
جمع المؤنث السالم يُنصب بالكسرة ويُجر بالكسرة كما أن الممنوع من الصرف يُنصب بالفتحة ويُجر بالفتحة، قالوا: والسبب إنه المؤنث السالم له نظير وهو جمع المذكر السالم، جمع المذكر السالم تتحد علامته في حالة النصب والجر، أقول: رأيت المؤمنين، وسلَّمت على المؤمنين، فـ(المؤمنين) منصوبة بالياء، وعلى المؤمنين مجرورة بالياء،
فعلامة النصب والجر واحدة، فجمع المؤنث السالم أخذ الأسوة، يُنصب ويُجر بعلامةٍ واحدة وهي الكسرة.
·       ﴿وَتَوَاصَوْا﴾ معطوفة على عملوا، فعل وفاعل ﴿وَتَوَاصَوْا﴾.
 لكن ﴿عَمِلُوا﴾ فعل ماض مبني على الفتح المقدَّر أو مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة هنا ليس مبنيًا على الضم ،
﴿وَتَوَاصَوْا﴾لم يقل تواصُوا، لو قال: تواصُوا هذا فعل أمر، لكن تواصى أصلها: تواصى، آخرها ألف فهي معتلة بالألف، فهذه الفتحة نيابة عن الألف المحذوفة.
·       ﴿وَتَوَاصَوْا﴾ فعل وفاعل.
·       ﴿بِالْحَقِّ﴾ جار ومجرور.
·       ﴿وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ﴾ معطوفة على ما قبلها.
·        ﴿وَتَوَاصَوْا﴾ فعل وفاعل.
·       ﴿بِالصَّبْرِ﴾ جار ومجرور.
 هذا ما يتعلق بالإعراب.
****
التفسير والبلاغة
﴿وَالْعَصْرِ﴾ قَسَم بمخلوق!
 فهل يجوز الحلف بمخلوق؟
لا يجوز للمخلوق أن يحلف إلا بالخالق،
 والله -عز وجل- هو الخالق، فله أن يقسم بما شاء من خلقه؛
لأنَّ علة النهي عن الحلف بغير الله أنه مظنةٌ للتعظيم، والمخلوق إذا عظَّم مخلوقًا أوشك أن يعبده؛ فلذلك حُظر هذا الباب، فلا يحلف المخلوق إلا بالله الخالق،
من كان حالفًا فليحلف بالله،
من حلف بغير الله فقد أشرك.
أما الله -عز وجل- فيحلف بما شاء من خلقه لإظهار ما فيه من الحكمة،
وبما فيه من الشرف والعظمة لأن العلة منتفية.
ثانيًا: قسم الله -تبارك وتعالى- له حكمةٌ في ذلك:
1. إنَّ نفوس العباد قد جُبلت على تصديق من حلف، والله -تبارك وتعالى- هو الذي أنزل القرآن وهو الذي خلق الإنسان، فيعلم أنَّ النفوس جُبلت هو الذي جبلها على تصديق الحالف.
 فمن رحمة الله ببني آدم، ومن حكمة الله ؛ من حكمته ورحمته في آنٍ واحد أن يُقسم الله للإنسان ليُصدِّق أو لأنه يعلم مدخله إلى القلب، فإذا صدَّق القلب كان فيه سعادته في الدنيا والآخرة،
فأقسم الله وهو لا يحتاج لقسم لماذا؟
 رحمةً بالخلق، وحكمةً، وعلمًا بما يدخل إلى قلوب بني آدم.
2.   أيضًا فيه تشريفٌ للمخلوق المقسَم به، والعصر، والليل، والفجر،
 ﴿وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا ۞ وَالْقَمَرِ إِذَا تَلاهَا۞ وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا۞ وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا﴾
 وهكذا بل أقسم الله بنبيه -صلى الله عليه وسلم- قال: ﴿لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ﴾،
وأقسم بالتين والزيتون، وأقسم بما شاء من خلقه.
 وهذه الأقسام صنَّف فيها ابن القيِّم -رحمه الله- كتابًا كاملًا [التبيان في أقسام القرآن] ليس معنى أقسام القرآن يعني أنواع القرآن؟
 لا... أقسامه يعني القسم والحلف الذي جاء في القرآن الكريم.
والله تعالى أعلم.
............................................................................
﴿وَالْعَصْرِ﴾ !
   ما هو؟
·       قيل: هو الدهر،
 وهناك قراءةٌ شاذة: (والعصر ونوائب الدهر) لكنها منسوخة،
  فيه إشارة إلى أنَّ الله أقسم بالدهر كله، بالزمن الممتد، وسنعرف الحكمة من ذلك.
·       أو العصر هو الذي وُجد فيه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو خير القرون،
 عصر النبي -صلى الله عليه وسلم-،
      أو عمر الإنسان مدة حياة الإنسان، وهو مناط التكليف، وهو موطن الخسارة والربح.
وقيل العصر المقصود به: صلاة العصر؛ لأنها شريفةٌ عظيمةٌ وهي الصلاة الوسطى،
 أو العصر هو وقت العصر نفسه؛ لأنه الدنيا كالسوق فهو إشارة كأنه يقول (يا أيها الإنسان دنا سوق عمرك للنهاية)،
 إشارة إلى نهاية عمر الإنسان، أو النبي –عليه الصلاة والسلام- لما جاء ﴿اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ﴾[القمر:1]، «بُعثت أنا والساعة كهاتين».
 والعصر فيها إشارة إلى قُرب النهاية.
..............................................................................
﴿وَالْعَصْرِ﴾ الذي هو مدار الامتحان والابتلاء،
وقبلها سورة ﴿أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ﴾!
 لأنَّ ﴿أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ﴾ في مدة الحياة، ﴿حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ﴾ هذه حياتك كلها من أول سن التكليف إلى زيارة المقابر .
وبعدها: ﴿وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ ۞ الَّذِي جَمَعَ مَالًا وَعَدَّدَهُ﴾
والإلهاء: الانشغال، والافتتان بالدنيا، وبالمال، وبالولد،
وجاءت سورة العصر بينهما لتشير إلى هذا العصر الذي أقسم الله به.
عظمة هذا القرآن حتى في نظمه وفي ترتيب سوره رغم أن هذه السور لم تنزل على ترتيبها في المصحف.
 فهذا إعجازٌ آخر أن تجد ترابطًا، وتناسبًا، وتوائمًا بين السورة وبين التي قبلها،
وبين السور، وبين التي بعدها رغم أنهما لن ينزلا متتاليتين بل تجد بعض السور مدني، والبعض الآخر مكي،
 وبعض السور نزل على وفق الحوادث، ووفق الحوادث، ووفق الوقائع، ومع ذلك تجد التلاؤم بينها ،
وهذا دليلٌ على أنَّ الله -عز وجل- هو الذي أنزله، وأنه كان قبل ذلك مرتبًا في أم الكتاب هو مرتب على هيئته.
 وهذا من أعظم ملامح الإعجاز في كتاب الله -عز وجل- كما أشار إليه الدكتور/ محمد عبد الله دراز-رحمه الله-،
النبي -عليه الصلاة والسلام- ما كان يعلم ترتيب هذا القرآن قبل أن ينزل،
ومع ذلك يقول: (هذه الآية ضعوها على رأسي مائة آية من سورة كذا)،
 ويُرتب قبل تمام القرآن كأن هذا القرآن قد أُحكم نظامه، وأُحكمت آياته، وفُصلت بيِّناته قبل أن ينزل ولله المثل الأعلى.
هذه السور مرتبة أصلًا، فلو كان القرآن من عند محمد -صلى الله عليه وسلم- أنَّى له هذا الترتيب؟!!
 وأنتم يا معشر المشركين رأيتم أن القرآن ينزل الآية أو بعض الآية والسورة وبعض السورة على مدار ثلاثة وعشرين سنة من أول ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ﴾، إلى آخر ما نزل من القرآن في سورة البقرة ﴿وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ﴾.
كيف نُظمت هذه؟ وكيف نظَّمها قبل يتم تنزيل القرآن؟
وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً ۚ كَذَٰلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ ۖ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا ...
..............................................................................

﴿وَالْعَصْرِ﴾ قسَمٌ ثقيل ...
 قال علماء الصوتيات: سبب الثقل فيه علاوةً على ما مضى .. في الحروف: العين حرف احتكاكي، والصاد حرف احتكاكي،
والحرف الاحتكاكي الاستمراري هذا يؤدي إلى ثقل المخرج،
وهذه من الحروف التي تؤدي إلى صعوبة النطق، يعني هناك بعض الكلمات لو كررتها تتعب وتجهد بسبب الضغط على الأعصاب،
وهناك حروف انفجارية مثل الهمزة حروف سهلة بخلاف الحروف الاحتكاكية الاستمرارية كالعين والصاد التي هي يستمر خروجها في المخرج ثِقل وبعدها تجد حرفين ساكنين
﴿وَالْعَصْرِ﴾ الصاد ساكنة والراء ساكنة، وهذه فيها لفتة إلى عدم تعميم القاعدة التي تقول: اللغة العربية لا يجتمع فيها ساكنان.
﴿وَالْعَصْرِ﴾ الصاد ساكنة والراء ساكنة، لكن سكون الراء عارض؛ لأنه للوقف أما عند الوصل فإنك ستقول: والعصرِ إنَّ.
 إذًا الثقل جاء من اجتماع حرفين ساكنين (الصاد، والراء).
 وجاء أيضًا من صفات هذين الحرفين (العين، والصاد).
 وجاء جمال الكلمة ووضوحها السمعي من (اللام والراء) ،
علم الصوتيات إعجاز آخر في كتاب الله -عز وجل- لم تتجلى معالمه بعد كاملة
هناك حروف تُسمى الحروف الرنانة منها؛ الميم، والنون، واللام، والراء، والهمزة، فتجد أن هذا القسَم القصير (والعصر) اجتمع فيه (اللام، والراء)، الله -عز وجل- يُقسِم، ويُخاطب العقل،
 ويُخاطب الفطرة،
ويُخاطب الأذن،
ويُخاطب القلب،
ويُخاطب الوجدان،
ويُخاطب العاطفة،
ويُخاطب النفس كلها في كلمة واحدة..( والعصر)...!
................................................................................
  عمرو بن العاص لما سمع هذه السورة-سورة العصر- قبل أن يُسلم،
وذهب إلى مسيلمة الكذاب وقابله قبل الإسلام، وسأله عن آخر أخبار هذا النبي،
فقال عمرو: (نزلت عليه سورةٌ قصيرةٌ جامعةٌ فاذة)،
 قال: وما هي؟
فتلاها عمرو، انظر حفظها وهو كافر ﴿وَالْعَصْرِ۞ إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ﴾ إلى آخر السورة، فسكت مسيلمة هُنيَّةً أو هُنيهة ثم قال: (لقد أُنزل عليّ مثلها)،
 قال: (هاته ما الذي نزل عليك)؟
قال: (يا وبر، يا وبر، إنما أنت أذنان وصدَر، جسمك حُفرٌ نُقر).
قال: كيف ترى يا عمرو؟
 قال: والله إنك لتعلم أني أعلم أنك كاذب !!!
هذه السورة التي قال فيها الإمام الشافعي: (لو ما نزل من القرآن إلا هذه السورة على الأمة لكفى بها حجة)
 وذكرها شيخ الإسلام/ محمد بن عبد الوهاب-رحمه الله- في القواعد الأربع،
  سورةٌ عظيمةٌ جامعةٌ لأصول النجاة، توضح الطريق المستقيم لنهضة الأمة غير نهضة الإخوان ،
هذه هي النهضة الحقيقية بيان طريق الخسران، والسبب في النجاة.
................................................................................
﴿ إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ﴾ واللام المزحلقة لماذا سُميت مزحلقة؟
هي لام التوكيد، هي أصلها في المبتدأ، [للإنسان في خُسر]،
 فزُحلقت إلى الخبر، ﴿إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ﴾
  (إنَّ) توكيد، واللام توكيد،
  ﴿لَفِي خُسْرٍ﴾، يعني جعل الإنسان كأنه داخل الخُسر، فالخُسر ظرف، والإنسان مظروف.
﴿إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ﴾ قد أحاط به الخسران من كل ناحية،
وهذا فيه توكيد، التوكيد بإنَّ واللام، وحرف الجر،
و﴿ الإِنسَانَ﴾ الإنسان اسم جنس، هل الإنسان فلان أم فلان أم علان لا، لا الإنسان كله، كله جنس الإنسان،
 وعلامة الألف واللام التي تدل على الجنس أن يصلح موضعها ( كل)
﴿إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ﴾ إن كل إنسانٍ في خسر استقام المعنى هذه جنسية،
والجنسية تدل على العموم، ﴿إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ﴾
 (خسرٍ)، التنوين يدل على التعظيم، والتنكير يدل على التهويل،
 لم يقل: الخُسر، الخُسر  محدد معرَّف  معروف، الخُسر الذي هو خُسر الآخرة مثلًا جهنم لكن هناك خُسر دل عليه التنوين، فتذهب فيها العقول كل مذهب، يبقى في القرآن إعجاز خفي، ودلالات متنوعة،
كما قال بعض العلماء: لن تكون فقيهًا حتى ترى للقرآن أوجهًا، القرآن حمَّال ذو وجوه.
.....................................................................
 ﴿إِنَّ الإِنسَانَ﴾ يعني إنَّ جميع بني آدم الإنسان وهذا لفظ يُطلق على الذكر والأنثى، ﴿لَفِي خُسْرٍ﴾ والخُسر ضد الربح، والخسران المبين هو جهنم هو خسران الكافرين ،
لكن الآية هنا تحتمل الأمرين: الخسران الأكبر المطلق، ومطلق الخسران (الأصغر)،
﴿إِلَّا﴾ أداة استثناء وهي أم الباب،
 وعلماء الصوتيات يقولون: فيها الهمزة من الحروف الرنانة، واللام من الحروف الرنانة أيضًا، وهذه من أظهر الحروف في السمع، حتى هي في السمع مريحة ﴿إِلَّا﴾، لأنه لما حكم على جميع الإنسان بالخسر يبقى لا بد من عدالة الله   -عز وجل-، وحكمة الله، فيأتي الاستثناء ليس بغير وسوى، وعدا، وخلا، وحاشا، ﴿إِلَّا﴾  حرف رنان يجعلك تفيق وتنتبه ﴿إِلَّا﴾.
﴿إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ﴾:
﴿الَّذِينَ آمَنُوا﴾لم يقل: إلا المؤمنين !
لأن الاسم إذا جاء بعد الاسم الموصول عنوان الصلة يكون دليلًا على شهرته،
فلما أريد أن هذا الطريق الأوحد للنجاة من الخسران جيء بما يدل على الشهرة ﴿إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا﴾...
ما هو الإيمان؟ اعتقادٌ، وقول، وعمل لماذا أتى بالذي بعده ﴿وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾؟
هذا ذكر الخاص بعد العام؛ لأهمية العمل، فالعمل ذُكر في الإيمان لأنَّ الإيمان أصلًا فيه العمل، وذُكر وحده؛ لأنه ليس الإيمان بالتمني، ولا بالتحلي، ولكن ما وقر في القلب، وصدَّقه العمل ، فلأهمية العمل ذكر مرتين جملة وتفصيلاً ...

﴿وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾ جنس الصالحات.
﴿وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ﴾ يعني أوصى بعضهم بعضًا بالحق، والحق هو الله،
وقيل: الحق هو القرآن، هو الإسلام، هو الرسول -صلى الله عليه وسلم-،
وهي معانٍ متلازمة ﴿وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ﴾.
فالمؤمن لم يكتف بنفسه فقط أنه آمن وعمل الصالحات حتى أوصى غيره وصبر على ذلك، ومعنى الخسران: هو الخسران في رأس المال.
﴿إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾ الطاعات،
والعمل الصالح هو ما اشتمل على صلاح النية، وموافقة السنة.
﴿وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ﴾ فيما بينهم،
﴿وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ﴾؛ لأنه من لزم طريق الحق فلا بد أن يُبتلى، فلا بد أن يصبر،
يصبر على أي شيء؟
يصبر على كل ما سبق؛ على الإيمان، وعلى عمل الصالحات، وعلى التواصي بالحق، والتواصي بالصبر هو من جملة التواصي بالحق؛ لأنك إذا أوصيته بالحق فإنك توصيه بالثبات عليه.
﴿وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ﴾ داخلة في التواصي بالحق، والتواصي بالحق داخل في عمل الصالحات، وعمل الصالحات داخل في الإيمان، كلها تفصيل بعد إجمال.
﴿إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا﴾ لو حققوا الإيمان الكامل، فالإيمان يشمل العمل، والعمل يشمل عمل الصالحات، وعمل الصالحات منه؛ التواصي بالحق، والتواصي بالحق يلزمه التواصي بالصبر.
فما أعظمها من سورة، وما أعظمها من سورةٍ عظيمةٍ لو ما نزل على الأمة كموعظة إلا هذه السورة لكفتهم.
نسأل الله -تبارك وتعالى- أن ينفعنا بما علمنا، وأنْ يعلمنا ما ينفعنا، وأنْ يزيدنا علمًا.
وصلى الله على نبينا محمدٍ وآله، والحمد لله رب العالمين، والله تعالى أعلم.
وكتبه
أبو طارق
محمود بن محفوظ





=========================
|| إعراب قصار السور.. فوائد نحوية، وصرفية ،وبلاغية، وتفسيرية ||
#برنامج_مجالس_رمضان1439
-------------------------------
||إعراب وفوائد من سورة الفاتحة||
|http://mahfoouz.blogspot.com/2018/06/blog-post.html|
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

|| إعراب وفوائد من سورة القدر ||
|http://mahfoouz.blogspot.com/2018/06/blog-post_6.html|
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
|| إعراب وفوائد من سورة العصر ||
|http://mahfoouz.blogspot.com/2018/06/blog-post_70.html|
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
|| إعراب وفوائد من سورة الفيل ||
|http://mahfoouz.blogspot.com/2018/06/blog-post_12.html|
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
|| إعراب وفوائد من سورة قريش ||
|http://mahfoouz.blogspot.com/2018/06/blog-post_14.html
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
|| إعراب وفوائد من سورة الكوثر ||
|http://mahfoouz.blogspot.com/2018/06/blog-post_5.html|
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
|| إعراب وفوائد من سورة النصر ||
|http://mahfoouz.blogspot.com/2018/06/blog-post_79.html|
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
|| إعراب و فوائد من سورة المسد ||
|http://mahfoouz.blogspot.com/2018/06/blog-post_1.html|
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
|| إعراب وفوائد من سور القلاقل الأربعة ||
|http://mahfoouz.blogspot.com/2018/05/blog-post_28.html|
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـفضيلة الشيخ أبي طارق محمود بن محفوظ
ـ| http://cutt.us/rVWPV
شاركه على جوجل بلس

عن الكاتب العلوم الشرعية

    تعليقات بلوجر
    تعليقات فيس بوك

0 التعليقات:

إرسال تعليق