عقيدة الشعراوي من ملفوظاته






 



عقيدة الشعراوي
من
ملفوظاته


بقلم
أبي طارق
 محمود بن محفوظ
عفا الله عنه
 







     مُقَدِّمَةٌ
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على محمد وآله وصحبه، وبعد،
فما كنت أظن أن (صوفية) الشعراوي (القبورية) يتمارى فيها عاقلان، وكيف لا؟ أليس هو الذي أفنى عمره في مساجد الأضرحة يؤول القرآن! وخلفه يُكفر بالرحمن، فهذا يطوف حول الضريح، وذاك يستنجد، ويستغيث، ويصيح!
أعادوا بها معنى سواع ومثله يغوث           وودٍ بئـــس ذلـك مــــــن ود
وقد هتفـوا عند الشدائـد باسمـها           كما يهتف المضطر بالصمد الفرد
وكم نحروا في سوحها من نحيـرة           أُهِلَّت لغير الله جـهرًا على عمـد
والشيخ يسمع ويبصر، فلا يأمر بمعروف ولا ينهى عن منكر، بل حدثني من أثق في روايته عن صديق له أزهري، أنه ذهب إلى الشعراوي بنفسه؛ ليوقِفَ هذه الشركيات، ويمنع هذه الموبقات، التي يراها ويسمعها ويعايشها، فلم يتمعر وجهه في الله، ولم يغضب للتوحيد الذي انتهك حماه!
وفوجيء الشيخ الأزهري (المطربش) بأن الشعراوي في زمرة الطائفين حول الوثن المعبود، والنُصُب المشهود ؛ المنسوب كذبًا للحسين رضي الله عنه ، فبهت الأزهري!
ثم بادر الشيخَ قائلاً :
 يا مولانا! لو أمرت الناس أن يكفوا عن تقبيل الجدران، ولحس الحيطان، والتمرغ على الأركان!!
 فنظر إليه الشعراوي شِزرًا، وقال له مستنكراً : انتظر حتى أكمل طوافي!!
فأكمل الشيخ طوافه، وأقبل على الأزهري، ذي الطربوش الوردي، فيمم ناحيته، وقبل عمامته!
فقال الأزهري مندهشاً: العفو يا مولانا العفو، هذا واجب علينا نحن!
فقال الشعراوي (المناظر الماكر، والقبوري الساخر): وماذا صنعتُ لك حتى تقول هذا الكلام؟
قال الأزهري: لقد قبلت رأسي (وأنا مش كد المقام يعني-).
فقال الشعراوي: أنا لم أقبل رأسك، إنما قبلت الطربوش!
فقال الأزهري: تقبيلك للطربوش تقبيل للابسه، وهذا يعجبني ويسعدني ويكرمني.
فبادره قائلاً: وكذلك تقبيل الجدران،ولحس الحيطان، تقبيل لساكنها؛ فهذا يرضي الحسين ويسعده.!!). انتهت الرواية بمعناها.
قلت: وهذا لا يُستغرب منه أبدًا، أن يصدر منه هذا الكلام، بل ما هو أعجب وأطم، وأعظم وأضل؛ فقد ثبتت صوفيته، وانكشفت نحلته، كشفاً جلياً لا لبس فيه، ولا غموض يعتريه، وباح السر، وانكشف الأمر، فقد قال له صاحبه وهو يحاوره:
(إلى أي هذه الطرق ينتسب الشيخ الشعراوي؟
فقال الشيخ:
 طريقتنا هي الطريقة البازية! ..أصحاب العمائم الخضراء! إنها خاصة بالأشراف؛ الذين هم من نسل الحسن والحسين! تلك هي المرة الأولى التي يفصح فيها الشيخ الشعراوي عن نسبه!). انتهى.
                                                              صـ7 الشعراوي يبوح بأسراره لسعيد أبو العينين.
وقال أيضاً:
(شيخنا شيخ الطريقة البازية الشيخ (أحمد سعود)، الذي تتوارث أسرته المشيخة، أما أسرتنا فتتوارث النقابة، فنحن النقباء؛ يعني النواب بتوعهم، هم واخدين المشيخة، واحنا واخدين النقابة، منهم الشيخ، ومنا النقيب! وكان سيدي (عبد الحافظ) هو حامل البيرق الذي ترفعه الطريقة في الاحتفال بالمناسبات الدينية كالمولد النبوي) انتهى.
السابق صـ10 .
ومؤسس هذه الطريقة هو شمس الدين الباز كما قال عبد الرحيم الشعراوي صـ9

الشعراوي يؤصل ويقعد لنفع الميت للحي
تمهيداً لتسمية الشرك بغير اسمه
قال الشعراوي:
          [سألني بعضهم قالوا: أنت تتكلم عن الأولياء، وتحكي عن وقائع وحكايات لا سند لها! فقلت لهم : تعالوا نتجادل جدل العلماء وليس جدل العوام، وسألتهم أنتم تؤمنون بالمعراج، أليس كذلك؟
قالوا: نعم.
قلت: وهل تؤمنون أن النبي - - صعد وقابل موسى عليه السلام ليلة المعراج؟
قالوا: نعم.
قلت: تكلم معه؟
قالوا: نعم.
قلت: طيب، موسى ميت بقانون الأموات، ومحمد حي بقانون الأحياء، وقد التقى الميت بالحي وعملوا عملاً واحدًا صلَّوْا معًا، وعمل ميت- بقانون الأموات- لحي -بقانون الأحياء -عملاً، فقد ردده على ربه ليخفف الصلاة، فتردد محمد إلى أن صارت الصلاة خمسًا بعد أن كانت خمسين!
وسألتهم: من فعل ذلك؟
وقلت لهم: الذي فعله هو سيدنا موسى عليه السلام -، وموسى ميت بقانون الأموات.
إذن فالميت قد يعمل عملاً للغير ينتفع به!! – عملاً للغير وليس لنفسه لأن عمله لنفسه قد انقطع].
     انتهى من كتاب "الشعراوي يبوح بأسراره صـ67".
قلت:
فإذا تقرر عند الجماهير (العامية) التي تستمع للشعراوي -بدعوى أنه علمهم التفسير-!!
(كما قال بعضهم) إذا سمعوه يقول: إن الميت ينفع الحي؛ بصورة أو بأخرى، فلا تسأل بعد ذلك عما يجري عند القبور، من الشرك الصراح، والكفر البواح.
وأقول- أيضًا- لمن كان على شاكلته: ألست تؤمن بأن الإسراء والمعراج آية ومعجزة لنبينا محمد - -؟
فسيقول: نعم .
فأقول: أليس تسلم أن المعجزات والآيات أمور خارقة للعادة، تقع على يد نبيٍ من أنبياء الله، في مقام التحدي!
فسيقول: نعم.
فنقول: فكيف تقيس العادات على المعجزات؟
 وكيف تقيس عموم الأموات على خير البريات؟
 وكيف تقيس على النبي الأمين، والكليم الكريم، غيرهما من عموم الميتين؟!
لقد جئت إدًّا، وقلت باطلاً محضاً .
لقد ذكرني قياسك هذا بقياس المشركين الميتة على المذكاة ؛ فقالوا: الميتة من ذبحها؟ فقالوا : الله.
فقالوا : والذبيحة من ذبحها؟
 قالوا: نحن.
فقالوا : تحلون ذبيحتكم وتحرمون ذبيحة الله؟!!
فأنزل الله قوله- تعالى-: ﴿وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ [الأنعام: 121]
 فقياس الشعراوي هذا كقياس الميتة على المذكاة، والموت على الحياة، فهل من مدكر؟!                                                                         

أحمد البدوي من عالم البرزخ يطلع على
الكربة التي وقع فيها الشعراوي ويرسل إليه المدد
وبدون طلب!
قال الشعراوي:
[كنت في بلدنا دقادوس وكان والدي قد أعطاني ريالاً فضة أخذته وأنا في طريقي للسفر إلى القاهرة ونزلت في محطة بنها لآخذ القطار إلى القاهرة.
وفي المحطة وضعت يدي في جيبي فلم أجد الريال الفضة وأحسست بالضيق فلم يكن معي غيره، وقفت حزينًا ماذا أفعل؟ وقفت ألتف حولي في ضيق وقلق بحثًا عن إنقاذ! ولمحت رجلاً "بعمامة حمراء" وهو قادم من بعيد، وقلت لنفسي : لعل هذا الأحمدي ينقذني! – فالعمامة الحمراء عهادة شيوخ وأتباع الطريقة الأحمدية طريقة سيدي أحمد البدوي! كنت أتصور أن الرجل سوف يبطئ من خطواته عندما يتطلع إليَّ، ويرى حالي لكنه مر من أمامي ولم يلتفت لي، ووجدتني أقول لنفسي : إيه يا سيدي أحمد! أنا كنت باحسب أنك باعت لي نجدة!!!
وقبل أن أتمها لمحت على الأرض ريال فضة وأسرعت وأخذته وركبت القطار، ومرت الأيام، وبعد سنين سافرت للعمل في مكة المكرمة، وفي الأجازة وفي محطة بنها لمحت الرجل الأحمدي وتذكرت الريال الفضة فأسرعت إليه وأخرجت عشرة جنيهات . وفوجئت به يبعد يدي عنه ويقول : أنا عايز الريال الفضة بتاعي وانصرف .
واندهشت.. يخرب عقلك هو أنت بتاع الريال الفضة!].
     انتهى من كتاب الشعراوي يبوح بأسراره صـ174 .
وتعليقًا أقول :
          ورغم أن فساد الحكاية يغني عن إفسادها، وبطلانها الظاهر يغني عن إبطالها، لكن في زمن الغربة، والبعد عن آثار الرسالة، لا يبعد أن تروج على بعض العوام، أو تستقر الشبهة عند بعض الطغام،
 فأقول مستعيناً بالله، ومنه أطلب المدد لا من سواه:
          قال تعالى - : ﴿وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ [الزخرف: 36] ﴿وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَيِّ ثُمَّ لَا يُقْصِرُونَ [الأعراف: 202].
قال شيخ الإسلام في "الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان" : -
          (وبالجملة فأولياء الله هم أحبابه المتقربون له بالفرائض والنوافل وترك المحارم، الموحدون له الذين لا يشركون بالله شيئا، وإن لم تجر على أيديهم خوارق، فإن كانت الخوارق دليلاً على ولاية الله فلتكن دليلاً على ولاية الساحر والكاهن والمنجم والمتفرس ورهبان اليهود والنصارى وعباد الأصنام فإنهم يجري لهم من الخوارق ألوف ولكن من قِبَل الشياطين فإنهم ينـزلون عليهم لمجانستهم لهم في الأفعال كما قال تعالى - :
 ﴿هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ (221) تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ [الشعراء: 221-222]. وقال تعالى - : ﴿وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ [الزخرف: 36] وتجد عمدة كثير من الناس في اعتقادهم الولاية في شخص أنه قد صدر عنه مكاشفة في بعض الأمور أو بعض الخوارق للعادة، مثل أن يشير إلى شخص فيموت أو يطير في الهواء إلى مكة أو غيرها أحيانًا أو يمشي على الماء أو يملأ إبريقًا من الهواء أو يخبر في بعض الأوقات بشيء من الغيب أو يختفي أحيانًا عن أعين الناس أو يخبر بعض الناس بما سرق له أو بحال نائب أو مريض أو أن بعض الناس استغاث به وهو غائب أو ميت فرآه قد جاء فقضى حاجته أو نحو ذلك ... فلا يجوز أن يُظَن أن كل من كان له شيء من هذه الأمور فهو ولي لله!
بل يُعرَف أولياء الله بصفاتهم وأحوالهم وأفعالهم التي دل عليها الكتاب والسنة، وأكثر هذه الأمور قد توجد في أشخاص يكون أحدهم لا يتوضَّأ ولا يصلي المكتوبة ولا يتنظف ولا يتطهر الطهارة الشرعية بل يكون ملابسًا للنجاسات، معاشرًا للكلاب، يأوي إلى المزابل، رائحته خبيثة، ركَّابًا للفواحش يمشي في الأسواق كاشفًا لعورته .. كافرًا بالله ساجدًا لغير الله من القبور وغيرها ... فلو جرى على يدي شخص من الخوارق ماذا عساه أن يجري فلا يكون وليًّا لله محبوبًا عنده حتى يكون متبعًا لرسوله باطنًا وظاهرًا). انتهى. باختصار يسير.
     "الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان" (1/46) تحقيق علي بن نايف الشحود.
أقول وبالله تعالى - أصول وأجول:
فالذي حدث للشعراوي، إنما هو إضلال الشياطين له، وتلاعبها به، وبأمثاله من الداعين إلى الاستغاثة بالموتى، والاعتقاد فيهم من دون الله، وقد أقسم الشيطان قسمًا فقال كما حكى الله عنه-: ﴿وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ [النساء: 119].
فهل البدوي يعلم الغيب حتى يُعتقَد فيه ذلك؟!
ألم يقل الله: ﴿قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ؟ [النمل: 65]
فهل البدوي ينقذ الغريق، أو يطفئ الحريق؟!
وهل البدوي يفرج الكروب، أو ينقذ المكروب؟!
والله يقول : ﴿أَمْ مَنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَءِِلَهٌ مَعَ اللَّهِ [النمل: 62].
أهذا كلام يقوله موحِّد : [إيه يا سيدي أحمد أنا كنت باحسب إنك باعت لي نجدة]؟!!
أقول: لا حول ولا قوة إلا بالله!
 أيعجز الشيطان أن يأتي في صورة الأحمدي؟ أو يرسل أحمديًّا إنسيًّا ؛ بريال فضة؛ ليضل الشيخ المفسر (!) لتَضِل أمةٌ من خلفه؟
فماذا لو فعل للشيخ بعض الخوارق التي ذكرها شيخ الإسلام، من الطيران في الهواء، والمشي على الماء؟!! بل ماذا لو رأى خوارق الدجـال، حيث يقول للسماء أمطري ؛ فتمطر، وللأرض أنبتي ؛ فتنبت، ويقول للخربة : أخرجي كنوزك ؛ فتتبعه كنوزها كيعاسيب النحل؟
وقديماً قال السلف : أول الناس استجابة للدجال أصحاب الأهواء!
ثم أين أحكام اللقطة؛ يا (إمام)؟! أهكذا! من وجد (مالاً) في الطريق أخذه ومضى؟!
إذن فاتباع الجهل قد كان أحزما!!
نعوذ بالله من مضلات الفتن . ونسأله أن يثبتنا على التوحيد حتى نلقاه عليه.

الشعـراوي يعتقد
أن الميت له تصرف في الكون !
 قال الشعراوي:
[كنت في قريتي أستأجر بجنيهين في الشهر، وهنا بخمسة عشر جنيهًا قال : وكان مقامي عند الحسين لا أريد أن أسكن إلا عند الحسين فبحثت ولم أجد وكانت العمارات في حي الحسين الأوقافأوقاف القبركانت كلها مشغولة فقلت : لا أسكن إلا عند الحسين ففي اليوم التالي وإذا بهم يقولون إحدى العمارات الآن انتهت وتعال يا شيخ واختر ما شئت منها والشقة التي تريد،
 فاستأجر الشقة وكانت تطل على ميدان الحسين .
فذهبت فاطمةابنتهتركّب الستارة ما ترضى أن تركب،
 كلما تريد أن تركبها تسقط، يقول : فجاءت إليَّ وقالت : يا أبت هذه الستارة ما ترضى أن تركب وأنا خلاص ما حركبها .
يقول : لماذا يا فاطمة، قالت : لأن سيدنا الحسين لا يريد أن تكون بيننا وبينه ستارة . يقول : فقلت صدقتِ صدقت يا فاطمة .
ثم بعد ذلك توالت المسائل من سيدنا الحسين ولو أننا استمرينا لقال بعض الناس عنا مجاذيب]. انتهى.                                                                              (الشعراوي يبوح بأسراره صـ40)
تعليق:-
1-     عقيدة القبورية تسري في دمائه يفسر بها كل شيء.
2        اعتقاده أن الحسين يعلم الغيب وهو ميت غائب.
3        اعتقاده أن الحسين- وكذلك سائر الأولياء- يملك التصرف في الكون فيقول للستارة لا تركبي فلا تتركب، فمشيئته نافذة في المخلوقات، وسلطانه قاهر لذرات الجمادات.
    4-     أنه وَرَّث هذه العقيدة لأبنائه وذويه، فمن خلالها يفسرون الواقع والوقائع .
  والله تعالى - يقول: ﴿??????? ??? ???????? ??????????? [النمل : 80].
 ويقول أيضاً: ﴿وَمَا أنت بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ  [فاطر: 22].
ويقول أيضاً: ﴿وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ [المؤمنون 100]

الشعراوي يقول : الأولياء سفن النجاة!
يقول عبد الرحيم الشعراوي:
[وفعلا كنت مجاورًا له في كل مكان وزائرًا للعتبات المقدسة لأهل البيت فأدخل على سيدي الحسين ولا أعرف ماذا أقول وأذهب للسيدة نفيسة وكلي شوق لدرجة أن هناك من يسألني عن حل لمشكلته فأرشده لزيارة السيدة نفيسة وطرح المشكلة (!!) ثم ترجع وعند رجوعه يجد الجواب عندي بعد حصولي الجواب من السيدة نفيسة!!، خاصة وأني كنت متمسكا بقول الشيخ الشعراوي: بأنه لا يشقى من يجاور أهل البيت]!
ويقول ممدوح المقدم :
          [كان (الإمام) يحبهم يعني: الأولياء حُبًّا جمًّا  حيث كنا نخرج مع فضيلته مساء يوم الخميس في منتصف الليل لزيارة سيدنا الحسين والسيدة زينب والسيدة نفيسة والمرسي أبو العباس بالإسكندرية وكان يزور سيدي ابن عطاء الله السكندري والإمام الشافعي والإمام الليث بن سعد.
وكان يصف أولياء الله بقوله : هؤلاء سفن النجاة!!
و(للإمام) الشعراوي (خدمة) في كل هذه الأماكن (الطاهرة) حيث كان إطعام المساكين فيها على مدار العام وليس في المناسبات فقط ].
    "الموسوعة الكاملة لحياة الشعراوي : 142".
والجواب بعون الملك الوهاب :
 أن سفينة النجاة الحقيقية هي اتباع الشريعة المحمدية، فمقتضى النصيحة الأمة إحالتها علي الشريعة، لا على بدع الصوفية الشنيعة،
كما قال تعالى: ﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [الأنعام: 153].
وقال تعالى: ﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ [آل عمران: 31].
وكما قال عليه الصلاة والسلام:
(وستفترق أمتي على ثلاث وسبعين ملة كلها في النار غير واحدة، قيل:وما تلك الواحدة؟  قال: ما أنا عليه اليوم وأصحابي).                                          (صححه الألباني -رواه الحاكم، وابن عساكر)
قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - :
"كان أئمة المسلمين مثل مالك وحماد بن زيد والثوري ونحوهم، إنما تكلموا بما جاءت به الرسالة، وفيه الهدى والشفاء، فمن لم يكن له علم بطريق المسلمين يعتاض عنه بما عند هؤلاء، وهذا سبب ظهور البدع في كل أمة، وهو خفاء سنن المرسلين فيهم، وبذلك يقع الهلاك، ولهذا كانوا يقولون: الاعتصام بالسنة نجاة".
قال مالك رحمه الله: "السنة مثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها هلك".
وهذا حق، فإن سفينة نوح إنما ركبها من صدق المرسلين، واتبعهم وأن من لم يركبها فقد كذب المرسلين، واتباع السنة هو اتباع الرسالة التي جاءت من عند الله، فتابعها بمنزلة من ركب مع نوح السفينة باطناً وظاهراً، والمتخلف عن اتباع الرسالة بمنزلة المتخلف عن اتباع نوح عليه السلام وركوب السفينة معه.
وقال شيخ الإسلام:
 "وعامة هذه الضلالات إنما تطرق من لم يعتصم بالكتاب والسنة، كما كان الزهري يقول: كان علماؤنا يقولون الاعتصام بالسنة هو النجاة.
وذلك أن السنة والشريعة والمنهاج هو الصراط المستقيم الذي يوصل العباد إلى الله،  والرسول هو الدليل الهادي الخريت في هذا الصراط،  كما قال تعالى: ﴿إِنّآ أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشّراً وَنَذِيراً (45) وَدَاعِياً إِلَى اللّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مّنِيراً [الأحزاب: 45- 46].
وقال تعالى: ﴿وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (52) صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ أَلَا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ [الشورى: 52- 53].
وقال تعالى: ﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [الأنعام: 153].
وقال عبد الله بن مسعود: خط رسول الله صلى الله عليه وسلم خطًّا، وخط خطوطًا عن يمينه وشماله، ثم قال: هذا سبيل الله، وهذه سبل على كل سبيل منها شيطان يدعو إليه،  ثم قرأ: ﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّـاكُـمْ بِـهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [الأنعام: 153].
"وإذا تأمل العاقل الذي يرجو لقاء الله هذا المثال وتأمل سائر الطوائف...وأن كلاً منهم له سبيل يخرج به عما عليه الصحابة وأهل الحديث، ويدعى أن سبيله هو الصواب، وجدت أنهم المراد بهذا المثال الذي ضربه المعصوم الذي لا يتكلم عن الهوى،  إن هو إلا وحي يوحى"
[ مجموع الفتاوى (4/56ـ57)].
وبعد؛ فهل أولياء الصوفية هم سفن النجاة؟
من المعلوم أن الذين يتعلق بهم الصوفية نوعان : صالحون وطالحون، فأما الصالحون فهم برآء منهم ومن شركهم وبدعهم كالحسين رضي الله عنه ونحوه،
قال الله تعالى: ﴿وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ (5) وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ  !![الأحقاف: 5-6].
وأما الطالحون فأمرهم معروف؛ زندقة وإلحاد، وبدعة وضلالة.
وهؤلاء قد خالفوا الصالحين في توحيدهم وعقيدتهم وسيرتهم وسلوكهم ومنهجهم ولم يبق لهم إلا الطالحون فهنيئاً لهم ولايتهم، وصدق الله إذ يقول: ﴿وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ[الأنعام: 129]!!
لعل قائلاً يقول:
 إنه قصد أنهم سفن النجاة يعني اتباعهم، وسلوك سبيلهم، واقتفاء آثارهم، والاهتداء بهديهم؟
فنقول:
إن هذا المعنى في الأوساط الصوفية أبعد مما بين المشرقين،  وأغرب من عنقاء مغرب، إلا مجرد الدعاوى الفارغة، والتخرصات الكاذبة، من طائفة منهم لبست ثوب النفاق،  وتدثرت بالشقاق، وحاولت الوفاق، بين الصوفية والسلفية، تلبيساً على الناس،  وتضليلاً لعباد الله.
 وتأكيداً لذلك اقرأ وتأمل ما قاله عنهم- لما سأله محاوره -وهو يستل أفكاره،  ويستخرج أسراره، في تلك اللقاءات الطويلة، على مدى تسعة أشهر في رحاب (السيدة زينب!) سأله عن الذين يتبركون بالأولياء؟
فأجاب :
[طول عمرنا عايشين في رحاب أهل البيت، ورحاب الأولياء، آباؤنا، وأجدادنا، وأمهاتنا، وإخواننا، كلنا عشنا في رحاب الأولياء، ما رأينا الخير إلا منهم (!)
ما عرفنا العلم إلا في أماكنهم...(!)
جاءنا الخير ممن نؤكد أنهم موصولون بالله]!
 انتهى من "الشعراوي يبوح أسراره صـ182"
الرجل خريج اللغة العربية وهو يعي ما يقول ويقصده قطعاً فتأمل قوله (ما رأينا الخير إلا منهم) أسلوب استثناء يفيد الحصر بل أقوى طرق الحصر النفي والاستثناء (ما...وإلا) ومن حرف جر يفيد الابتداء!!
فالشعراوي لم ير خيراً قط إلا من عند هؤلاء الموتى!!
 –وهم على جلالتهم- ﴿أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ [النحل: 21].
﴿وَلَا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا وَلَا يَمْلِكُونَ مَوْتًا وَلَا حَيَاةً وَلَا نُشُورًا [الفرقان: 3 ] و﴿لَا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقًا فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ [العنكبوت: 17].
فالخير منهم وحدهم- خرج وإليه وصل!
 فماذا بعد الحق إلا الضلال؟!
 قال تعالى: ﴿يَعْرِفُونَ نِعْمَةَ اللَّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَهَا وَأَكْثَرُهُمُ الْكَافِرُونَ[النحل: 83].
قال عون بن عبد الله: يقولون لولا فلان أصابني كذا وكذا، ولولا فلان لم أصب كذا وكذا.
وقال ابن القيم رحمه الله -: " هذا يتضمن قطع إضافة النعمة عمن لولاه لم تكن وإضافتها إلا من لا يملك لنفسه ضراً ولا نفعاً فضلاً عن غيره ".
وقال ابن قتيبة رحمه الله -: " يقولون هذا بشفاعة آلهتنا ".
قال ابن القيم رحمه الله -: " هـذا يتضمن الشرك مع إضافة النعمة إلى غـير وليها، فمن المنعم في الحقيقة سواه ﴿وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ.
                                              "تيسير العزيز الحميد" باب "يعرفون نعمة الله ثم ينكرونها".
قال العلامة الفوزان حفظه الله -: " والمشركون يتقرّبون بأنواع القربات إلى هذه الأوثان، ويذبحون لها، وينذُرون لها، ويطوفون بها، ويقولون: ﴿هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ﴾ [يونس: 18] مثل حالة عُبّاد القبور اليوم، يذبحون للقُبور، وينذُرون للقبور، ويهتِفون بها، ويستغيثون بها، ويستصرخون بها، ويقولون: نحن لا نعتقد أنها تخلُق وترزُق، إنما هي شفعاء عند الله. وكذَبوا في ذلك، فإن الله سبحانه وتعالى لا يرضى بهذا ولم يكن هؤلاء شفعاء عنده سبحانه وتعالى.
ومن ذلك قولهم: هذا بشفاعة آلِهَتنا. يقولون: أن هذه النعم إنما هي بسبب آلهتنا وبشفاعتها عند الله، كما يقول القبوريّ: هذا بسبب الوليّ فلان، بسبب عبد القادر، بسبب العَيْدَرُوس، بسبب البَدَويّ، وهذا يدخُل في قوله: ﴿يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللَّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَهَا [النحل: 83]
بمعنى: أنهم ينسِبون نعمة الله إلى هذه المعبودات من دون الله عزّ وجلّ. فهذه طريقة المشركين قديماً وحديثاً. "أهـ. إعانة المستفيد (2 / 150).
وقال ابن عثيمين رحمه الله - مبيناً حالات نسبة الشيء إلى الأسباب:
 " فلذلك ثلاث حالات:
الأولى: أن يكون سببا خفيا لا تأثير له إطلاقا، كأن يقول: لولا الولي الفلاني ما حصل كذا وكذا، فهذا شرك أكبر؛ لأنه يعتقد بهذا القول أن لهذا الولي تصرفا في الكون مع أنه ميت، فهو تصرف سري خفي. "اهـ.
     القول المفيد (498) دار ابن الجوزي.
وقوله: [الأولياء سفن النجاة] لا يفهم إلا من خلال ذلك الجو الصوفي، الذي عاش فيه ومات فيه، وورثه من آبائه وأجداده، وورثه لأتباعه وأولاده، ألا وهو:
أنهم سفن النجاة يعني: في التبرك بهم، والتوسل إلى الله بهم، وطلب المدد منهم،  والاستشفاع بهم إلى الله، والطواف حول قبورهم، واتخاذهم وسطاء عند الله والذبح لهم،  وعند قبورهم، والاستغاثة بهم، وأنهم في شفاعتهم ونجدتهم في الدنيا والآخرة.
يقول الشعراوي:
[إنه عندما كان طالباً في الشهادة العليا كان يسكن بجوار ضريح و مقام السيدة زينب فحدث أن فاته امتحان الدور الأول لمرضه ثم فاته امتحان الدور الثاني ...............
 فحزن الشعراوي لأنه كان مجتهداً،
و قال: (و قلت للسيدة زينب: إحنا ساكنين جنبك.. و بنصلي عندك .. و فاتنا الامتحان في الدور الأول والدور الثاني .. و ضاعت السنة . و خاصمتها! و لم أعد أصلي في مسجدها).
ثم يروي الشعراوي بعد ذلك أن أحد أصدقائه دعاه لأن يصالح السيدة زينب بأن دعاه لحضور مولد السيدة زينب عند قبرها (المزعوم) وفي المنام جاءته السيدة زينب و قالت له :(إنت زعلان مننا؟ إن كانت راحت منك سنة .. حنعوضها لك بخمسة ..)
ثم قال: أنه أدرك سر تلك الخمسة!! عندما اشتغل موظفاً بالأزهر بالدرجة السادسة ففوجئ الشعراوي بترقيته من الدرجة السادسة للخامسة بالاختيار و ليس بالأقدمية، فتذكر وعلم أن ذلك من عند (الست!!)
و يقول الشعراوي :
[ورحت أزور سيدنا الحسين و هناك شكرت الله كثيراً .. و شكوت حالي أيضاً (!!!) و يقسم الشيخ و هو يقول: و الله العظيم لم يمر أسبوع إلا وجاء الفراش الذي كان يعمل معي وقال لي:مبروك يا عم! فسألته على إيه؟
 فقال: الشقة بقت بتسعة جنيه! لأنهم عملوا تخفيض و طلعت بتسعة جنيه بس!
 قال الشيخ : كانت هذه أول مسألة مع سيدنا الحسين ثم توالت المسائل بعد ذلك]!
     راجع (الشعراوي يبوح بأسراره) صـ40،112

الشعراوي يقول: التوسل بالأولياء
هو منتهى اليقين والإيمان!
قال الشعراوي:
[وهناك من قال إن الوسيلة بالأحياء ممكنة و أن الوسيلة بالأموات ممنوعة ؛ و نقول له أنت تضيق أمراً متسعاً].                                                                         تفسيره ص 3107
 و يقول أيضاً:
[يبقى لما تتوسل إلى الله بإنسان (ولي) أنت تعتقد أن له منزلة عند الله، أتعتقد أن الولي يجاملك فيعطيك ما لا تستحقه عند الله؟! يكرهك و لا يسأل عنك.
فساعة يتوسل واحد إلى غيره يعني أنه يعتقد أن الذي توسل به لا يقدر على شيء، إنني أتوسل به إلى الغير لأني أعرف أنه لن يستطيع أن ينفذ لي مطلوبي،
إذن فلنبعد مسألة الشرك بالله عن هذا المجال!!،
ونقول نحن نتوسل به إلى غيره لأننا نعلم أن المتوسل إليه هو القادر و المتوسل به هو العاجز، و هذا هو منتهى اليقين و منتهى الإيمان.!!!) انتهى.                               تفسيره ص 3107

وفي تفسيره الصوتي عند آية المائدة ﴿وَابْتَغُوا إليه الْوَسِيلَةَ﴾ [المائدة: 35] قال:
[احنا مش عايزين ندخل في التوسل بالنبي ولا بالولي، والمتاهات دي، لأنها مسألة لا ينبغي أن تكون مثار اختلاف من أحد!، ناس تقولك: اللي يتوسل بالنبي دا كُفْر؟! نقول له: هذّبها شوية!!
أنت لما بتتوسل إلى الله بإنسان أنت تعتقد أن له منزلة عند الله، هل تعتقد أن الولي يجاملك فيعطيك ما لا تستحق عند الله؟! {بل} يكرهك ولا يسأل عنك!
ثم إنك أن كنت تقول: التوسل بالأحياء جائز، وتمنعه مع الأموات نقول لك: أنت بتضيق واسع كذا لأن حياة الحي لا مدخل لها في التوسل أن جعلت التوسل بحبك لمن علمت أنه أقرب منك إلى الله يبقى حبك هو اللي هينفعك حبك له، اوعى تفتكر أنه هيجيبلك اللي متستحقهوش.
ثم قال رداً على الذين يستدلون بحديث توسل عمر بالعباس في الاستسقاء:
" هـوّ قال: " والآن نتوسـل إليك بالعباس ؛ أم قال: والآن نتوسل إليك بعم نبينا؟!
طيب، ما هي رجعت له!! {والجماهير تصيح إعجاباً} فالذين يمنعون بها يوسعوا كذا الشقة على أنفسهم لأنه ليس فيه التوسل بالنبي {فحسب} بل التوسل بمن يمتُّ بصلة للنبي!!
فالمسألة متدخلهاش في العميق بالشكل ده!
فساعة يتوسل بواحد فهو يعتقد أن الواحد اللي هيتوسل به ما يقدرش يعمل حاجة!
يبقى خُلُصْنا من الشرك ولّا ما خلصناش؟!
يبقى حِتّه الشرك ابعدوها!!
وهل أعتقد أن الذي أتوسل إليه قادر، والمتوسَّل به عاجز؟!
يبقى ده منتهى اليقين ومنتهى الإيمان!!
لكن المتوسَّل به له صورتين كذا -:
قد ينتفع، وقد لا ينتفع:
فعمر لما توسل بالعباس عم النبي كان على مسألة المطر ودي ما ينفعش بها رسول الله! فجاب واحد من آل البيت وقال: يا رب عم نبيك عطشان! اسقنا علشان خاطره! {والمستمعون يصيحون إعجاباً} عايزين بقى نخرج من الخلاف نقول الوسيلة هي إيه؟ العمل الصالح المترتب على (افعل كذا) و (لا تفعل كذا) لنخرج من الخلاف ولانْدخَّلْش المسألة في متاهات الأمور الخلافية].
انتهى بتفريغي من لفظه والله أعلم.
الجواب:
من خلال ما سبق يتضح جلياً أن خلاصة عقيدة الشعراوي في التوسل بالأموات كالآتي:
أنه يرى جواز التوسل بالأموات بل يراه منتهى الإيمان ومنتهى اليقين.
أنه يرى هذه القضية بين المانعين والمجيزين مسألة خلافية.
أن الخلاف الواقع فيها ما كان ينبغي أن يقع، لأن المسألة ليست شركاً ولا كفراً بل هي منتهى اليقين ومنتهى الإيمان فكيف تكون مثار اختلاف؟!
لا تفصيل عنده في المسألة، ولا فرق بين التوسل بالأحياء والتوسل بالأموات لأن الباب واحد، وحياة الحي لا مدخل لها في التوسل.
أن الولي الميت يعطي ويمنع ويضر وينفع لا بقدرته لأنه عاجز، ولكن بشفاعته المقبولة عند الله.
أن الممنوع عنده فحسب هو اعتقاد أن الولي يجامل من توسل به فيعطيه ما لا يستحق.
أن المسألة بعيدة كل البعد عن الشرك، طالما أن المتوسِل يعتقد أن القادر هو الله وحده، وما دونه عاجز.
أن الكلام في تحذي الأمة من " هذه الشركيات " دخول في متاهات الأمور الخلافية وهذا مذموم قطعاً.
تلبيسه على العوام بما ذكره في ثنايا كلامه من أن الوسيلة هي العمل الصالح المترتب على (افعل) و (لا تفعل) ثم يقرر الشرك والكفر.
أن الذي منع عمر من التوسل بالنبي بعد موته أن النبي لن ينتفع بالأمر المتوسَل لأجله وهو المطر!
أنه فهم من توسل عمر بالعباس جواز التوسل بالنبي بعد موته، لأن التوسل بعم النبي توسل بالنبي من باب أولى!
أنه لم يُشِرْ من قـريب ولا من بعيد إلى التوسل الشركي الذي يقع أمام عينيه وخـلف ظـهره سـاعة تسجيل برنامجــه في التفسير من مسجد (الحسين)!
ولم ينكر على من يتوسل إلى الله بعبادة هؤلاء الصالحين في الأضرحة والتقرب إليهم بخالص حق الله تعالى، وحصر المسألة في التوسل بالخاطر والجاه " عم نبيك اسقينا علشان خاطره "!
وأخفى حقيقة التوسل عند الصوفية، فأجمل وأطلق وعمّى ولبس، فضلَّ وأضلَّ، ثم أظهر أنه أتى على شبهات المانعين للتوسل بالأموات بإطلاقه من قواعدها، وهدم بنيانها فسلمت قضية التوسل بلا معارض، وصحت بلا شبهة، وفي أثناء ذلك تصيح الجماهـير من العوام إعجاباً واستحساناً لما يقوله الشيخ المفسر!

والآن حان وقت الجواب، ونستعين برب الأرباب وهازم الأحزاب، الملك القوي الغلاب، ولا حول ولا قوة إلا به:
1     التوسل
لغة: هو التوصل إلى الشيء برغبة.
وشرعاً: التقرب إلى الله عز وجل بفعل الطاعات.
قال - تعالى -: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ [المائدة: 35]، وقال أيضًا: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ [الإسراء: 57].
قال ابن جرير رحمه الله -: " اطلبوا القربة إليه بالعمل بما يرضيه ".
ونقل الحافظ ابن كثير رحمه الله عن ابن عباس رضي الله عنهما أن معنى الوسيلة فيها: القربة. ونقل مثل ذلك عن مجاهد وأبي وائل والحسن وغير واحد، ونقل عن قتادة: تقربوا إليه بطاعته والعمل بما يرضيه. قال ابن كثير: هذا الذي قاله هؤلاء الأئمة لا خلاف بين المفسرين فيه. انتهى.
ابن كثير (2 / 52) التوسل للألباني (14).

2- أنواع التوسل المشروع
التوسل إلى الله عز وجل لا يكون إلا بما شرع، لا بالأهواء ولا بالأذواق قال تعالى – : ﴿فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا﴾ [الكهف: 110].
قال الفضيل بن عياض وغيره: العمل الصالح هو الخالص من الرياء، الموافق للسنة، فإن كان خالصاً ولم يكن صواباً لم يقبل،وأن كان صواباً ولم يكن خالصاً لم يقبل حتى يكون خالصاً صواباً. أو نحواً من هذا.
فما هي التوسلات التي شرعها الله عز وجل في كتابه ورسوله صلى الله عليه وسلم في سنته الغراء؟
والجواب: أنه قد دل استقراء الكتاب والسنة الصحيحة على أن التوسل المشروع ثلاثة أنواع، لا رابع لها، وهي:
الأول: التوسل بأسماء الله وصفاته
الدليل: قال- تعالى - :﴿وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا [الأعراف: 180] أي: ادعوا الله تعالى متوسلين بأسمائه الحسنى وصفاته العلى لا شك كذلك، وهكذا غالب دعاء الأنبياء في كتاب الله - عز وجل - :
فهذا زكريا عليه السلام يقول ﴿رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ﴾ [الأنبياء: 89]. فتوسل بربوبية الله له وبأنه خير الوارثين لإجابة دعائه.
 وهذا ذو النون عليه السلام ﴿فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أن لَا إِلَهَ إلا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ﴾ [الأنبياء: 87] فتوسل إلى الله لإنجائه من الكرب بتوحيده لله وهذا سيأتي في موضعه وبألوهيته - عز وجل - وتقديسه وتنزيهه عن كل عيب ونقص.
وهذا أيوب عليه السلام يتوسل لربه لكشف ضره بأنه أرحم الراحمين قائلاً ﴿أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ﴾ [الأنبياء: 83].
ومثله قوله تعالى ﴿قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾ [القصص: 16] وقوله تعالى ﴿وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ﴾ [البقرة: 128] وهو في القرآن كثير جدًّا.
وأما في السنة:
1- فقد سمع النبي رجلاً يقول: يا ذا الجلال والإكرام! فقال: قد استجيب لك فسل!.
حسن رواه الترمذي.
2- وسمع رجلاً يقول: اللهم إني أسألك بأن لك الحمد لا إله إلا أنت المنان بديع السماوات والأرض ذا الجلال والإكرام يا حي يا قيوم فقال: لقد سأل الله باسمه الأعظم.
3- وحديث " اللهم بعلمك الغيب وقدرتك على الخلق أحيني ما علمت الحياة خيرا لي..." الحديث. وغيره في السنة النبوية كثير جدًّا.
الثاني: التوسل بالعمل الصالح الذي قام به الداعي
كقول الداعي اللهم إني أسألك بصومي وصلاتي أن تشفيَني مثلاً، ومنه أسألك بحبي لنبيك وللمؤمنين أن تعفو عني ونحو هذا.
الدليل: ما حكاه الله عن عباده المؤمنين أنهم قالوا:
1- ﴿رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أن آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا... [آل عمران: 193] توسلوا إلى الله بإيمانهم واستجابتهم لرسوله.
2- ومنه قوله - تعالى - ﴿الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا﴾ [آل عمران: 16].
3- ومنه قوله - تعالى - ﴿رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ﴾ [آل عمران: 53].
4- وقوله - تعالى - ﴿رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ﴾ [المؤمنون: 109].
ومن السنة الصحيحة:
1- حديث بريدة: سمع النبي صلى الله عليه و سلم رجلا يقول: اللهم إني أسألك بأني أشهد أن أنك أنت الله الذي لا إله إلا أنت الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد. فقال: " قد سأل الله باسمه الأعظم الذي إذا سئل به أعطي وإذا دعي به أجاب ".              صحيح رواه أحمد.
2- ما تضمنته قصة أصحاب الغار كـما يرويها ابن عمر عن النبي: انطلــق ثلاثة رهــط ممــن كان قبلكم حـتى آواهــم المبيت إلى غـار فدخلوه فانحدرت صخرة... الحديث.
وفيه أن الأول: توسل ببره بوالديه وعطفه عليهما ورأفته الشديدة بهما حتى كان منه ذلك الموقف الرائع الفريد.
وتوسل الثاني: بعفته عن الزنا بابنة عمه التي أحبها كأشد ما يحب الرجال النساء بعدما قدر عليها.
وتوسل الثالث: بحفظه لحق أجيره حتى وفاه إليه بعد أن عاد فدفعه إليه بعد تنميته فساقه كله ولم يبق شيئاً.
فاستجاب الله لهم وتزحزحت الصخرة وخرجوا يمشون.
       راجع التوسل للألباني (38- 41) وغير ذلك في السنة كثير.
الثالث: التوسل إلى الله تعالى بدعاء الرجل الصالح لك
الدليل: ما قصه الله عن أبناء يعقوب - عليه السلام - : ﴿قَالُوا يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيم﴾ [يوسف: 98].
فتوسلوا هم بدعاء أبيهم وتوسل هو بأسماء الله الغفور الرحيم. فهذا صنيع الصالحين والنبيين.
وكذلك قال تعالى عن بني إسرائيل أنهم توسلوا بدعاء نبيهم وأجاب لهـم طلبهم - عليه السلام - ﴿فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ الأَرْضُ﴾ [البقرة: 61].
وكذلك قوم فرعون عرفوا كيف يتوسلون إلى الله في رفع الكربات عنهم ﴿قَالُوا يَا مُوسَى ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرَائِيـلَ﴾ [الأعراف: 134] وغير ذلك في القرآن كثير.
ومن السنة الصحيحة:
1- أصاب الناس سنة على عهد النبي فبينما النبي يخطب على المنبر قائماً في يوم الجمعة دخل أعراب من أهل البدو فاستقبل رسول الله. فقال: يا رسول الله! هلك المال، وجاع العيال وانقطعت السبل فادعُ الله لنا أن يَسْقِيَنا، فرفع يديه يدعو ورفع الناس أيديهم معه يدعون. رواه البخاري.
2- حديث توسل الرجل الأعمى بدعاء النبي ليرد الله إليه بصره وسيأتي لاحقاً أن شاء الله.
3- ما رواه أنس: أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - كان إذا قحطوا استسقى بالعباس بن عبد المطلب، فقال: اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا، قال: فيُسقَون. رواه البخاري. فقام العباس فدعا فسقاهم الله، وسيأتي لاحقاً.
4- وكذلك ما رواه سليم بن عامر الخبائري:
أن السماء قحطت، فخرج معاوية بن أبي سفيان، وأهل دمشق يستسقون، فلما قعد معاوية على المنبر، قال: أين يزيد بن الأسود الجُرَشي؟ فناداه الناس، فأقبل يتخطى الناس، فأمره معاوية فصعد على المنبر، فقعد عند رجليه، فقال معاوية: اللهم إنا نستشفع إليك اليوم بخيرنا وأفضلنا، اللهم إنا نستشفع إليك اليوم بيزيد بن الأسود الجُرَشي، يا يزيد ارفع يديك إلى الله، فرفع يديه، ورفع الناس أيديهم. وفي رواية فما دعا إلا ثلاثاً حتى أمطروا مطراً كادوا يغرقون فيه.
رواه ابن عساكر وصححه الألباني (ص: 45) التوسل.
قلت: وقد اشتملت (أم الكتاب على أنواع التوسل الثلاثة المشروعة فـ ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2) الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (3) مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ﴾ [الفاتحة: 2- 4] توسل بأسمائه وصفاته عز وجل.
و ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ [الفاتحة: 5] توسلٌ بإخلاص العبادة لله وإخلاص الاستعانة لله. وهذا من أعظم العمل الصالح، بل الدين كله يدور حولهما.
و ﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ﴾ [الفاتحة: 6] بصيغة الجمع فهو من دعاء المؤمنين بعضهم لبعض وهذا هو النوع الثالث من أنواع التوسل ؛ دعاء الرجل الصالح لأخيه المؤمن، فإذا كانوا في صلاة جهرية قالوا جميعًا: آمين! يعني اللهم استجب، فكذلك. والله أعلم.

التوسل الممنوع
وهو قسمان :
الأول: التوسل الشركي
وهو التوسل في قضاء الحاجات بصرف العبادة لغير الله، كمن يدعو غير الله أو يستغيث به أو يذبح تقربًا إليه أو يطلب منه المدد، أو يسأله شفاء مريض، أو قضاء حاجة أو تفريج كربة، أو نيل وظيفة أو نزول مطر أو كشف ضر ونحو ذلك .
وسواء كان المدعو ملكًا مقربًا أو نبيًا مرسلاً أو وليًا صالحًا . أو جنًا أو غير ذلك، وسواء كان المدعو ميتًا يدعوه عند قبره أو بعيدًا عنه أو كان غائبًا عنه وسواء طلب منه أن يفعل واعتقد فيه القدرة أو أن يشفع له عند الله واعتقد فيه العجز، فكل هاتيك الصور، من الشرك الأكبر المخرج من الملة ولا حول ولا قوة إلا بالله .
قال شيخ الإسلام رحمه الله :
(وقد يخاطبون الميت عند قبره : سل لي ربك، أو يخاطبون الحي وهو غائب كما يخاطبونه لو كان حاضرًا حيًا، وينشدون قصائد، يقول أحدهم فيها : يا سيدي فلان! أنا في حسبك، أنا في جوارك اشفع لي إلى الله، سل الله لنا أن ينصرنا على عدونا، سل الله لنا أن يكشف عنا هذه الشدة، أشكو إليك كذا وكذا،، سل الله أن يغفر لي ...).
ثم قال:
(فهذه الأنواع من خطاب الأنبياء والملائكة والصالحين بعد موتهم عند قبورهم وفي مغيبهم وخطاب تماثيلهم هو من أعظم أنواع الشرك الموجود في المشركين من غير أهل الكتاب، وفي مبتدعة أهل الكتاب والمسلمين الذين أحدثوا من الشرك والعبادات ما لم يأذن به الله تعالى . قال تعالى : ﴿أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ﴾ [الشورى : 21]). انتهى.
    (مجموعة الفتاوى 1/ 159).
قال الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ رحمه الله :
(ولو قال يا ولي الله اشفع لي، فإن نفس السؤال محرم، وطلب الشفاعة منه يشبه قول النصارى يا والدة الإله اشفعي لنا إلى الإله، وقد أجمع المسلمون أن هذا شرك وإذا اعتقد تأثيرهم من دونه فهو أكبر وأطم). انتهى.                                                           من "دعاوى المناوئين".
قال الشيخ صالح آل الشيخ حفظه الله :
([إن] شيخ الإسلام في بعض المواضع يسمي سؤال الميت الشفاعة بدعة، والسؤال به بدعة، وذلك أنها لم تكن عند المشركين يعني لا يقول (اشفع لي يا لات) (اشفع لي يا عزى) ولكن يعبدون ويتقربون ليشفعوا ﴿مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى﴾ [الزمر: 3] فهم يرومون منهم الشفاعة، لذلك سماها شيخ الإسلام بدعة في بعض المواضع لأنها حدثت وليست سابقة، وهي بدعة كفرية شركية، بدعة باعتبار أنها حدثت في الأمة، ولا يعني أنها ليست بشرك، بل البدعة قد تكون شركًا أكبر وقد تكون دون ذلك). انتهى باختصار.
قلت : فدعاء الغائب ولو كان حيًّا، والميت بعيدًا عن قبره، لا يكون إلا إذا اعتقد فيه شيئًا من صفات الربوبية كالعلم والإحاطة والقدرة والسمع والبصر العام المطلق الذي لا يغيب عنه شيء ولا يعجزه شيء.
قال شيخ الإسلام:
(وقول القائل : إنه - صلى الله عليه وسلم - يسمع صوت السلام من البعيد ممتنع، فإنه إن أراد وصول صوت المصلي إليه فهذا مكابرة . وإن أراد أنه هو بحيث يسمع أصوات الخلائق من بعيد فليس هذا إلا لله رب العالمين الذي يسمع أصوات العباد كلهم وليس أحد من البشر بل ولا من الخلق يسمع أصوات العباد كلهم ومن قال هذا في بشر فقوله من جنس قول النصارى الذين يقولون إن المسيح هو الله، وأنه يعلم ما يفعله العباد ويسمع أصواتهم ويجيب دعاءهم قال تعالى : ﴿لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ (72) لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (73) أَفَلَا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (74) مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآيَاتِ ثُمَّ انْظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (75) قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا وَاللَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾ [المائدة: 72- 76] [ الرد على الأخنائي 210-211].
وأما طلب الشفاعة من دون الله فهذا شرك مستقل، سواء كان عند قبره أم بعيدًا عنه.
قال شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله :
(من قال يا رسول الله أسألك الشفاعة أنه مشرك).
(ص 46 الهدية السنية جمع سليمان ابن سحمان).
وقال أيضًا:
(من جعل بينه وبين الله وسائط يدعوهم ويسألهم الشفاعة ويتوكل عليهم كفر إجماعًا).
                                                                                                نواقض الإسلام .
قلت : وهذا عين ما يفعله القبورية ويعتقدونه في أوليائهم .
قال الشيخ عبد اللطيف -رحمه الله- :
(معلوم أن قول النصارى : (يا والدة الإله اشفعي لنا إلى الإله) نداء إذا جهل به المنادي ولا يخرجه ذلك عن كونه دعاء وعبادة بإجماع المسلمين، ولو كان المطلوب مجرد شفاعتها ... وقد تقدم أن قول النصارى : يا والدة الإله اشفعي لنا عند الإله شرك بإجماع المسلمين).
        مصباح الظلام 211، 259 بواسطة فتح المنان في نقد شرح منة الرحمن ص 46.
وقال الفوزان - حفظه الله - :
(طلب الشفاعة من الأموات شرك، والله حرم الشرك وأحبط عمل صاحبه وحرم عليه الجنة، وقد أنكر سبحانه على الذين يدعون غيره ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله ونزّه نفسه وسماه شركًا).
    شرح كشف الشبهات ص 86.
وقال أيضًا:
(فهؤلاء الذين يتوجهون إلى القبور والأموات ويطلبون منهم الشفاعة، فعلهم هذا شرك أكبر، الميت لا يطلب منه شيء، والحي تطلب منه الشفاعة بمعنى الدعاء أما بعد الموت فلا يطلب من الميت شيء لا شفاعة ولا دعاء ولا غيره. فهؤلاء الذين يتوجهون للقبور ويطلبون الشفاعة من الأموات، ويستغيثون بهم، ويذبحون لهم، وينذرون لهم، ويتبركون بهم فعلهم هذا هو الشرك الأكبر الذي جاءت الرسل بإنكاره فالقبور لا يطلب منها شيء).
  شرح اللمعة 212- 213.
الثاني: التوسل البدعي
وهو التوسل بالجاه والحق والذات ونحو ذلك.
صورته: أن يقول الداعي اللهم إني أسألك بحق نبيك أو جاهه عندك أو بحق فلان وخاطره أو يا رب لأجل فلان افعل كذا وكذا، ونحو هذه العبارات وكل هذه التوسلات باطله لا تجوز.
فأما التوسل بجاه فلان:
فربما يستدلون بحديث (توسلوا بجاهي فإن جاهي عند الله عظيم) وبعضهم يرويه بلفظ (إذا سألتم الله فاسألوه بجاهي فإن جاهي عند الله عظيم).
قال شيخ الإسلام: وهذا باطل لا أصل له في شيء من كتب الحديث ألبته وإنما يرويه بعض الجهال بالسنة).                                                                            (قاعدة جليلة 132,التوسل 128).
وقال: مع أنه جاهه - صلى الله عليه وسلم - عند الله أعظم من جاه جميع الأنبياء والمرسلين ولكن جاه المخلوق عند الخالق ليس كجاه المخلوق عند المخلوق فإنه لا يشفع عنده أحد إلا بإذنه والمخلوق يشفع عند المخلوق بغير إذنه فهو شريك له في حصول المطلوب والله تعالى لا شريك له كما قال - سبحانه -: ﴿قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ (22) وَلَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ﴾ [سبأ: 22 ,23].
فلا يلزم من كون جاهه - صلى الله عليه وسلم - عند ربه عظيمًا أن نتوسل به إلى الله تعالى - لعدم ثبوت الأمر به عنه - صلى الله عليه وسلم - وكذلك فهل يستطيع أحد أن يبنى على ثبوت جاه الرسول ثبوت السجود والركوع?
الجواب كلا ثم كلا!
فظهر من هذا بجلاء, إن شاء الله, أنه لا تلازم بين ثبوت جاه النبي وبين تعظيمه بالتوسل بجاهه مادام أنه لم يرد في الشرع.                                                                 انتهى من التوسل للألباني.
 سئل ابن العثيمين - رحمه الله - عن التوسل بجاه النبي فأجاب:
(يحرم التوسل بجاه النبي فلا يقول الإنسان: اللهم إني أسألك بجاه نبيك كذا وكذا وذلك لأن الوسيلة لا تكون وسيلة إلا إذا كان لها أثر في حصول المقصود وجاه النبي بالنسبة للداعي ليس له أثر في حصول المقصود وإذا لم يكن له أثر لم يكن له سببًا صحيحاً، فجاه النبي هو مما يختص به النبي وحده وهو مما يكون منقبة له وحده أما نحن فلسنا ننتفع بذلك وإنما ننتفع بالإيمان بالرسول ومحبته وما أيسر الأمر على الداعي إذا قال: (اللهم إني أسألك بإيماني بك وبرسولك كذا وكذا بدلا من أن يقول: أسألك بجاه نبيك) ومن نعمة الله عز وجل - ورحمته بنا ألا ينسد باب من الأبواب المحظورة إلا وأمام الإنسان أبواب كثيرة من الأبواب المباحة والحمد لله رب العالمين).
      انتهت. المناهي اللفظية 36.
معنى الوسيلة بالجاه عند العامة
(ومن وقف على مقاصد العوام في توسلهم بهذه الصيغ وجدهم لا يريدون إلى شيء من تلك الاحتمالات وإنما يقصدون التوسط بفلان إلى الله في قضاء حاجتهم ويتوسلون بذوات هؤلاء الأشخاص الممتازة بصفاتهم وأعمالهم المعروفة عنهم لاعتقاد أن لهم تأثير في حصول المطلوب بالتوسل إما بفعل الله - تعالى - لأجلهم وإما بفعلهم أنفسهم مما يعدونه كرامةً لهم والقصد إلى ذينك الأمرين شرك لأن التوحيد يقتضى أن لا فاعل مع الله ولا مؤثر في إرادة الله.
وهؤلاء يعتقدون أن للمخلوقين حقا على الله في جلب النفع أو دفع الضر وأن الصالحين مع الله كالوزراء مع الملوك يحملونهم على فعل ما لم يكونوا مريدون لفعله ومن اعتقد هذا فقد وقع في صريح الشرك وجعل إرادة الله حادثةً تتأثر بإرادة غيره، وعلمِه حادثًا يتغير لعلم المخلوق). أ.هـ.
  رسالة الشرك ومظاهره الميلي 271 وما بعدها.
وأما التوسل بحق فلان
فكقولهم: أسالك يا رب بحق فلان، فالباء تحتمل أن تكون للقسم أو للسبب فإن كان المقصود أقسم عليك بفلان فهذا باطل شرعا لوجهين:
أحدهما: أن الحلف بالمخلوق للمخلوق ممتنع شرعا فكيف من الخالق.
وثانيهما: أن فيه حق للمخلوق على الخالق وهو اعتقاد فاسد إلا فيما أحقه الله على نفسه تفضلا منه وقد أصاب من قال:
ما للعباد عليه حـق واجـب            كلا ولا سعي لديـه ضائـــع
إن عذبوا فبعدلـه أو نعمـوا            فبفضله وهو الكريم الواسع
وأما التوسل بذات فلان
فكقولهم: أسألك بالولي الفلاني، فإن قصد حقه أو جاهه فقد سبق الجواب عنه وإن قصد ذاته فلا تتناسب مطلقا بين تحقيق المطلوب وبين ذات فلان وأي علاقه بين تحقيق المراد وذات المخلوق وما معنى هذا?
وأي تلازم بينهما عند العقلاء؟
وقال تعالى -: ﴿ادْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ﴾ [الأعراف: 55] فهذا ونحوه من الأدعية المبتدعة التي لم تنقل عن النبي ولا عن أصحابه ولا عن التابعين ولا عن أحد الأئمة وإنما يوجد هذا في الحروز والهياكل التي يكتب بها الجهال والطرقية والدعاء من أفضل العبادات والعبادات مبناها على السنة والاتباع لا على الهوى والابتداع.    انتهى الطحاوية 21 دار ابن رجب.
مناقشة الشعراوي فيما ذكره
قوله: [احنا مش عايزين ندخل في التوسل بالنبي ولا بالولي والمتاهات دي، لأنها مسأله لا ينبغى أن تكون مثار اختلاف من أحد]. انتهى.
وجوابه:
أن هذا الكلام من المكر الشديد والضلال البعيد من متكلمة القبورية وأئمة الصوفية، فهذا الكلام الذي موه به على العوام يوحى بأن مسألة التوسل بالأنبياء والصالحين خلافية برمَّتها، وهذا خلاف الحق، فالتوسل منه المشروع ومنه الممنوع ومنه ما وقع فيه خلاف.
فالتوسل بأسماء الله وصفاته والتوسل بالعمل الصالح الذي عمله الداعي بنفسه وكذلك التوسل بدعاء الرجل الصالح الحي الحاضر أن يدعو لك كل هذا جائز بلا خلاف ولا اختلاف من أحد.
والتوسل بعبادة الصالحين من الأنبياء والأولياء توصلا لتحقيق المطلوب ودفع المكروه كما يفعله القبوريون قديمًا وحديثًا من النذر والذبح والدعاء والاستغاثة وغير ذلك فهذا من التوسل الشركي وهذا ليس مثار اختلاف من أحد من الموحدين بل هو شرك أكبر وإن رغمت أنوف عباد القبور:
وإن رغمت أنوف من أناسٍ           فقل يا رب لا ترغم سواها
وخلافهم لا يعكر إجماع أهل السنة والتوحيد، ولا يشغب عليه لأنه غير معتبر لأن المشرك لا عبرة بخلافه وأما التوسل بجاه النبي - صلى الله عليه وسلم - فقد وقع فيه خلاف هزيل لا يشد به ظهر ولا يفرح به عالم وقد سبق الجواب عنه ولله الحمد والمنة.
ومع وقوع هذا الخلاف فعلاً فنحن نقول: أن المنع هو المتعين بل ما كان ينبغي أن يكون ذلك مثار اختلاف من أحد وذلك للأسباب التالية:
الأول: أن الدعاء عبادة والعبادة مبناها على التوقيف لا للهوى والابتداع فلا مدخل فيها للرأي ولا للقياس فلو كان هذا النوع جائز في الشرع لبينه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
الثاني: عدول عمر رضي الله عنه عن التوسل بجاه النبي أو بذاته مع وجودهما حتى بعد موته والصحابة متوافرون ولم ينكر عليه أحد ولم يعلم له مخالف فكان إجماع على ترك ذلك لعدم مشروعيته.
الثالث: عدم وجود نقل صحيح واحد عن أحد السلف في التوسل بالجاه أو الذات.
الرابع: عدم وجود تناسب بين سؤال الداعي وحاجته وبين جاه غيره وذاته فكان ضربا من التمحل والتكلف والاعتداء في الدعاء والله تعالى يقول: ﴿ادْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعًـا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَـدِينَ﴾ [الأعراف: 55].
الخامس: أن العوام مع ذلك لا يقصدون إلى شيء مما ذكره هؤلاء ولا يخطر ببالهم إلا إذا ذكروا ونهوا عليه فإذا قال أحدهم أسألك بفلان أو جاه فلان ونحو ذلك فإنه لا يقصد التوسط بما لدى هذا الشخص من مميزات وقدرات وكرامات تجعل شفاعته عند الله مقبولة مؤثرة وبدونها لم يكن الله ليفعل له ذلك كالشأن بين الوزراء والملوك الظلمة في الدنيا تعالى الله عن ذلك.
السادس: أنه خلاف هدي الأنبياء والمرسلين وعباد الله الصالحين الذين كثر ذكر أدعيتهم وتوسلاتهم وفي سنة النبي الأمين ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ﴾ [الأنعام: 90].
السابع: هب أن هذا المتوسل الداعي لا يقصد "التوسط" الشركي إلا أن الغلو والجهل قد غلب على العوام في الأزمنة المتاخرة وضعفت ثقتهم بالله وضعف توحيدهم فينبغي أن يمنعوا مما يقربهم من صريح الشرك ويحميهم من الوقوع في براثنه وهم لا يشعرون.
فالواجب على الداعية المسلم أن يشخص الداء، ويصف الدواء لهذه التصرفات الشنيعة وليكن كالطبيب الحاذق الذي يستخدم "المبضع" مهما صحبه من آلام كل ذلك لمصلحه المريض أما أن يقف موقف المحامى الذي يزور الشهادات ويزيف الأوراق ليبرئ ساحة الجاني المجرم أو كالطبيب الخائن الفاشل الذي يرى المرض يفتك بالعليل ويستشرى في جسده ثم هو يصف له المسكنات ويطمئنه قائلا: لا بأس عليك! صحتك جيدة هذا ليس من دين الإسلام في شيء. والله أعلم
      
قوله: [ناس تقول لك: اللي يتوسل بالنبي دا كفر! نقوله هذبها شويه]. انتهى.
وجوابه قد سبق أن التوسل منه ما هو شرك وكفر حقًّا فإذا كان الأمر كذلك فما مانع من أن نصف وصفته الشريعة بالكفر والكفر باسمه الحقيقي دون مواربة.
ولأي مصلحه نخفي عن الناس حقيقة التوحيد ومعالم الشرك وهل هذا لنا - أصلا- ?
وهل الذي يكفر من كفره رسول الله عموما في العموم وتعيينا بعد إقامة الحجة وإزالة الشبهة وتوافر الشروط وانتفاء الموانع هل هو غير مهذب في نظرك ?
ورحم الله بن القيم عند ما قال:
الكفر حق الله ثـم رسـولـه           بالشرع يثبت لا بقول  فلان
من كان رب العالـمين وعبده           قد كفراه فذاك ذو الكفـران
                                                                                                      والله أعلم.
   قوله [أنت لما بتتوسل إلى الله بإنسان أنت تعتقد أن له منزلة عند الله هل تعتقد أن الولي يجاملك فيطلعك ما لا تستحق عند الله (بل) يكرهك ولا يسأل عنك أوعى تعتقد أنه هيجيبلك اللي ما تستحقهوش]. انتهى.
وجوابه:
1- قطعا هو لا يقصد أيا من أنواع التوسل المشروع الذي توسل به الأنبياء والمرسلون في كتاب رب العالمين كما هو ظاهر من كلامه لأنه يتحدث عن التوسل بالأموات.
2- وقطعا لا يقصد التوسل البدعي (أسألك بجاه النبي) أيضًا.
3- إنه لا يقصد إلا التوسل الشركي ولا حول ولا قوه إلا بالله، بدليل أنه يعتقد أن الولي يعطي ويمنع ويضر وينفع، وتأمل منطوق قوله ومفهومه حيث يقول: [هل يعتقد أن الولي يجامللك فيعطيك أوعى تعتقد أن الولي هيجيبلك اللي ما تستحقوش] فالولي يعطي لكن لا يعطي إلا من يستحق وما يستحق!
و(هيجيبلك) يعنى يأتي لك بما تستحق دون ما لا تستحق إنه لا يجامل أحدًا في عطائه ومنعه وفي ضره ومنعه ونفعه!
فماذا بعد الحق إلا الضلال وبعد التوحيد إلا الشرك!! أفلا تعقلون!

خصائص الشفاعة الشركية
واليك خصائص الشفاعة التي اعتقدها المشركون قديما وحديثًا في معبوداتهم خلاف الشفاعة المثبتة في الكتاب والسنة حيث قالوا ﴿هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللهِ﴾ [يونس: 18]!
أقول:
أصل الشفاعة الشركية التي اعتقدها المشركون في معبوداتهم وشفعائهم على قياس شفاعة الآخرة عند الله على شفاعات الدنيا لدى الملوك والرؤساء ونحوهم ممن يرجى خيرهم ويخشى ضررهم وكل ذلك منفي عن شفاعة الآخرة ولا يخفى بعد الموت له أحكام الآخرة فمن مات فقد قامت قيامته ومن خلال أقوال أهل العلم وجدت أن تلك الشفاعة قد اشتملت على سمات وخصائص تربو على العشرة وهي:
1- أن الشافع فيها يتقدم ابتداء في الشفاعة دون إذن المشفوع عنده وذلك لقرابته أو وجاهته أو سلطته أو منزلته عنده.
2- أن الشافع (الشفيع) قد يكون مالك الشيء ومن مقصود الشفاعة استقلالاً أو مشاركة أو معاونة.
3- تحديد المطلوب في الشفاعة الدنيوية يكون من قبل الشفيع لا من قبل المشفوع عنده بل ربما بغير علمه.
4- قد يقضي (المشفوع عنده) أمر الشفاعة ويجيزها ولو كان كارهًا لنفسه لرغب أو لرهب!
5- أن طالب الشفاعة محجوب عن (المشفوع عنده) لا يصل إليه إلا من خلال الشافع فهو الذي يدخله عليه.
6- (المشفوع عنده) في الدنيا قابل للتأثُّر والانفعال بشفاعة الشافع فيتأثر بشفاعته وينفعل لها فيعدل عن الحكم الأول فيعطى بعد أن قرر المنع ويعفو بعد أن قرر العقوبة فيبدو له شأن آخر ويعدل عن الأول.
7- (المشفوع عنده) قد يكون جاهلاً بحال (المشفوع له) فيأتي الشفيع فيخبره ويعلمه ويشرح له ظروفه وحالته ويطلعه على حقيقته الأمر بعدما لم يكن يعلم.
8- (المشفوع عنده) في تكلم الشفاعات قد يكون ظالمًا باغيًا على (المشفوع له) فيأتي الشفيع فيدفع عنه الظلم.
9- وربما كان (المشفوع عنده) قاسيًا فيحتاج للشفيع ليسترحمه ويستعطفه ويلين قلبه بشفاعة الآخر.
10- أن (المشفوع له) قد يكون أصاب ذنبا في حق (المشفوع عنده) فلا يجرؤ على لقائه كالعبد الآبق من مولاه فيحتاج للشفيع لتهدئة الأوضاع وتلطيف الأجواء.
11- أن هذه الشفاعة تدخل في المجاملات فيعطي من لا يستحق ويمنع من يستحق فيكون الاعتماد الأعظم على الشفيع دون الكفاءة. والله أعلم.
تلك سمات الشفاعة الدنيوية ومن تأمل في واقعة قد يبدو له سمات أخرى تزيد على هذه أما شفاعة الآخرة فمنفي عنها كل هذه النقائص فالله عز وجل - أرحم الراحمين ورب العالمين ومالك يوم الدين منزه عن الظلم والقسوة والتأثر والانفعال بأفعال أحد من خلقه فهو (فاعل غير منفعل) والعبد (فاعل منفعل) والله - عز وجل - لا يبلغ العباد ضره فيضروه ولا نفعه فينفعوه ولا يشفع عنده إلا بإذنه لكمال سلطانه وتمام عظمته لا لظلمه وقسوته فهو الذي خلق الشافع والمشفوع له والشفاعة وقدرها ابتداءً وهو الذي يقول للشفيع (اشفع) ويحد له من يشفع فيه وفي الحديث (فيحد له حدا) ولا يملك أحد معه شيئًا استقلالاً ولا مشاركةً ولا معاونةً ولا يقبل شفاعة مشرك ولا الشفاعة في مشرك وهو أرحم بعباده من الوالدة بولدها، رحمته وسعت كل شيء وهو قريب ممن ناداه مجيب لمن دعاه لا يمنع عصيان العاصي ولا كفر الكافر أن يجيب دعاءه إذا دعاه مضطرًا وسأله متضرعا ﴿أَمَّن يُجِيبُ المُضطَرَّ إِذّا دَعَاهُ﴾ [النمل: 62].
دعاه إبليس لما قال ﴿رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ﴾ [الحجر: 36] فأجاب قائلاً ﴿فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ﴾ [الحجر: 37].
ودعاه الكافرون ﴿فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ﴾ [العنكبوت: 65] ﴿وَإِذَا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ﴾ [لقمان: 32]. ﴿وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ﴾ [الإسراء: 67]. فأجابهم ونجاهم ﴿فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الْإِنْسَانُ كَفُورًا﴾ [الإسراء: 67].
ولا يعارض هذا إن كان إلى الله اقرب فإجابة دعائه أرجى ولا أن هناك موانع تمنع إجابة الدعاء في الرخاء فهذا صحيح ومعلوم ولكن المقصود أن يعلم الخلق جميعًا أن باب الدعاء مفتوح ولجميع العباد ممنوح ﴿يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ﴾ [الرحمن: 29] فإن أردت الدليل على ما قيل فتأمل كلام ربك - جل وعلا - وسنه رسولك - صلى الله عليه وسلم - في بيان خصائص الشفاعة عند الله جلا في علاه
قال تعالى: ﴿مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ﴾ [البقرة:255].
﴿وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى﴾ [الأنبياء: 28].
﴿وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى﴾ [النجم: 26].
﴿قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ (22) وَلَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ﴾ [سبأ: 22- 23].
﴿وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ﴾ [يونس: 18].
﴿أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ شُفَعَاءَ قُلْ أَوَلَوْ كَانُوا لَا يَمْلِكُونَ شَيْئًا وَلَا يَعْقِلُونَ﴾ [الزمر: 43].
﴿مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى﴾ [التوبة: 113].
﴿اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ﴾ [التوبة: 80].
﴿وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ﴾ [الأعراف: 156].
﴿رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا﴾ [غافر: 7].
﴿إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾ [البقرة: 143] [الحج: 65].
﴿وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ﴾ [فصلت: 46].
﴿لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ﴾ [غافر: 17].
وقال - عليه الصلاة والسلام - : (إن الله لا مكره له)، (فيحد له حدا)، (اشفع تشفع).
والآن:
أعد النظر في قراءة كلام الشعراوي في ضوء ما علمت من حقيقة الشفاعة الشركية وقارن بين الشفاعة عند القبوريين وعند المشركين القدامى فهل ترى بينهما فرقا؟! وهل تجد بينهما اختلافا؟!


أما حقيقة الشفاعة عند الله تعالى في الآخرة:
فإن الله تعالى إذا أراد رحمة من شاء من خلقه أذن لمن أراد تكريمه بهذا المشهد العظيم الجليل فألهمه ذلك وأذن له فيه بعد رضاه عن المشفوع له وعن الشفيع وألهمه ووفقه لما يقوله في الشفاعة فيشفع فيه.
فأهل التوحيد لا يطلبون الشفاعة إلا من مالكها عز وجل -: ﴿قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا﴾ [الزمر: 44] فيقولون اللهم شفع فينا نبيك -صلى الله عليه وسلم- ويسلكون أسبابها الشرعية التي تنال بها.
فأسعد الناس بشفاعته من حقق التوحيد كما في الحديث أن أبا هريرة رضي الله عنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (من أسعد الناس بشفاعتك يا رسول الله؟ فقال: من قال لا إله إلا الله خالصًا من قلبه).
فأهل التوحيد هم أسعد الناس بشفاعة الشفيع -صلى الله عليه وسلم- كما قال (شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي فهي نائلة إن شاء الله من مات لا يشرك بالله شيئًا).
فاللهم أحيينا على الإسلام وتوفنا على الإيمان.
فإن قيل: إن الله أعطى نبيه الشفاعة فأنا أسألها ممن أعطيها?
فالجواب: أن الذي أعطاه الشفاعة نهاك عن هذا فقال ﴿فَلَا تَدْعُواْ مَعَ اللهِ أَحَدًا﴾ [الجن: 18]؛ فإذا كنت تريد الشفاعة فأطع ربك في أمره ونهيه.
وأيضًا فإن غير النبي أعطى الشفاعة فالملائكة يشفعون والأولياء يشفعون والشهداء يشفعون والأفراط يشفعون ولكل مؤمن شفاعة فهل تقول: الله أعطاهم الشفاعة فأنا أطلبها منهم فإن قلت هذا رجعت إلى عباده الصالحين التي ذكرها الله في الكتاب عن المشركين الذين عبدوا ودا وسواعا ويغوث وعوق ونسرا وكانوا صالحين.
وإن قلت: لا. بطل قولك أطلب الشفاعة ممن أعطاها الله إياها.
إن هؤلاء الموتى من الصالحين وغيرهم مرتهنون بأعمالهم، صالحهم في نعيم وطالحهم في عذاب أليم، لا يسمعون من ناداهم ولا يستجيبون من دعاهم، أموات غير أحياء وما يشعرون أيان يبعثون.
﴿إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ﴾ [الأعراف: 194]!!
﴿إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ﴾ [الأعراف: 196].
﴿وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ وَلَا أنفسهم يَنْصُرُونَ﴾ [الأعراف: 197].
يتبرؤن يوم القيامه ممن دعاهم ويخذلون من رجاهم.
﴿وَإِذَا رَأَى الَّذِينَ أَشْرَكُوا شُرَكَاءَهُمْ قَالُوا رَبَّنَا هَؤُلَاءِ شُرَكَاؤُنَا الَّذِينَ كُنَّا نَدْعُو مِنْ دُونِكَ فَأَلْقَوْا إِلَيْهِمُ الْقَوْلَ إِنَّكُمْ لَكَاذِبُونَ (86) وَأَلْقَوْا إِلَى اللَّهِ يَوْمَئِذٍ السَّلَمَ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ﴾ [النحل: 86- 87].
﴿وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ﴾ [الأحقاف: 5].
﴿لَا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ إِلَّا كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاءِ لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ﴾ [الرعد: 14].
وكيف يستجيبون ?وهم لا يملكون لأنفسهم ضرا ولا نفعا ولا موتا ولا حياة ولا نشورا ?
وأنى يفعلون وهم لمن دعاهم لا يسمعون ?
﴿إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ ثُمَّ إليه يُرْجَعُونَ﴾ [الأنعام: 36]!
﴿وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ﴾ [فاطر: 22]!
﴿إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى﴾ [النمل: 80].
وكيف يُرجى من لم يدفع عن نفسه وهو حي أن يدفع عن غيره وهو ميت؟!
 أليس من العجب أن تطلب النجاة ممن يطلبه لنفسه ويرغب إلي ربه ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا﴾ فالله المستعان


قوله : [ثم إنك إن كنت تقول التوسل بالأحياء جائز وتمنعه مع الأموات! نقول لك أنت تضيق الواسع كذا لأن حياة الحي لا مدخل لها في التوسل]. انتهى.

قوله (إنك إن كنت تقول أن التوسل بالأحياء جائز).
فجوابه:
إننا لا نقول ذلك بإطلاق بل التوسل بالأحياء منه ما هو شرك ومنه ما هو بدعة ومنه ما هو جائز ومنه ما هو واجب!
فمن التوسل الواجب:
اتباع العلماء والأمراء طاعة لرب الأرض السماء والتقرب لله بذالك قال تعالى - : ﴿فَاسْأَلُواْ أهل الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ [الأنبياء: 7].
وقال - تعالى - : ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُولِى الْأَمْرِ مِنكُمْ﴾ [النساء: 59].
فهي من الوسائل الواجبة لتحقيق رضوان الله والجنة.
ومن التوسل المشروع بالأحياء: طلب الدعاء المشروع منهم. (فدعاء المؤمن لأخيه بظهر الغيب مستجاب).
ومن التوسل البدعي بالأحياء: سؤال الله بهم بذواتهم وجاههم وما لهم عند الله من منزله وتلك بدعة محدثه ضلالة بعيده عن هدى ذي الرسالة - صلى الله عليه وسلم- .
ومن التوسل الشركي بالأحياء: ما يعتقده الصوفية في أوليائهم من المجانين والمجاذيب من ملك التصريف في الكون فهم الأوتاد والأقطاب والأغواث الذين فوض الله أمر الخلائق إليهم وجعل حسابهم عليهم فمن شاءوا أعطوه ومن شاءوا منعوه ومن رضوا عنه أدخلوه الجنة ومن غضبوا عليه أدخلوه النار ليس بفعلهم طبعًا ولكن بشفاعتهم المقبولة قطعا عند الله والتي لا يردها ابدًا.
ومن ثم يتقربون إليهم بأنواع القربات القلبية والقولية والعملية رجاء وطلب لبركتهم وجلبا لرضاهم وفرارًا من شخصهم وعقابهم بل للعامة لا يعرفون من التوسل بالصالحين أحياء وأمواتا إلا هذا النوع وهم لهذا القسم أليق وبه أحرى وأجدر.

         فقوله: [إنك تقول التوسل بالأحياء جائز].
 نقول وهذا أيضًا ليس على اطلاقه كما مضى:
فعليك بالتفصيـل والتبـيـيـن            فالإطلاق والإجمال دون بيان
قد أفسدا هذا الوجود وخبط الـ            أذهـان والآراء كــــــل أوان
ثم قال: [وتمنعه - أي التوسل - مع الأموات].
       وجوابه: أن هذا أيضًا ليس على إطلاقه فكفي تلبيسا وإيهاما للعوام واستدراجًا لعطفهم فمنه واجب كاتباع النبي - صلى الله عليه وسلم - كما قال الله تعالى - ﴿وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلْ أَفَإِن مَاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ﴾ [آل عمران: 144]
 فرسول الله تجب طاعته حيًّا وميتًا إلى يوم القيامة على جميع الثقلين الإنس والجن وهذا من أعظم الوسائل التي تقرب إلى الجنة وتبعدهم عن النار كما قال تعالى - ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ اتَّقُواْ اللهَ وَابْتَغٌواْ إليه الْوَسِيلَةَ﴾ [المائدة: 35]
 وقال - عليه الصلاة والسلام -: (ما تركت شيئًا يقربكم إلى الله إلا ودللتكم عليه وما تركت شيئًا يبعدكم من الله ويقربكم من النار إلا ونهيتكم عنه).
ومن التوسل المستحب بالأموات اتباع النبي - صلى الله عليه وسلم - فيما دون الفرائض والواجبات.
ومن التوسل المشترك بالأموات فالاستغاثة منهم وطلب الشفاعة منهم والنذر والذبح لهم وطلب المدد والرزق والولد فمنهم وقول بعضهم يا رسول الله اشفع لي عند ربك وادعوا الله أن يفرج كربي فنداء الميت دعاء له سواء طلبت منه أن يفعل لك أو يدعو لك كما سبق في موضعه فالكل طلب ودعاء وقد سمى الله الدعاء نداء فقال تعالى ﴿وَلَقَدْ نَاْدَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ﴾ [الصافات: 75] ﴿فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ﴾ [الأنبياء: 87] ﴿إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا﴾ [مريم: 3].
فالنداء في كل ذلك هو الدعاء فطلب شيء من الميت ونداؤه دعاء شاء من شاء وأبى من أبى والميت لا يقدر على شيء أصلاً فلا تفصيل في حالة الطلب من الميت أما الحي ففيه تفصيل فإذا طلب من الحي الحاضر ما يقدر عليه فلا مانع من ذلك قال تعالى ﴿فَلْيَدْعُ نَادِيَه﴾ [العلق: 7] ومنه ﴿لَا تَجْعَلُواْ دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا﴾ [النور: 63] ﴿ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ اللهِ﴾ [الأحزاب: 5]. والله أعلم.
فإن قيل: دعاء الميت عند قبره كالطلب من الحي لأنه يسمع من خاطبه?
فالجواب:
1- قد فرقت الشريعة بين الطلب من الحي والطلب من الميت فالطلب من الحي الحاضر ما يقدر عليه ولو حكما مشروع لا حرمة فيه وأما الطلب من الميت فهو أصل شرك العالم.
2- قياس الميت على الحي أبطله القران الكريم.
حيث قال تعالى ﴿وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ (19) وَلَاْ الظُّلُمَاتُ وَلَا النُّورُ (20) وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ (21) وَمَا يَسْتِوي الأحياء وَلَا الأموات إِنَّ اللهَ يُسْمِعُ مَن يَشَاءُ وَمَا أَنتَ بِمُسْمِعٍ مَن فِي الْقُبُورِ﴾ [فاطر: 19: 22] .
3- فهم الصحابة رضي الله عنهم حجة قاطعة فإنهم فرقوا بين هذا وذلك فطلبوا من العباس أن يدعو لهم ويستسقي لهم وتركوا هذا الطلب من نبيهم وحبيبهم - صلى الله عليه وسلم - ﴿وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا﴾ [النساء: 115].

أما سماع الموتى كلام الأحياء فلا بد معها من وقفه ولو طالت بعض الشيء.
مسألة سماع الموتى
قال الله - تعالى - ﴿إِنَّكَ لَاْ تُْسْمِعُ الْمَوْتَى﴾ [النمل: 80].
وقال - تعالى - ﴿فَإِنَّكَ لَاْ تُسْمِعُ الْمَوْتَى﴾ [الروم: 52].
وقال - تعالى - ﴿وَمَا أَنَتَ بِمُسْمِعٍ مَن فِيْ الْقُبُورِ﴾ [فاطر: 22].
وقال - تعالى - ﴿إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ ثُمَّ إليه يُرْجَعُونَ﴾ [الأنعام: 36].
وقال - تعالى - ﴿وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ (13) إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُـوا دُعَاءَكُمْ﴾ [فاطر: 13].
فهذه الآيات جميعًا ناطقة دالة على أن الميت لا يسمع ناصعة على ذلك.
فإذا كان النبي لا يستطيع أن يُسْمِع الموتى وهو رسول الله إلا أن يشاء الله إسماعهم فمن ذا الذي يستطيع ذلك غيره? فالله هو المتفرد بإسماع الموتى إذا شاء وإسماع من ليس له مطلق إسماع! ألـم ترَ أنه أسمع السموات والأرض خطابه حيث قال لها: ﴿ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ﴾ [فصلت: 11]!
وكذلك يسمع من يشاء من الموتى صوت من شاء من الأحياء ألم تر أنه - تعالى - أسمع قليب بدر من المشركين بعد قتلتهم بثلاث صوت النبي لما ناداهم بأسمائهم هل وجدتم ما وعدكم ربكم حقا فإني وجدت ما وعدني ربى حقا?!
وقال لأصحابه لما سألوه عن ذلك ما أنت بأسمع لما أقول منهم ولكن لا يستطيعون أن يجيبوا!
وكذلك يسمع الميت قرع نعال أصحابه إذا ولو عنه مدبرين!
فإن قيل:
 أليس هناك تعارض بين ما دلت عليه الآيات السابقات من عدم سماع الموتى وما نصت عليه هذه الأحاديث الصحيحة من إثبات السماع لهم?
فالجواب: كلا وهل يتعارض كلام رب العالمين ووحيه على نبيه الأمين?
قال - تعالى -: ﴿وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا﴾ [النساء: 82].
وقال - تعالى -: ﴿وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ﴾ [النساء: 113].
وقال - تعالى -: ﴿إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى﴾ [النجم: 4].
وقال عليه السلام (ألا وإني أوتيت الكتاب ومثله معه) فلا تعارض مطلقا بين نصوص الوحي لاتحاد المشكاة.
وأيضاحُ ذلك:
أن الآيات دلت على حكم عام وهو أن النبي وغيره من الخلق كذلك لا يستطيعون إسماع الموتى، وأن الموتى لا يسمعون كلام الأحياء وهذا العموم مستفاد من عده صيغ وهي:
1- الاسم الموصول (من) في قوله - تعالى - (مَنْ فِي الْقُبُورِ) وهي اسم موصول يدل على العموم.
2- الألف واللام الدالة على الاستغراق والشمول في قوله - تعالى - ﴿إنَّكَ لَاْ تُسْمِعُ الْمَوْتَى﴾ [النمل: 80].
3- الفعل المضارع (تُسْمِعُ) والفعل المضارع يشمل المصدر الذي هو الحدث مع الزمن والمصدر نكرة فتكون نكرة في سياق النفي (لا) فتفيد العموم أيضًا والتقدير - والله أعلم - إنك لا تستطيع إسماع الموتى ومثله قوله – - تعالى - -: ﴿لَاْ يَسْمَعُواْ دُعَاءَكُمْ﴾ [فاطر: 14].
4- وكذلك النكرة في سياق النفي في قوله - تعالى - ﴿وَمَا أَنتَ بِمُسْمِعٍ مَن فِيْ الْقُبُورِ﴾ [فاطر: 22] فيكون العموم من جهة (الموتى) و (من في القبور) دالاً على شمول عدم السماع للجميع فيدخل في ذلك الأنبياء والصالحون وغيرهم.
ومن جهة (لا تسمع) (وما أنت بمسمع) (لا يسمعوا) دالا على شمول جميع أنواع السماع سماع إدراك أو سماع انتفاع، كل ذلك داخل في حكم النفي. والله أعلم.
فلا أحد يستطيع أيا كان أن يسمع ميتا أيا كان أيَّ شيء أيًّا كان إلا ما شاء الله فهذا هو الأصل الأول فنقف عند ما ورد به النص.
أما الأحاديث: فهي كما هو ظاهر خاصة بوقت معين أو أشخاص معينين أو هي واقعه عين وكل ذلك لا عموم له كما تقرر في الأصول.
فحديث القليب كالآتي:
          عن ابن عمر رضي الله عنهما قال (وقف النبي صلى الله عليه وسلم - على قليب بدر فقال هل وجدتم ما وعد ربكم حقا? ثم قال: إنهم الآن يسمعون ما نقول) فذكر لعائشة فقالت: إنما قال النبي: إنهم الآن يعلمون أن الذي كنت أقول لهم هو الحق ثم قرأت (إنك لا تسمع الموتى). رواه البخاري.
وعن طلحه أن نبي الله أمر يوم بدر بأربعة وعشرين رجلا من صناديق قريش في طوى من أطواء بدر.... حتى قام على شفة الركى فجعل يناديهم بأسمائهم وأسماء آبائهم..... أيسركم أنكم أطعتم الله ورسوله? فإنا قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا فهل وجدتم ما وعدكم ربكم حقًّا? قال عمر: يا رسول الله ما تكلم من أجساد لا أرواح فيها?! فقال رسول الله (والذي نفس محمد بيده ما أنتم بأسمع لما أقول منهم).
قال قتادة: (أحياهم الله حتى أسمعهم قوله توبيخًا وتصغيًرا ونقمةً وحسرةًً وندمًا). أخرجه الشيخان.
          فقوله - صلى الله عليه وسلم - (إنهم الآن يسمعون ما أقول) وقوله (ما أنتم بأسمع لما أقول منهم) التخصيص فيه واضح وذلك في قوله (الآن) دل بمنطوقه على إثبات سمعه لهم في ذلك الوقت على نفي السماع عنهم في غير ذلك الوقت، وحتى لو قلنا لا مفهوم له تنـزلا، فغاية هذه اللفظة إنما أثبتت لهم سماعا في ذلك الوقت وبقي غيره في جميع الأحيان حكمه في هذا النص فيستفاد من الأدلة العامة التي سبق ذكرها في عدم سماع الموتى.
وأما قوله (ما أنتم بأسمع لما أقول منهم) فهذا أيضًا مخصص بخطاب النبي لهم (لما أقول) فليس سماعًا مطلقا لكل ما يقال لهم ألا ترى أنه لم يقل (ما انتم بأسمع منهم)!!
وعلى كل حال سلمتم لنا التخصيص أو لم تسلموه فإنها واقعه عين، وواقع الأعيان لا عموم لها كما هو معلوم في الأصول.
بل إننا لا نبتعد عن الصواب - إن شاء الله - إذا قلنا إننا نستدل بنفس هذا الحديث على أن الأصل في الموتى أنهم لا يسمعون كلام الأحياء!
فإن قيل كيف?
قلنا روى أحمد عن أنس فذكر الحديث. وفيه فسمع عمر صوته فقال: يا رسول الله أتناديهم بعد ثلاثة وهل يسمعون? يقول الله - تعالى - ﴿إِنَّكَ لَا تُسْمِع الْمَوْتَى﴾ [النمل: 88] "والذي نفسي بيده ما أنتم بأسمع لما أقول منهم ولكن لا يستطيعون أن يجيبوا". قال الألباني: صحيح على شرط مسلم. (الآيات البينات ص50).
ووجه الدلالة أن النبي صلى الله عليه وسلم أقر عمر على فهمه واستدلاله بالآية الكريمة التي يستدل بها المانعون لسماع الموتى كلام الأحياء وخطابهم فالآية حقًّا هي العمدة في أن الموتى لا يسمعون من لدن الصحابة إلى الآن وبإقرار النبي - صلى الله عليه وسلم-! فهل في روايات الحديث المتعددة أن النبي (خطَّأ عمرَ) أو قال له: (كلا بل يسمعون) أو قال (ما أنتم بأسمع منهم)?!
أو نحو ذلك، وهل يجوز في حقه عليه السلام تأخير البيان عن وقت الحاجة وعمر لم يكتف بهذا السؤال الذي يشير بأنه علم من قبل أنهم لا يسمعون بل يتجاوز ذلك علمه إلى الاستدلال بالآية تأكيدًا لاستشكاله السابق بين ما علمه سلفا وبين ما يرى رسول الله يفعله فهل هذا وقت تأخير البيان أمام هذا الجمع الكبير بين الصحابة ?! اللهم لا.
لكنه - صلى الله عليه وسلم - بيّن لهم جميعًا أنهم الآن يسمعون فأقرهم على فهمهم واستدلالهم وبين لهم أن هؤلاء بخصوصهم يسمعون، يسمعونني أنا بخصوص فيما أقول لهم الآن بخصوصه فهل بعد فهم الفاروق الذي جعل الله الحق على لسانه وقلبه وهو العربي الفصيح والصحابي الجليل والذي فهم من قوله - تعالى - ﴿إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى﴾ [النمل: 80] صحة الاستدلال بها على أن الموتى لا يسمعون سماع إدراك ولا سماع انتفاع وإقرار النبي له على هذا الفهم وكذلك استدلال عائشة على نفي سماع الموتى بنفس الآية غير أنها خفي عليها مسألة التخصيص فوهمت الرواية هل بعد ذلك يمتري عاقل أو يتلجلج فاضل في أن الموتى لا يسمعون إلا حيث أسمعهم الله ونحن لا نعلم ذلك إلا ما ثبت بدليل صحيح تقوم به الحجة.
 أليس ما بعد الموت غيب?
فلِمَ الخوض فيه بغير علم ولا برهان?!
 أليس الموتى من ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون?
فلِمَ يهتك هذا البرزخ ويلغى ويتصل الأحياء بالأموات بهذا الإطلاق فأين البرزخ إذن؟! وأين الدليل؟!
 أليس هؤلاء الموتى قد بليت آذانهم وأعينهم وأيديهم وأرجلهم?
فلِمَ آتيتم بأسمج قياس على وجه الأرض، فقستم سمع الأموات على سمع الأحياء؟!
 أليس الله قد وبخ الكافرين الذين يعبدون الأموات من الأنبياء والصالحين فقال تعالى ﴿أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا﴾ [الأعراف: 195] فإذا كان الميت بهذه المثابة بين العجز والضعف فكيف لا تعقلون ولا تتأملون حالكم ولا حالهم فترعوون وتتوبون وإلى ربكم ترجعون?!
فإن قال قائل رويدك رويدك! فقد جاء في كتب التفسير خلاف ما ذكرت وغير ما قررت فقد قالو أن معنى قوله تعالى: ﴿إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى﴾ [النمل: 80] ونحوها: نفيٌ لسماع الانتفاع لا مطلق السماع ألا ترى أن الكفار يسمعون خطاب النبي ولا ينتفعون به وكذلك الموتى ولكنهم لا ينتفعون فهل خفي هذا على جميع المفسرين?
فالجواب ومن الله السداد:
لا شك أن من نظر إلى سؤالك وصياغته أُعْجِب بسياقه وطريقته وربما مال إليه بادي الرأي فإذا ما سلط عليه نور العلم وسكب عليه ترياق القلوب وشفاء العين زاح عنه الباطل وانقشع عن بصره الغشاوة فأقول وبالله أصول وأجول:
إننا مع الأئمة المفسرين رحمهم الله في هذا التفسير من ابن جرير إلى بن كثير لم نفارقهم فيه طرفه عين ولم نخالفهم فيه قيد أنمله فإن معنى أن الله تعالى يشبه حال الكافرين في عدم استجابته لما يتلى عليهم من الوحي المبين بحال المييتين فهم أي الكفار - وإن كانوا يسمعون ولا يستجيبون ولا ينتفعون وهذا القدر هو الذي ذكره بعض المفسرين - رحمهم الله - وهو بحمد الله لا يخالف ما ذكرنا ولا يتعارض معه، ومن قال أن الموتى يسمعون وإنما نفي عنهم سماع الانتفاع فقوله مرجوح وبالأدلة السابقة محجوج وله أجر على اجتهاده ونحن في حلٍ من تقليده.
كأنى بهذا السائل قد فهم عكس التشبيه، فجعل المشبه مشبها به فكأنه فهم مثل الموتى الذين لا ينتفعون بما يسمعون كمثل الكفار الذين يسمعون القران ولا يستجيبون لما فيه.
فسبحان الله! من فهم هذا الفهم من الصحابة وسائر السلف ?!
ثم ما الفائدة من تشبيه الموتى بالكفار?!
وإنما الفائدة في تشبيه الكفار في عدم استجابتهم وانتفاعهم بالقرآن كالميت الذي لا يسمع أصلاً بل كالأصم الذي لا يسمع رأسًا!!
وتأمل كيف قال تعالى –: ﴿إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ﴾ [النمل: 80] فهل يستطيع هذا المتحذلق أن يستمر على فهمه السابق - الذي يحد عليه! - ويقول أن الأصم يسمع لكنه لا يسمع سماع انتفاع. فوا عجبا!!
فالمعنى الصواب - إن شاء الله تعالى -:
إنك لا تستطيع إسماع هؤلاء الكفار سماع انتفاع، وقد ختم الله على أسماعهم وجعل فيها وقرًا كما أنك لا تستطيع إسماع الأصم الذي فقد حاسة السمع أصلًا.
فهؤلاء وإن صحت منهم الأسماع - يعنى آلة السمع إلا أن وجودها كالعدم إذ لا فائدة فيها فهم لا يسمعون سماعا قامت عليهم الحجة ولكن لم ينتفعوا به ولم يهتدوا به ولم يخرجوا به من الظلمات إلى النور فحالهم لانتفاء جدوى السماع كحال الموتى الذين فقدوا مصحح الأسماع.
فإن قيل: إذا كان الأمر كذلك فلِمَ ذكر الأصم بعد الموتى وكلا هما على قولك لا يسمع وهلا اكتفي بالموتى?
والجواب: أن الكفار حال استماعهم للقران الكريم وللنبي الأمين ثلاثة أنواع: -
الأول: وهو الأسوأ فهو كالميت: الذي لا يسمع مطلقا فلا يؤثر فيه علو الصوت ولا انخفاضه ولا قربه ولا بعده ولا خطابه مواجهةً ولا مدابرةً: إنه ميت!
الثاني: وهو سيئ جدًّا ولكنه دون الأول فهو كالأصم الذي لا يسمع الأصوات العادية لكنه قد يسمع الانفجار العظيم والدوي الهائل والصوت الصارخ المزعج فإذا وُوُجِهَ بالخطاب ورُفِع له الصوت بالصياح، ورأي قسمات وجه المتحدث وإشارات يده فهذا قد يسمع ولو سمعًا ضعيفا لكنه إذا ولى مدبرا وأعرض عن مصدر الصوت لم يبقَ في سماعه مطمع!
الثالث: وهو كالأعمى: وهو أحسن حالا من سابقيه ومعاشرته ومخالطته أيسر وأسهل فهو يسمع لكنه لا يبصر طريقه وما فيها من المهلكات والمتلفات فما أسرع هلاكه!
وقال تعالى ﴿ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ (13) إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ﴾ [فاطر: 13، 14].
قال الألباني - رحمه الله -:
هذه الآية صريحة في نفي السمع عن أولئك الذين كان المشركون يدعونهم من دون الله تعالى وهم موتى الأولياء والصالحين الذين كان المشركون يمثلونهم في تماثيل وأصنام لهم يبعدونهم فيها وليس لذاتها كما يدل على ذلك قوله تعالى - ﴿وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا﴾ [نوح: 23] ففي التفسير المأثور عن ابن عباس وغيره من السلف أن هؤلاء الخمسة أسماء لرجال صالحين من قوم نوح فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم أن انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون أنصابا وسموها بأسمائهم ففعلوا فلم تعبد حتى ذا هلك أولئك وتنخ العلم عبدت.رواه البخاري وغيره.
ونحو قوله - تعالى -: ﴿وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَـاءَ مَا نَعْبُـدُهُـمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُـونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى﴾ [الزمر: 3].
قال ابن القيم - رحمه الله -: (فوضع الصنم في الأصل إنما كان على شكل معبود غائب فجعلوا الصنم على شكله وهيأته وصورته وإلا فمن المعلوم أن عاقلا لا ينحت خشبه أو حجرا بيده ثم يعتقد أنها معبودة).                                                                         إغاثة اللهفان: 2/ 244.
فإن قيل: إن كثيرًا من المفسرين فسرها بأنها المراد بها الأصنام نفسها وقالوا لأنها جمادات لا تضر ولا تنفع!
يعنى هم فسروها بالأصنام وأنتم تفسرونها بالأموات والصالحين.
فالجواب:
الأصنام لا تسمع ولا تضر ولا تنفع وكذلك الأموات لا تسمع ولا تضر ولا تنفع فأي تعارض بين التفسيرين?
قال القرطبي - رحمه الله -: ﴿وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونَهُ﴾ [فاطر: 13]: أي من يعقل ممن عبدهم الكفار.
قال القرطبي - رحمه الله -: ﴿وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونَهُ﴾ [فاطر: 13]: أي من يعقل ممن عبدهم الكفار.
وقال الشيخ عبد الرحمن بن حسن آل شيخ - رحمه الله -: ﴿وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِن قِطْمِيرٍ﴾ [فاطر: 13] من كانت هذه صفته فلا يجوز أن يرغب غي طلب نفع ودفع ضر إلى أحد سوى الله تعالى - وتقدس بل يجب إخلاص الدعاء الذي هو أعظم أنواع العبادة له، وأخبر تعالى - أن ما يدعون أهل الشرك لا يملك شيء وأنهم لا يسمعون دعاء من دعاهم ولا فرض أنهم يسمعون فلا يستجيبون لداعيهم وأنهم يوم القيامة يكفرون بشركهم أي ينكرونه ويتبرؤون ممن فعله معهم فهذا الذي أخبره اللطيف الخبير الذي لا يخفي عليه شيء في الأرض ولا في السماء وأخبر أن ذلك الدعاء شرك به وأنه لا يغفره لمن لقيه به فأهل الشرك ما صدقوا الخبير وما أطاعوه فيما حكم به وشرع بل قالوا أن الميت يسمع! ومع سماعه ينفع!
فتركوا الإيمان والإسلام رأسًا كما ترى عليه الأكثرين من جهلة هذه الأمة ,, قرة أعين الموحدين وبما يؤيد أن المقصود هم الموتى من الأولياء ونحوهم وليس ذات الأصنام والحجارة أنه - تعالى - أخبر أنهم يوم القيامة ﴿يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ﴾ [فاطر: 14] وهذا دليل على أنهم ممن يحشر يوم القيامة وليس هناك دليل على حشر الجمادات وأنه تكفر وتتبرأ من عابديها يوم القيامة!
﴿قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ﴾ [البقرة: 111].
﴿قُلْ هَلْ عِندَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا﴾ [الأنعام: 148].
أما من عبد من دون الله من العقلاء فالآيات مصرحة بما ذكرنا من البراءة من عابديها - قال تعالى -: ﴿وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللهِ فَيَقُولَ أَأَنتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَؤُلَاءِ أَمْ هُمْ ضَلُّواْ السَّبِيلَ (17) قَالُواْ سُبْحَانَكَ مَا كَانَ يَنبَغِي لَنَا أَن نَّتَّخِذَ مِن دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَاء﴾ [الفرقان: 17- 18] وقال - تعالى -: ﴿وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جميعًا ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلَائِكَةِ أَهَؤُلَاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ (40) قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ﴾ [سبأ: 40].
وقال تعالى ﴿وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ﴾ [المائدة: 116].
وقال تعالى ﴿وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جميعًا ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا مَكَانَكُمْ أَنْتُمْ وَشُرَكَاؤُكُمْ فَزَيَّلْنَا بَيْنَهُمْ وَقَالَ شُرَكَاؤُهُمْ مَا كُنْتُمْ إِيَّانَا تَعْبُدُونَ (28) فَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ إِنْ كُنَّا عَنْ عِبَادَتِكُمْ لَغَافِلِينَ﴾ [يونس: 28- 29].
وقال تعالى ﴿وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ (5) وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أعداء وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ﴾ [الأحقاف: 5- 6].
فهذا التبرؤ والتجاحد والتكافر الذي يقع يوم القيامة إنما يكون بين العابدين والمعبودين العقلاء أنفسهم وليس ذوات الأصنام والأحجار والقبور والأضرحة. والله أعلم.
ومن الأدلة على عدم سماع الأموات أيضًا قول النبي (إن لله ملائكة سياحين في الأرض يبلغوني عن أمتي السلام). صححه الألباني.
وهذا صريح أن النبي لا يسمع سلام المسلمين عليه إذ لو كان يسمعه بنفسه لما كان بحاجة إلى من يبلغه فكيف بغير السلام فكيف بغير النبي?!
والحديث يشمل من سلم عليه عند قبره أو بعيدا عنه ولا دليل على التفريق والحديث الذي نص على التفريق موضوع وهو (من صلى عند قبري سمعته ومن صلى على نائيا بلغته). فهو موضوع برقم 5670 ضعيف الجامع. راجع الآيات البينات للألباني (57- 58).
قلت: ويشهد لذلك أيضًا ما رواه سعيد بن منصور عن سهيل قال: (رآني الحسن بن الحسن بن على عند القبر فناداني وهو في بيت فاطمة يتعشى؛ فقال: هلموا إلى العشاء.
فقلت: لا أريده؛
فقال: ما لي رأيتك عند القبر?
فقلت: سلمت على النبي.
فقال: إذا دخلت المسجد فسلم فذكر الحديث، ثم قال ما أنتم ومن بالأندلس إلا سواء).
قال الألباني: مرسل قوي.
فهل بعد هذا ريب? وهل يبقى بعد ذلك تلجلج وشك ?
فاللهم هداك!
وأما حديث: (إن الميت يسمع قرع نعالهم).
فالتخصيص فيه ظاهر فبالنظر إلى مجموع رواياته وألفاظه نجد (إذا انصرفوا) ونجد (إذا ولوا) ونجد (إذا وضع في القبر وتولى عنه أصحابه).
فـ (إذا): من قبيل التخصيص بالزمان فنثبت ما أثبته النص ونشهد أن الميت يسمع (قرع نعالهم) (إذا ولوا عنه مدبرين) ونقف عند هذا الحد.
أولاً: لأنه غيب لا نخوض فيه بغير علم ولا برهان، فلا يصلح فيه قياس ولا رأي ولا استحسان.
ثانيًا: لأن الأدلة العامة التي سبقت دلت على أن الموتى لا يسمعون وجاءت أدلة خاصة على سماعهم في وقت معين فنؤمن بالجميع بلا تعارض ولا ترجيح.
ثالثًا: فإن هذا الوقت تعاد فيه الروح إلى الجسد ليسأله الملكان كما في الحديث (وإنه ليسمع قرع نعالهم أتاه ملكان) فأين العموم وأين الإطلاق في سماع الموتى يا عباد الله?!
فإن قيل: أليس قد ورد في السنة الصحيحة: (زوروا القبور)، فكيف نزور من لا يشعر بنا? ولم سماهم رسول الله (زيارة)?
 أليس قد أُمِرْنَا (بالسلام على أهل القبور من المؤمنين)؟! فكيف نسلم على من لا يسمعنا? وهل يعقل ذلك?
 أليس قد ورد أنهم يردون السلام على من سلم عليهم فكيف إذا كانوا لا يسمعون?!
الجواب بعون الملك الوهاب:
أما الأولى: فلا تلازم بين الزيارة وبين الشعور المزعوم بل يزار من لا يشعر بالزيارة بل من لا يعقل الزيارة أصلاً، فكم من مريض فاقد الوعي لا يسمع ولا يبصر والناس يزورونه حسبة لله، أوليست هذه زيارة?!
وكذلك بيت الله الحرام أليس الحجاج والعمار يزورونه آناء الليل وأطراف النهار ويوفدون إليه رجالاً وعلى كل ضامر من أطراف المعمورة منذ أذَّن إبراهيم وإلى الوقت المحتوم؟ أليست هذه زيارة ?!
 أليس النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يزور مسجد قباء كل سبت راكبًا وماشيًا?
فهل الكعبة ومسجد قباء تسمع أصوات الزائرين والطائفين?!
اللهم غفرانك.
وأما الثانية: وهي أن التسليم على أهل القبور إشعار بسماعهم!
فنقول: كلا! فإن المسلمين جميعًا ما زالوا يسلمون على النبي في صلواتهم في حياته وبعد وفاته قائلين: (السلام عليك أيها النبي) أو (السلام على النبي) فهل تقولون بأنه - صلى الله عليه وسلم - كان يسمع كل من سلم عليه في مسجده وهم إنما يقولون ذلك سرًّا?! فكيف فيمن يصلى عليه في غير مسجده?! وكذلك النساء في بيوتهن في صلواتهن فهل كان في حياته صلى الله عليه وسلم - يسمع كل ذلك?
ثم إن كان يسمع ذلك في حياته ولا أظن عاقلاً قال بذلك قط فهل استمر ذلك أيضًا بعد مماته -صلى الله عليه وسلم-?
وإذا سلمنا على فرض المستحيل أنه كان يسمع كل ذلك ولا يزال فلِمَ تبلغه الملائكة ذلك التسليم وهو يسمعه?!
فان أبى المكابر كل ذلك وأصر على العناد وخالف أهل العقول والرشاد وجعل سمع النبي كسمع الرب العلى السميع البصير اللطيف الخبير، الذي يسمع دبيب النملة السوداء على الصخرة الصماء في الليلة الظلماء، ويسمع أصوات أهل الأرض والسماء على اختلاف اللهجات وتفنن الحاجات لا يشغله سمع عن سمع ولا شان عن شان فتبارك الذي وسع سمعه الأصوات.
إذا أبى المكابر إلا ذلك، فامرؤ وما اختار، وإن أبى إلا النار، لكننا نلقمه حجرًا أخيرًا لعله يتوب ويراجع ويئوب فنقول هب أن النبي صلى الله عليه وسلم كذلك! فهل كل مؤمن كذلك?!
فإن قال: كيف؟
قلنا: أنك في التشهد تقول (السلام عليك أيها النبي ورحمه الله وبركاته السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين)!!
ومعلوم أن عبارة (عباد الله الصالحين) صيغة عموم شملت كل عبد لله صالح في السموات أو في الأرض وها أنت تسلم عليهم جميعًا في كل تشهد فهل يسمعك كل هؤلاء?!
بل نحن أيضًا نفعل كل ذلك في كل تشهد فهل تسمعنا إذ نسلم عليك ?!! أم أنت لست من عباد الله الصالحين?!
فإن قيل: سلمنا بما ذكرت فما معنى السلام في هذه المواضع إذا كان لا يسمع الـمُسَلَّم عليه تسليم المسلِّم؟
قلنا: السلام هنا الدعاء لا خطاب ولا تحية.
والسلام إذا كان للدعاء فهو أجل وأعظم منه إذا كان للتحية كما قرر شيخ الإسلام ابن تيميه في اقتضاء الصراط.
فان قيل: إذا كان السلام للدعاء لا للتحية أو الخطاب فلِمَ أُتِي بكاف الخطاب الدالة على المخاطبة والمحاورة (السلام عليك أيها النبي) (السلام عليكم دار قوم مؤمنين)؟!
فالجواب: ليس هذا بشيء!
فان الكاف هنا لمخاطبة المثال الذي استحضره المتكلم في قلبه للمخاطب فيتمثله في قلبه ويستحضره في لبه فكأنه حاضرًا بجسمه لا يطلب منه شيئًا وذلك لأنه يعلم من يقين نفسه أنه يخاطب المثال الذهني وليس الشخص الحقيقي وكذلك كل مسلم مؤمن يصلي على الحبيب النبي - صلى الله عليه وسلم - في صلاته وعند دخول المسجد وغير ذلك لا يأتي في خاطره لحظة أن النبي في قبره يسمع ذلك ولكن هو يستحضره مثال في قلبه ويخاطبه كأنه حاضر ماثل وهذا واضح لكل عاقل.
وهنا أضع القلم عن هذه القضية - سماع الموتى -: فقد لاحت الدلائل ووضحت البراهين على أن الموتى لا يسمعون إلا ما شاء الله لهم أن يسمعوه وما لم يرد بذلك نص صحيح فلا يلتفت قائل بخلاف ذلك - ولن نطيل أكثر من ذلك فإن في هذا القدر كفاية لمن أراد الهداية وأما المكابر فإنه لا يسلم بالحق ولو شهدت عليه أعضاؤه. والله أعلم.
فإن قيل: على كل حال فالمسألة خلافية فقد قال بعض أهل العلم بسماع الموتى فلِمَ هذا النكير?!
قلنا: أما سماع الموتى فخلافية، وأما الطلب من الأموات فليست خلافية إلا إذا قصد بالخلاف ما وقع بين أتباع المسلمين وأتباع إبليس اللعين من المشركين فعندئذ نسلم لكم أن المسالة خلافية!
فأولياء الرحمن يقولون عن هذا شرك مبين!
وأولياء الشيطان يقولون: توسل ومحبة للصالحين!
فأي الفريقين أولى بالاتباع وأحق بإصابة الهدى ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ﴾ [الأنعام: 82]!
ثم ليس جدلاً أن سؤال الميت عند قبره أن يدعوا لك أو يشفع عند الله فهل نَجُرُّ هذا الخلاف سؤالهم بعيدًا عن قبورهم؛ فهذا بأقصى الشرق والآخر بأقصى الغرب، وثالث بأقصى الشمال ورابع بأقصى الجنوب وخامس بقمم الجبال وسادس في الغابات والأدغال وسابع في معترك الأمواج وثامن في أغوار المحيطات وكلهم في وقت واحد يقولون يا سيدى البدوي! ادع الله أن يفرج كربي وأن يكشف غمي وأن يزيح ضري! اشفع لي عند الله! اسأل الله لي.......!
فهل هذا الميت الغائب يسمع ضجيج هذه الأصوات على اختلاف اللغات وتفنن الحاجات لا يشغله شان هذا الطالب الشفاعة لإنقاذ غريق عن الثاني الذي طلب الشفاعة لإطفاء حريق عن الثالث الذي طلب الدعاء لتوسيع الرزق عن الرابع الذي طلب الدعاء لتفريج الكرب وهم جميعًا يعتقدون أنه يسمعهم جميعًا ويطلع على أحوالهم جميعًا، ويتدخل في الوقت المناسب لينقذ الغرقى ويكشف البلوى بشفاعته المقبولة طبعا عند الله! إن هذا لشيء عجاب!
هل يقبل هذا عاقل? فضلا عن مسلم موحد يثبت لله الأسماء الحسنى والصفات العلى ويوحده في ذلك! إن هذا لا يكون ورب العرش العظيم إلا إذا كان اعتقد فيه بعض صفات الألوهية أو بعض نعوت الربوبية على أقل تقدير والله تعالى يقول ﴿أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ﴾ [النساء: 53] فـ ﴿سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ (180) وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ﴾ [الصافات: 180- 181].
فمسألة سماع الموتى ولهذا الشرك الأكبر والكفر الأظهر وإنما هي تكأة يتكئون عليها وشبهه واهية يلبسون بها على العوام والله من ورائهم محيط، يحصى أعمالهم ويعد آجالهم، وسيجزيهم بما كانوا يفترون، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون؟!

فقول الشعراوي: [حياة الحي لا مدخل لها في التوسل].
جوابه:
أن حياة الحي لا مدخل لها في التوسل الشركي والبدعي نعم، إذ لا فرق بين من صرف العبادة لحي أو ميت ليقربه إلى الله ويكون له شفيع في قضاء مآربه وتحقيق مطالبه، وكذلك التوسل البدعي بالجاه والحق والذات لا فرق فيه بين الحي والميت فظهر من ذلك أن الشعراوي لا يقصد التوسل الشرعي أصلاً ولم يرده قطعًا، وإنما أراد التوسل الشركي والبدعي إذ لا مدخل فيه لحياه الحي على حد قوله، والله أعلم.
ثم نقول: إذا كان الأمر كذلك وأن حياة الحي لا مدخل فيها للتوسل فكيف عدل الصحابة عن التوسل بالرسول وهو ميت إلى التوسل بالعباس وهو حي?!
فان قال: لوجود المناسبة بين العباس (الحي) وبين مقصود التوسل هنا (المطر) ولا مناسبة بين المطر وبين رسول الله لأنه (ميت)!
قلنا: وأي مناسبة بين (ذات فلان) و(جاهه) و(صلاحه) وبين مطلوبك أنت، فإن تمسكتم بالمناسبة بين المتوسل والمتوسل فيه، لزمكم التوسل الشركي والبدعي لعدم وجود تلك المناسبة وإن قلتم بعدم اشتراط المناسبة فلِمَ لَجَأتم إليه هنا?!
وأما قوله لمن منع من الشرك وذرائعه: [أنت تضيق واسع - كذا -]!
فجوابه: من لم يطهره البحر فلا طهره الله!
ومن لم تكفه السنة فلا كفاه الله، ومن لم يقنع بالتوحيد فلا قنعه الله!
من الذي يضيق الواسع? آلذي يفتح للناس كل السبل الشرعية للتوسل التي امتلأ بها كتاب الله وسنه رسوله ومصطفاه? آلذي يحيلهم على التوحيد أم الذي حرمهم منه وحرَّمه عليهم ووسع لهم من أبواب الشرك كل طريق?
فمن الأرفق ومن الأرفق? ومن الذي وسع ومن الذي ضيق?
﴿مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ﴾ [الحج: 31].
وقال: [لأن جعلت التوسل بحبك لمن علمت أنه أقرب منك إلى الله يبقى حبك هو الذي هينفعك حبك له].
جوابه: قد يبدوا لأول وهلة قرب هذا الكلام من كلام أهل الشريعة والتوحيد لأن التوسل بحب الصالحين والأنبياء والمرسلين عمل مشروع لأنه يدخل تحت التوسل بالعمل الصالح كما مضى فيقول الموحد: اللهم إني أسألك بحبي لنبيك ولآله الطاهرين وأصحابه الطيبين أن تغفر لي وترحمني! وليس المعنى أن تتوسل إلى الله بحبك للصالحين قائلا: اللهم إني أسألك بحبي لعبادك الصالحين كذا وكذا فهذا التوسل غير معروف في الأوساط الصوفية والمستنقعات القبورية إلا على سبيل التلبيس أو التقية التي حملوها من إخوانهم الروافض والباطنية ويوضحه:
أنه قال: [اوعى تفتكر انه هيجيبلك اللي متستحقوش]. وقال: [يجاملك فيعطيك ما لا تستحق عند الله يكرهك ولا يسأل عنك]!! انتهى بلفظه وحروفه.
فهل الولي يعطى شيئًا أو يمنع شيئًا?
وهل الولي يملك شيئًا أصلًا?
وما هذه المرتبة التي أخذها (الولي الصوفي) عند الله لدرجة أنه فوض إليه أمر خليقته وأسند إليه التصريف في الكون بإذن الله طبعًا!!
وما الذي أوصله إلى هذه المرتبة التي من خلالها يقف حاجبًا على بابه أن يدخل من يشاء ويحجب من يشاء ويعطى من يشاء ويمنع من يشاء?
 أليس هذا هو نفس اعتقاد المشركين في آلهتهم ﴿شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللهِ﴾ [يونس: 18] ﴿لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللهِ﴾ [الزمر: 3]!
 أليس الرسول قال: ﴿وَلَا أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَائِنُ اللهِ﴾ [هود: 31]?!
وقال تعالى - ﴿قُلْ أَفَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ لَا يَمْلِكُونَ لِأنفسهم نَفْعًا وَلَا ضَرًّا﴾ [الرعد: 16].
فمال هؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثا?
      

          قوله: [فساعة يتوسل بواحد فهو يعتقد أن الواحد اللي هيتوسل به ميقدرش يعمل حاجة، يبقى خلصنا من الشرك ولا مخلصناش يبقى حتى الشرك ابعدوها!   
وهل اعتقد أن الذي أتوسل إليه قادر والمتوسل به عاجز يبقى ده منتهى الإيمان!] انتهى.
وخلاصه هذا الكلام أن الشعراوي:
1- يعتقد أن الشرك هو: أن تعتقد أن الفاعلية في غير الله فمن اعتقد أن الفاعل هو الله وحده وأن الله هو القادر وحده فقد بريء من الشرك كله وخرج من الشرك دقه وجِلّه.
2- يقرر أن من اعتقد أن مخلوقًا ممن خلقه الله أنه عاجز لا يقدر على شيء وأن الله وحده هو القادر فقد بلغ منتهى اليقين ومنتهى الإيمان ولا شك أن كل الناس يرجون أن يبلغوا هذه الرتبة العليا والمنزلة الرفيعة فدونك الطريق يا سالك الطريق!
فلا عليك خوف ولا خشية، إن شئت قدست الأوثان، وعبدت القبور والصلبان، إذا أقررت بالقدرة القاهرة للواحد الديان وأن ما عداه عاجز من إنس ومن جان.
فنقول: سبحانك! هذا إفك وبهتان وهل تخلف عن هذه العقيدة أحد? وهل تخلف عنها الشيطان? لقد أقر الجميع بذلك إلا من جحد بلسانه وكشف الله لنا عما في جنانه فجميع المشركين قد أقروا بذلك لله رب العالمين وما أدخلهم ذلك إيمانًا ولا أذاقهم إسلامًا بل كان ذلك من تمام إقامة الحجة عليهم فلزمهم أن يفردوه بالعبادات كما أفردوه بالقدرة على جميع المخلوقات.
قال تعالى -: ﴿الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ [البقرة: 22]!
وهاأنذا سوف أقدم إليك بعض النصوص المحكمات، والبراهين الساطعات على أن إقرار المشرك بوجود الله وبربوبيته وقدرته وأنه الخالق الرازق لكل شيء لا يكفي للحكم على صاحبه بالتوحيد إلا إذا تجرد من الشرك والتنديد:
قال تعالى ﴿وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ﴾ [الزخرف: 87].
﴿وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ﴾ [لقمان: 25].
﴿وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ اللَّهُ﴾ [العنكبوت: 63].
﴿وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ﴾ [العنكبوت: 61].
﴿قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (84) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (85) قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (86) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ (87) قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (88) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ (89) [النمل: 84- 89].
﴿قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ﴾ [يونس: 31].
﴿وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ﴾ [يوسف: 106].
﴿وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى﴾ [الزمر: 3].
﴿وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ﴾ [يونس: 18].
﴿أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ (75) أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ (76) فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ﴾ [الشعراء: 77].
﴿قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْـطِرْ عَلَيْنَا حِـجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ [الأنفال: 32].
﴿إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمُ الْفَتْحُ﴾ [الأنفال: 19].
﴿فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ﴾ [قريش: 3].
﴿يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ [آل عمران: 71].
﴿وَإِذَا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ﴾ [لقمان: 32].
﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ﴾ [البقرة: 165].
﴿وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ إني يُؤْفَكُونَ﴾ [التوبة: 30].
﴿لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلَاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ [الإسراء: 102].
﴿وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أنفسهم ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ﴾ [النمل: 14].
﴿رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي... [الحجر: 39].
﴿رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ﴾ [الحجر: 36].
﴿قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ﴾ [ص: 82].
ونحو ذلك من الآيات وهو في القران كثير جدًّا وكلها تدل على أن هؤلاء المشركين كانوا يوقنون بوجود الله وهل يشك المسلم في أن إبليس يوقن بوجود الله?!
وكذلك يقرون بأنه وحده هو الذي خلقهم ورزقهم وخلق السموات والأرض والعرش العظيم، وأنه هو الذي ينزل الغيث ويدبر الأمر، ومنهم من آمن بالبعث وبعض صفات الله عز وجل - والتقرب إليه بأنواع من العبادات كالدعاء والاستغاثة والمحبة وغير ذلك وليس هذا بعجيب فالإقرار بوجود الله ومعرفته ومحبته داخلٌ في الفطرة التي فطر الله الناس عليها؛ كما قال الله تعالى - ﴿فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾ [الروم: 30].
فمن المستحيل أن يقع هذا التبديل فيولد مولود على غير هذه الفطرة وعلى غير هذه الملة بحيث لو خلاه أبواه ومعلموه فلم يهودوه ولم ينصروه ولم يمجسوه لما شب إلا حنيفًا مسلمًا وذلك الإسلام المجمل الذي يفصل عن طريقه الوحي المنزل فتلك هي الفطرة المكملة للشرعة المنزلة وقال - عليه السلام - (كُلُّ مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه كما تولد البهيمة بهيمة جدعاء هل تحث بها من جدعاء حتى تكونوا أنتم تجدعونها).
وكما قال النبي فيما يرويه عن رب العزة - تبارك وتعالى - (إني خلقت عبادي حنفاء كلهم وإن الشياطين اجتالتهم عن دينهم وحرمت عليهم ما قلت لهم).
فإن قيل: فما كان شرك المشركين وكفر الكافرين إذا كانوا مقرين بكل ذلك كما نطق بذلك القران ومع ذلك حكم عليهم بالشرك والكفران؟
فالجواب:
كان شركهم أنهم عبدوا معه غيره أو صرفوا لغيره خالص حقه من العبادة وهذا هو التنديد والتسوية والعدل التي ذكره الله تعالى - في قوله عنهم، وقال تعالى –: ﴿تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (97) إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [الشعراء: 97- 98].
وقال تعالى - ﴿ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ﴾ [الأنعام: 1] وقال تعالى -: ﴿فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ [البقرة: 22].
ومعلوم أنهم لم يسووهم به في الخلق والرزق والتدبير والقدرة...
كيف وهم يقولون في تلبيتهم (لبّيك اللهم لبّيك لبّيك لا شريك لك لبيك، إلا شريكًا هو لك تملكه وما ملك).
ولا يعكر على ذلك أن بعضهم نسب لله الولد كاليهود والنصارى فبعضهم نسب له البنات كمشركي العرب كما قال تعالى ﴿وَقَـالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَـالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ﴾ [التوبة: 30]، وقال تعالى ﴿وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَنَاتِ سُبْحَانَهُ وَلَهُمْ مَا يَشْتَهُونَ﴾ [النحل: 57].
قال تعالى –: ﴿وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا﴾ وغير ذلك من الآيات فهذا كفر مستقل وذاك كفر مستقل كما قال تعالى ﴿مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ﴾ فنفى الأمرين وأبطل الشركين وفصل بين الكفرين. والله أعلم.
إذن فالشيخ الصوفي المفسر! لا يعرف حقيقة التوحيد الذي دعت إليه الرسل ولا يدرى حقيقة الشرك الذي حذرت منه الرسل.
قال شيخ الإسلام مجدد دعوة التوحيد:
          (فإذا تحقق أنهم مقرون بهذا ولم يدخلهم في التوحيد الذي دعاهم إليه رسول الله، وعرفت أن التوحيد الذي جحدوه هو توحيد العبادة كما كانوا يدعون الله ليلاً ونهارًا، ثم منهم من يدعو الملائكة لأجل صلاحهم وقربهم من الله ليشفعوا له ومنهم من يدعوا رجلاًَ صالحًا مثل (اللاتّ) أو نبيًّا مثل (عيسى) وعرفت أن الرسول قاتلهم على هذا الشرك ودعاهم إلى إخلاص العبادة لله وحده كما قال تعالى -: ﴿ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا ﴾ [الجن: 18] وتحققت أن الرسول قاتلهم ليكون الدعاء كله لله، والنذر كله لله، والذبح كله لله، والاستعاثة كلها بالله، وجميع أنواع العبادات كلها لله، وأن قصدهم الملائكة والأنبياء والأولياء يريدون شفاعتهم والتقرب إلى الله بذلك هو الذي أحل دمائهم وأموالهم، عرفت حينئذٍ التوحيد الذي دعت إليه الرسل وأبى عن الإقرار به المشركون، وهذا التوحيد هو معنى قولك: (لا اله إلا الله) فإن (الإله) عندهم هو الذي يقصد لأجل هذه الأمور لم يريدوا أن (الإله) هو الخالق المدبر، فإنهم يعلمون أن ذلك لله وحده، فإذا عرفت أن جهال الكفار يعرفون ذلك فالعجب ممن يدعي الإسلام ولا يعرف من تفسير هذه الكلمة ما عرفه جهال الكفار، والحاذق منهم من يظن أن معناها: لا يخلق ولا يرزق إلا الله، ولا يدبر الأمر إلا الله، فلا خير في رجل جهال الكفار أعلم منه بمعنى (لا اله إلا الله)).
ثم قال - رحمه الله –:
(فإن أعداء الله لهم اعتراضات كثير على دين الرسل يصدون بها الناس عنه منها قولهم:
 نحن لا نشرك بالله بل نشهد أنه لا يخلق ولا يرزق ولا ينفع ولا يدبر الأمر إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدًا لا يملك لنفسه نفعًا ولا ضرًّا فضلا عن عبد القادر أو غيره ولكن أنا مذنب! والصالحون لهم جاه عند الله وأنا أطلب من الله بهم. فجاوبه بما تقدم وهو:
أن الذين قاتلهم رسول الله يقرون بما ذكرت ومقرون بأن أوثانهم لا تدبر شيئًا وإنما أرادوا الجاه والشفاعة واقرأ عليهم ما ذكره الله في كتابه ووضحه، فإن قال:
هؤلاء الآيات نزلت فيمن يعبدون الأصنام فكيف تجعلون الصالحين كالأصنام؟ أم كيف تجعلون الأنبياء أصنامًا?
فجوابه: بأن الكفار منهم من يدعو الأصنام ومنهم من يدعوا الأولياء الذين قال فيهم: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ﴾ [الإسراء: 57].
ويدعون عيسى وأمه وقد قال - تعالى -: ﴿مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآيَاتِ ثُمَّ انْظُرْ إني يُؤْفَكُونَ (75) قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا وَاللَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾ [المائدة: 75- 76].
وقال - تعالى -: ﴿وَلَا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلَائِكَـةَ وَالنَّبِيِّـينَ أَرْبَابًا أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ [آل عمران: 80].
ومنهم من يدعوا الصالحين كما قال تعالى ﴿أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَّ﴾ [النجم: 19] على قراءة التشديد وهو رجل كان يلت السويق للحجاج.
وقال تعالى -: ﴿وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا﴾ [نوح: 23].
وهؤلاء رجال صالحون من قوم نوح عليه السلام فهل فرق رسول الله بين احد منهم ?بل قاتلهم جميعًا وكفرهم جميعًا
فإن قال قائل: الكفار يريدون منهم وأنا أشهد أن الله هو النافع الضار المدبر لا أريد إلا منه والصالحون ليس لهم من الأمر شيء!! ولكن أقصدهم أرجو من الله شفاعتهم.
فالجواب: أن هذا قول الكفار سواءً بسواءٍ!
واقرأ عليه قوله - تعالى - ﴿والذين وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى﴾ [الزمر: 3].
وقوله تعالى -: ﴿وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ﴾ [يونس: 18]).
   انتهى من كشف الشبهات بتصرف.

قوله: [يبقى خلصنا من الشرك ولا مخلصناش? يبقى حته الشرك ابعدوها]. انتهى.
قلت:
هذا كلام رجل لا يعرف الشرك -كما سبق - ولا يدرى خطورته بل يستهين به ويطلق عليه (حته الشرك) وقد عظم الله أمره فقال: ﴿إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ[المائدة: 72].
وقال تعالى - : ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ﴾ [النساء: 48] [النساء: 116].
وقال تعالى - : ﴿إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ﴾ [لقمان: 13].
وقال - تعالى -: ﴿وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ﴾ [الحج: 31]. وغير ذلك كثير.
وإننا نسأل كلَّ صوفي قبوري ضال غوي ما هذا الذي أخبر الله أنه لا يغفره أبدًا وأن صاحبه مخلدٌ في نار جهنم وإن أتى بعمل كعمل النبي بل بعمل كل نبي!!
كما قال تعالى –: ﴿لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ﴾ [الزمر: 65].
وقال عن الأنبياء: ﴿وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [الأنعام: 88].
فما هذا الشرك؟
فإنه سيقول: الشرك عبادة الأصنام ونحن لا نعبد الأصنام!
وقد سبق جواب ذلك بأن المشركين الأولين ما كانوا يعتقدون فيها الربوبية وإنما فعلوا عندهم ما تفعلونه عند الأضرحة تمامًا.
ونقول لك أيضًا: قولك عبادة الأصنام هل مرادك مخصوص بهذا وأن الاعتماد على الصالحين ودعاءهم لا يدخل في ذلك فهذا يرده ما ذكره الله في كتابه من كفر من تعلق على الملائكة أو عيسى أو الصالحين.
وعلى ذلك التفسير للتوحيد عند هذا القبوري الصنديد يكون أبا جهل اللعين وإبليس الرجيم قد بلغا منتهى الإيمان وذروة اليقين. وحسبنا الله ونعم الوكيل.
                                     

توسل عمر بالعباس - رضي الله عنهما -
قال الشعراوي عنه:
           [هُوّ قال والآن  نتوسل إليك بالعباس أم قال والآن نتوسل إليك بعم النبي? طيب ما هي رجعت له!
فالذين يمنعون بها يوسعوا الشقة على أنفسهم لأنه ليس فيه توسل بالنبي بل التوسل بمن يمت بصلة للنبي!
فالمسألة متدخلهاش في الغميق بالشكل ده.
لكن المتوسل به له صورتين كذا –:
قد ينتفع وقد لا ينتفع فعمر لما توسل بالعباس عم النبي كان على مسألة المطر ودي ما ينتفعش بها رسول الله فجاب واحد من آل البيت يا رب عم نبيك عطشان اسقينا علشان خاطره]. انتهى بلفظه.
الجواب:
ولا حول ولا قوة إلا بالله هازم الأحزاب:
             فأقول هذا يحتاج منا لوقفة متأنية مع توسل عمر بالعباس فلنأت للقصة من أولها، ولنستعرض القضية من بدايتها؛ لندرك حقيقة الأمر ولنقطع الطريق على إبليس فالله المستعان ومنه العون والسداد:
1- كان الصحابة رضي الله عنهم إذا نزل بهم ضر من بلاء أو قحط ونحو ذلك جاءوا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فطلبوا منه أن يدعو الله لهم فيدعو فيستجيب الله دعاءه ويكشف ما بهم من ضر.
أمثله:
5       عن أنس رضي الله عنه قال: أصاب الناس سنة على عهد النبي فبينما النبي يخطب على المنبر قائمًا في يوم الجمعة دخل أعرابي من أهل البدو من باب الزكاة وجاء المنبر ورسولُ الله قائمٌ فاستقبل رسول الله قائمًا فقال: يا رسول الله هلك المال وجاع العيال فادع الله لنا أن يسقينا فرفع يديه يدعو حتى رأيت بياض إبطه: (اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا) ورفع الناس أيديهم معه يدعون وإن السماء لمثل الزجاجة فطلعت من ورائه سحابه مثل الترس فلما توسطت السماء انتشرت ثم أمطرت فوالذي نفسي بيده ما وضعها حتى ثار السحاب أمثال الجبال ثم لم ينزل عن منبره حتى رأيت المطر يتحادر على لحيته صلى الله عليه وسلم فلا والله ما رأينا الشمس سبتًا ثم دخل رجل من ذلك الباب في الجمعة المقبلة ورسول الله قائم يخطب فاستقبله قائمًا فقال: يا رسول الله! تهدمت البيوت وتقطعت السبل وهلكت المواشي فادع الله يحبسه لنا، فتبسم النبي فرفع يده فقال: (اللهم حوالينا ولا علينا اللهم على رؤوس الجبال والآكام وبطون الأودية ومنابت الشجر) فما جعل يشير بيده إلى ناحية من السحاب إلا انفرجت وخرجنا نمشي في الشمس، يريهم الله كرامة نبيه وإجابة دعوته). رواه البخاري.
6       وعن عائشة رضي الله عنها قالت: شكا الناسُ إلى رسول الله قحوطَ المطر فأمر بمنبر فوضع له في المصلى ووعد الناس يخرجون فيه، قالت: فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حين بدا حاجب الشمس فقعد على المنبر فكبر وحمد الله ثم قال: (إنكم شكوتم جدب دياركم واستئخار المطر إبان زمانه عنكم، وقد أمركم الله أن تدعوه ووعدكم أن يستجيب لكم.....) الحديث، وفيه: (ثم رفع يديه فلم يزل في الرفع بدا بياض إبطيه) الحديث.
                                                                                      حسن. أخرجه أبو داود 1173 .
4       وعن عثمان بن حنيف أن رجلاً ضرير البصر أتى النبي صلى الله عليه وسلم –  فقال: ادع الله لي أن يعافيني قال: (إن شئت دعوت لك وإن شئت صبرت فهو خير لك)؛ فقال: ادعه، فأمره أن يتوضأ فيحسن وضوءه فيصلى ركعتين ويدعو الله بهذا الدعاء:
(اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة يا محمد إني توجهت بك إلى ربي في حاجتي هذه فتقضي لي، اللهم فشفعه فيّ وشفعني فيه، قال: ففعل الرجل فبرأ).
                                      صحيح: أخرجه أحمد 4\138 وصححه الألباني في التوسل ص75 .
9       وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: ما سمع بي أحد يهودي ولا نصراني إلا أحبني، إن أمي كنت أريدها على الإسلام فتأبى فقلت لها فأبت؛ فأتيت النبي فقلت: ادع الله لها؛ فدعا الله، فأتيتها وقد أجافت عليها الباب، فقالت: يا أبا هريرة إني أسلمت؛ فأخبرت النبي: فقلت ادع الله لي ولأمي، فقال: (اللهم عبدك أبو هريرة وأمه أحبهما إلى الناس).
                                                                                      حسن - الأدب المفرد رقم 34.
هـ-   وعنه - رضي الله عنه أيضًا: قال جاءت امرأة بها لمم إلى رسول الله فقالت: يا رسول الله ادع الله لي فقال: (إن شئت دعوت الله فشفاك، وإن شئت صبرت ولا حساب عليك) قالت: بل أصبر ولا حساب علي.                                                        صحيح. رواه بن حبان - الترغيب رقم 3419 .
27          وعن خباب قال: أتينا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم - وهو متوسّد بردة في ظل الكعبة فشكونا إليه فقلنا: ألا تستنصر لنا ألا تدعو لنا.........0 الحديث.
                                                                                صحيح. رواه أبو داود برقم 2649.
وهكذا كان الصحابة - رضي الله عنهم - مع نبيهم - صلى الله عليه وسلم - إذا أصابهم بلاء توسلوا إلى الله في كشف هذا البلاء بوسيلة من أعظم الوسائل الشرعية وهي دعاء النبي لهم فهذا الأعرابي يطلب منه أن يدعو الله لهم بالسقيا، وآخر أن يدعوا الله بصرفه بعيدًا عن المنازل، وثالث يطلب منه أن يدعو له برد بصره، ورابع يطلب منه أن يدعوَ لأمة الإسلام، وخامس يطلب الدعاء بالنصر والتمكين، وتلك أخرى تطلب الدعاء بالشفاء والعافية، وغيرهم الكثير والكثير وفي كل ذلك يدعو لهم رسول الله ويستجيب الله له فهذا دأبهم مع نبيهم ودأبه معهم فهل رأيت واحدًا منهم قعد في بيته وتوسل إلى الله في شيء من مطلوباته بذات نبيه أو جاهه عند الله أو حقه أو حرمته قائلا - مثلا -:
أسألك بجاه نبيك أو بحقه وحرمته كذا وكذا أو (يا رب علشان خاطر نبيك) ونحو هذه العبارات هل وقع ذلك ولو مرة واحدة اللهم لا.
2-  فلما جاء الأجل المكتوب واختار الرفيق الأعلى ظلوا على هذا الدرب المستقيم والمنهج القويم الذي تلقوه من نبيهم لم يحدثوا بدعة ولم يميتوا سنة.
أمثلة :-
أ-   عن أنس - رضي الله عنه - أن عمرَ بنَ الخطاب - رضي الله عنه - كان إذا قحطوا استسقى بالعباس بن عبد المطلب فقال: اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا صلى الله عليه وسلم فتسقنا وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا. رواه البخاري.
فقام العباس فقال: اللهم لم ينزل بلاء إلا بذنب ولم يكشف إلا بتوبة. وقد توجه القوم بي إليك لمكاني من نبيك وهذه أيدينا إليك بالذنوب ونواصينا إليك بالتوبة فاسقنا الغيث قال: فأرخت السماء مثل الجبل حتى أخصبت الأرض وعاش الناس. صحيح - الفتح 3/ 150 .
2         وعن سليم بن عامر الخبائري: أن السماء قحطت فخرج معاوية على المنبر قال أين يزيد بن الأسود الجرشي? فناداه الناس فأقبل يتخطى الناس فأمره معاوية فصعد المنبر فقعد عند رجليه فقال معاوية: اللهم إنا نستشفع إليك اليوم بخيرنا وأفضلنا الله إنا نستشفع إليك بيزيد بن الأسود الجرشى يا يزيد ارفع يديك إلى الله فرفع يديه ورفع الناس أيديهم فما كان أوشك أن ثارت سحاب في الغرب كأنها ترس وهبت لها ريح فسقتنا حتى كان الناس أن لا يبلغوا منازلهم.
                             رواه ابن عساكر في تأريخه وأبو زرعة في تأريخه وصححه الألباني 45 .
3       وعن الضحاك بن قيس أنه خرج يستسقي بالناس فقال ليزيد الأسود قم يا بكاء! زاد في رواية فما دعاء إلا ثلاثًا حتى أمطروا مطرًا كادوا يغرقون منه.
                                                                             رواه ابن عساكر وصححه الألباني  45 .
  ونلخص مما سبق النتائج التالية:
1        على طريق النبي مضى أصحابه من بعده فكانوا إذا أجدبوا أو قحطوا ونحو ذلك توسلوا إلى الله بدعاء صالحيهم من الأحياء فيدعون لهم فيستجيب الله لهم.
2       وأحيانًا كانوا لا يكتفون بذلك بل كانوا يقومون هم أيضًا بالأعمال الصالحة يتوسلون بها مع الوسيلة الأولى فيدعون بأنفسهم أو يؤمنون على دعاء من يدعوا لهم.
3       لم يعرف في زمن النبي أن أحدًا من الصحابة توسلوا إلى الله بجاه النبي عنده ولا شك أنه عظيم، ولا دل رسول الله أحدًا على ذلك رغم قيام المقتضى وانتفاء المانع وتعدد الوقائع والنوازل.
         فإن قيل وجود النبي بينهم أغناهم من التوسل بجاهه وحقه وذاته وحرمته!
         قلنا:
             لكن النبي رسول إلى الناس كافة وإلى الورى عامة فكيف لا يبين جواز ذلك للأجيال اللاحقة التي لم تأت بعد وهو يعلم أن لهم حاجات تقتضيها طبيعة البشر فكيف يكتم ذلك ولا يبينه ولو مرة واحدة بقول أو فعل أو تقرير كيف?! وهو الذي وصفه ربه - عز وجل قائلا: ﴿لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾ [التوبة: 128].
وإذا كان الأمر كذلك فإنه يدل على أنه عمل غير مشروع أصلاً.
6       لم يعرف أن الصحابة - رضي الله عنهم فعلوا ذلك من بعده أو التابعين لهم بإحسان أو تابعيهم فلم يصح عن واحد منهم أنه إذا جاءت مصيبة أو نزلت به نازلة توسل في دعائه بجاه النبي أو أبي بكر أو عمر أو عثمان أو علي أو... إلخ. أو حقهم أو حرمتهم أو ذاتهم أو خاطرهم أو......إلخ. وهؤلاء هم خير السلف، قال تعالى - ﴿وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾ [التوبة: 100].
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم - : (خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم.......) فلو كان خيرا لسبقونا إليه!
7       أن هذا الإطباق من هذه القرون المفضلة والأجيال الفاضلة على ترك هذا النوع من التوسل رغم قيام المقتضى وعدم المانع ورغم أنهم أحرص منا على الخير وأفهم لكلام النبي ومقاصد الشريعة وما يجوز وما لا يجوز: لَمِن أكبر الأدلة على أنه عمل غير مشروع بل هو إحداث دينٍ لم يأذن به الله.
 قال تعالى - ﴿وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا﴾ [النساء: 115].
توسل عمر بالعباس في ضوء ما سبق:
         في ضوء ما سبق يتضح توسل عمر بالعباس رضي الله عنهما من خلال النقاط التالية:
3       عند حلول النكبات ونزول الملمات والكربات، يفزع الناس إلى أعظم الوسائل لتخطى هذه العقبة وتجاوز هذه المحنة، "وعام الرمادة" مجاعة عامة وقحط شديد نزل بالأمة الإسلامية في زمن عمر - رضي الله عنه - حتى حلف بالله ألا يأكل سمينا حتى يخصب الناس.
4       لم يتجه عمر والصحابة معه إلى قبر النبي - صلى الله عليه وسلم - فيشكون إليه حال الأمة أو يطلبون أن يستسقي لهم ولا شك أن دعاءه - صلى الله عليه وسلم - لهم أرجى للقبول وأعظم بركة وآكد وسيلة إلى الله فليت شعري لم تركوا هذا الخير كله!!!
5       كذلك لم يجتمعوا ويرفعوا أيديهم متضرعين متوسلين قائلين: "اللهم إنا نتوسل إليك بجاه نبينا أو حرمته أو حقه أو ذاته أن تسقينا"! وهم يعلمون يقينا أن جاهه أعظم من جاه العباس بل من جاه جميع الناس، بل من جاه جميع الخلق إن شاء الله فلماذا هذا الترك لماذا?
6          لعلهم قصروا في تقديرهم للنبي؟ اللهم لا وحاشاهم رضي الله عنهم –.
7       لعلهم أرادوا مجاملة العباس? اللهم لا وحاشاهم رضي الله عنهم –.
8       لعلهم أرادوا أن يتوسلوا بالمفضول مع وجود الفاضل لبيان الجواز للأجيال اللاحقة? اللهم لا. وحاشاهم رضي الله عنهم أن يفعلوا ذلك مع النبي وهم الذين لم يحتملوا ولم يصبروا على إمامة خير الأمة بعد نبيها ألا وهو الصديق، لما حضر النبي - صلى الله عليه وسلم وصفقوا، حتى كان رسول الله هو الذي كان بنفسه يشير للصديق!
فكيف يفعلون ذلك مع غير الصديق وفي هذا الظرف العصيب!!
وهب أن شيئًا من هذه الأشياء كان منهم في تلك المرة، أفيجوز أن يكون في كل مرة?!
وتأمل الرواية (كانوا إذا قحطوا توسلوا بالعباس)! وكان تدل على الدوام- غالبًا -!
وهب أن الأمر خفي على عمر - رضي الله عنه فهل خفي على جميع المهاجرين والأنصار الذين كانوا في زمنه?!
وهب أنه خفي على جمهورهم في وقت ما فهل يخفي عليهم جميعًا إلى موت عمر - رضي الله عنه -؟!
وهب أن الأمر كذلك فهل يستمر هذا الجهل إلى زمن معاوية فيتوسل بالأسود بن يزيد الجرشى، تاركًا التوسل بجاه النبي وأبي بكر وعمر لو كان ممكنًا؟!
اللهم إن القول بجواز مثل ذلك فيه تضليل وتجهيل للصحابة والتابعين بإطلاق!
وهذا إلى الكفر والفسوق أقرب منه إلى الإيمان! والله أعلم.
والآن نعود إلى كلام الشعراوي:
قال: [هوّ قال: والآن نتوسل إليك (بالعباس) أم قال (بعم نبينا)? طيب ما هى رجعت له]. انتهى بلفظه.
والجواب:
             من تأمل ما سبق بيانه ظهر له أن هذا الكلام مبني على مغالطة مكشوفة وهي أن توسل عمر بالعباس كان توسلاً بذاتِهِ أو جاهه أو حرمته أو حقه وليس توسلاً بدعائه أصلاً!!
فجاء بقرني حمار!
ففي رواية صحيحة أنه توسل بدعاء العباس لا بذاته ولا بجاهه ولا غير ذلك.
الأدلة على ذلك:-
1        ذكر الزبير بن بكار في رواية صحيحة دعاء العباس - رضي الله عنه وهي: (فقام العباس فقال: اللهم لم ينزل البلاء إلا بذنب ولم يرفع إلا بتوبة وقد توجه القوم بي إليك لمكاني من نبيك وهذه أيدينا إليك بالذنوب ونواصينا إليك بالتوبة فاسقنا الغيث).              التوسل للألباني.
2        لو كان توسل عم بالعباس توسلا بذاته أو جاهه ونحو ذلك لكان المتحتم بذات النبي وجاهه ونحو ذلك وقد حرم الله على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء.
3        أن عمر سوّى بين التوسلين فقال: (كنا نتوسل إليك بنبينا) و (إنا نتوسل إليك بعم نبينا) فعُلِم أن التوسلين من نوع واحد إذ من غير المقبول في بداهة العقول أن يكون قول الفاروق الذي جعل الله الحق على قلبه ولسانه بمعنى: (كنا نتوسل إليك بدعاء نبينا وإنا نتوسل إليك بجاه عمه)!! فهذا لا يقوله أعجمي فكيف بصحابي عربي ملهم محدث?!
         وقد دلت الأدلة السابقة في أول الفصل على أنهم كانوا يشكون ذلك للنبي في حياته فيدعو لهم وهم يؤمِّنون، فيُسْقون الغيث فالتُزِم بالضرورة أن يكون توسلهم بالعباس من هذا الجنس وهذا ما شهدت له الرواية الصحيحة.
فاجتمع العقل الصريح مع النقل الصحيح على ما ذكرناه. والحمد لله.
وتأمل! كيف توسل العباس هو الآخر بالعمل الصالح في دعائه وهو التوبة والاعتراف بالذنب وتسبيح الرب عند ظلم الخلق فما أعظم التوحيد في قلوب هؤلاء الصحابة الأبرار وما أعظم فقههم وعلمهم وحمايتهم بجانب التوحيد ورعايتهم لكل ذريعة توصل إلى الشرك أو تنتهك حمى الشريعة، - رضي الله عنهم أجمعين – .
فإذا انكشفت هذه المغالطة وظهر أن توسل الصحابة بالعباس كان توسلاً بدعاء الرجل الصالح الحي لهم وليس توسلا بذاته ولا جاهه! علمنا أن التقدير الذي لا يصح غيره (كنا نتوسل إليك بدعاء نبينا فتسقينا وإنا نتوسل إليك بدعاء عم نبينا فاسقنا).
فإن قيل: لِمَ قال عمر (نتوسل بعم نبينا) ولم يقل (بالعباس)?!
الجواب: فضل آل بيت النبي لا ينكره إلا فاسق ناصبي! أما أهل السنة والجماعة فيعدون من أصولهم المقررة وقواعدهم المحررة صحبة آل بيت نبيهم- صلى الله عليه وسلم - .
قال شيخ الإسلام ابن تيميه - رحمه الله - في العقيدة الواسطية: (ومن أصول أهل السنة والجماعة أنهم يحبون أهل بيت رسول الله ويتولونهم ويحفظون فيهم وصيه رسول الله حيث قال يوم غدير خمّ: (أُذكِركم الله في أهل بيتي) وقال للعباس عمه (والذي نفسي بيده لا يؤمنون حتى يحبوكم لله ولقرابتي) وقال (إن الله اصطفى بني إسماعيل واصطفى من بني إسماعيل كنانة واصطفى قريشًا واصطفى من قريش بني هاشم).
وقال في الفتاوى (3/407) : (آل بيت رسول الله لهم من الحقوق ما يجب رعايتها فإن الله جعل لهم حق في الخمس والفيء وأمر بالصلاة عليهم مع الصلاة على رسول الله فقال لنا قولوا: (اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد00 وبارك على محمد وعلى آل محمد) (وآل محمد هم الذين حرمت عليهم الصدقة لقوله (إن الصدقة لا تحل لمحمد ولا آل محمد). وقد قال تعالى – : ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا﴾ [الأحزاب: 33] وحرم عليهم الصدقة لأنها أوساخ).
وقال ابن كثير - رحمه الله – :
(ولا ننكر الوصاية بأهل البيت والأمر بالإحسان إليهم واحترامهم وإكرامهم فإنهم من ذرية طاهرة من أشرف بيت وُجِد على وجه الأرض فخرًا وحسبًا ونسبًا ولا سيما إذا كانوا متبعين للسنة النبوية الصحيحة الواضحة الجلية كما كان عليه سلفهم كالعباس وبنيه وعلي وأهل بيته وذريته - رضي الله عنهم أجمعين-).
وقال شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله – :
(وقد أوجب الله لأهل بيت رسول الله حقوقًا فلا يجوز لمسلم أن يسقط حقهم ويظن أنه من التوحيد بل من الغلو).                                                          [الرسائل الشخصية: 2/ 284].
وقال أيضًا:
(وإذا كان -سبحانه- قد أخذ الميثاق على الأنبياء إن أدركوا محمدًا على الإيمان به، ولابد من نصرته، لا يكفي أحدهم عن الآخر، وأحق الناس بذلك وأولاهم بأهل البيت الذي بعثه الله منهم وشرفهم على أهل الأرض وأحق أهل البيت بذلك من كان من ذريته - صلى الله عليه وسلم -).                                                                                          [الرسائل الشخصية: 1/ 312].
وأولى الناس برعاية حق آل بيت نبيهم هم الصحابة - رضوان الله عليهم-.
فكأنما آل النبي وصحبه             روح يضم جميعها جسدان
وفي صحيح البخاري: قال أبو بكر: ارقبوا محمدًا في أهل بيته.
وقال لعلي: والله لقرابة رسول الله أحب إلي من أن أصل قرابتي.
وقال عمر للعباس: والله لإسلامك يوم أسلمت كان أحب إلى من إسلام الخطاب لو أسلم لأن إسلامك كان أحب إلى رسول الله من إسلام الخطاب.
وانظر إليه رضي الله عنه لما وضع الديون بدأ بأهل بيت رسول الله!
فاختيار عمر للعباس رضي الله عنهما ليدعو لهم وليستسقى لهم دون غيره كان لأسباب:
منها أنه من آل البيت الذين قال الله فيهم ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا﴾ [الأحزاب: 33]. لذا حرمت عليه وعلى بنيه الزكاة والصدقة.
قال شيخ الإسلام في مسألة رأس الحسين عقب حديث: (والذي نفسي بيده لا يدخلون الجنة حتى يحبوكم لله ولقرابتي) قال:
(فإذا كانوا أفضل الخلق فلا ريب أن أعمالهم أفضل الأعمال). انتهى.
وهذا الفضل ليس لذات العباس ولا لذات غيره من آل البيت، وإنما لقربهم من النبي تفضيلا من الله وإنعامًا، ومِنَّةً وإحسانًا رضي الله عنهم –.
وقال شيخ الإسلام في رسالته عن آل البيت معلقا على دعاء النبي لعلي وفاطمة وسيدَي شباب أهل الجنة (اللهم هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرًا) قال:
(فكان في ذلك ما دلنا على أن إذهاب الرجس عنهم وتطهيرهم نعمة من الله ليسبغها عليهم رحمة من الله وفضل لم يبلغوها بمجرد دخولهم وقوتهم، إذ لو كان كذلك لاستغنوا بهما عن دعاء النبي صلى الله عليه وسلم-). انتهى.
وذكر عن زين العابدين أنه قال: إني لأرجو أن يعطي الله المحسن منا أجرين وأخاف على المسيء منا وزرين!!
قلت:
 كذلك العباس من أفاضل الصحابة وصالحيهم وخيارهم وكان يراه النبي - صلى الله عليه وسلم - بمنزلة الوالد،
لذا قال عمر (عم نبينا) وقال العباس (لمكاني من نبيك).
زد على ذلك أن تقريب الصحابة لآل البيت وتقديمهم ومحبتهم هذا من الأعمال الصالحة التي يتقربون بها إلى الله عز وجل - .
زد على ذلك أن العباس كان أكبر منهم سنًّا وذلك أيضًا أرجى للقبول كما قال - عليه السلام -: (إنما تنصرون وترزقون بضعفاءكم ..بدعوتهم..).
فاختيار عمر للعباس - رضي الله عنه كان لأسباب كما ذكرنا وخلاصتها:
1       قرابته ومكانته من النبي - صلى الله عليه وسلم –.
2       صلاحه وتقواه.
3       سنه وشيبته.
4- أضف إلى ذلك ما ذكرته من أن تقديم آل البيت توسل آخر وهو التوسل بالعمل الصالح وهو محبة آل بيت النبي فما أعظم هذا الفاروق الذي جعله الله فرقانا بين الحق والباطل.
وبذلك يطيح كلام الشعراوي ويتجرد من العلمية والتأصيل، وإنما هو كلام عاطفي إنشائي لا علم فيه ولا توحيد بل فيه فتنة للعوام وإغراؤهم بما فيه هلاكهم.
فهل ترى موضعًا للحقيقة في قوله: (فجاب واحد من آل البيت وقال: يا رب عم نبيك عطشان اسقينا علشان خاطره)!
أم هذا خطأ ظاهر؟ فليس في كلام عمر توسل بالجاه ولا بالخاطر لا لفظًا ولا تقديرًا ولا ظاهرًا ولا تأويلًا.
والدعاوى ما لم تقيموا                      عليها بينات أبناؤها أدعياء
وكذلك يظهر السقوط المزري لما قاله الجاهل الآخر- المفتي - الذي أجاز التبرك ببول النبي صلى الله عليه وسلم - فقال عن توسل عمر بالعباس:
[سيدنا العباس كان عنده بيت وسيدنا عمر خد البيت منه عشان يوسع المسجد وخده غصب منه سيدنا العباس تأثر في نفسه وسيدنا عمر زعل لأنه هو زعل العباس والنبي قال (عم الرجل صنو أبيه) وقال: (اتقوا الله في عمي) فسيدنا عمر كان بيترعش من خوف الله فخاف لَحْسَن يكون العباس زعل منه فكان تمللى يدِّيلُه الحِتَت دي، فلما جه يبص كده لقي العباس قال: أهَى فرصة إني أنا أبين له إنه هو عزيز عليَّ، وإنه هو أنا مش بقول عليه إنه راجل وحش ولا كذا لا قدر الله، ده راجل من كبار الأولياء وكذا، فراح عاطي له الحته دي.
لأنه ده يعد أبو النبي فلما قابله وهو مزعله قال: اللهم إنا كنا نستسقى بنبيك، نستسقى الآن بعم نبيك! ياه! فرَّحت العباس دهه، خلته فرحان افهموا الكلام عيشوا معاهم). أ.هـ.
                                                                               من ملف صوتي بصوته ولفظه.
قلت:
         لا يحتاج هذا الهراء والكذب والبهت والتنقيص للصحابة إلى تعليق على حد قول القائل:
لـي حيلة فيمــن ينـم            وليس في الكذب حيلة
من كان يخلق ما يقول            فحيلتـي فيهم قليلة!!
قال الإمام عبد العزيز بن باز - رحمه الله تعالى –:
         (أأاما التوسل بجاهه - صلى عليه وسلم أو بذاته أو بحقه أو بجاه غيره من الأنبياء والصالحين أو ذواتهم أو حقهم فمن البدع التي لا أصل لها بل من وسائل الشرك لأن الصحابة - رضي الله عنهم - وهم أعلم الناس بالرسول - صلى الله عليه وسلم - وبحقِّه لم يفعلوا ذلك ولو كان خيرًا لسبقونا إليه، ولمّا أجدبوا في عهد عمر بن الخطاب لم يذهبوا إلى قبره - صلى الله عليه وسلم - ولم يتوسلوا به ولم يدعوا عنده، بل استسقى عمر - رضي الله عنه بعمه - صلى الله عليه وسلم - العباس بنِ عبد المطلب - رضي الله عنه - وهو على المنبر: (اللهم إنا كنا إذا أجدبنا نتوسل إليك بنبينا فتسقيَنا وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا فيُسقَوْن). رواه البخاري في صحيحه.
ثم أمر - رضي الله عنه - العباسَ أن يدعو فدعا وأمَّن المسلمون على دعائه فسقاهم الله عز وجل -.
أما التوسل بجاه فلان أو حقه أو ذاته فهذا من البدع المنكرة ومن وسائل الشرك.
وأما دعاء الميت والاستغاثة به فذلك من الشرك الأكبر، والصحابة - رضي الله عنهم - كانوا يطلبون من النبي - صلى الله عليه وسلم أن يدعوَ لهم وأن يستغيث لهم إذا أجدبوا، ويشفع في كل ما ينفعهم حين كان حيًّا بينهم فلما توفي - صلى الله عليه وسلم - لم يسألوه شيئًا بعد وفاته ولم يأتوا إلى قبره يسألونه الشفاعة أو غيرها، لأنهم يعلمون أن ذلك لا يجوز بعد وفاته صلى الله عليه وسلم- وإنما يجوز ذلك في حياته - صلى الله عليه وسلم - قبل موته، ويوم القيامة حين يتوجه إليه المؤمنون ليشفع لهم ليقضيَ الله بينهم ولدخولهم الجنة). انتهى.
                                                    تحفة الإخوان بأجوبة مهمة تتعلق بأركان الإسلام 20 .
        
قوله: [فالمسألة ما تدخلهاش في الغميق بالشكل ده]. انتهى بلفظه.
الجواب:
أن الصوفية لم يكتفوا بهجر التوسل الشرعي بأقسامه، ولا بهجر تعليمه للناس وحضهم عليه وترغيبهم فيه، بل تعدّوا ذلك إلى التوجه صوب التوسل البدعي فاستفرغوا فيه وسعهم عملاً ودعوةً ودفاعا عنه! ولم يقفوا عند هذا الحد بل تجاوزوه إلى التوسل الشركي بدعاء الموتى والاستغاثة بهم في الملمات، والذبح لهم على العتبات، والنذر لقبورهم وأضرحتهم طلبًا لتفريج الكربات، من دون رب الأرض والسموات، حتى وصفهم بعض الشعراء فقال:
أحياؤنا لا يـرزقــون بـــدرهـمٍ              وبألف ألف تــرزقُ الأمــوات
من لـي بحـظ النائمـيـن بحفرة              قامت على أعتــابها الصلوات
يسعى الأنـام لها ويـجـرى حولـهــا             بحـر النذور وتقــرأ الآيــات
ويقال هذا (القطب) باب المرتضـى             ووسيله تقضى بها الحاجـات
وأهل السنة لمّا حاربوا التوسل البدعي لأنه:
أولاً: ليس بوسيلة أصلاً فلا يتحقق به المقصود.
وثانيًا: لأنه لا يتقرب به إلى الله.
وثالثًا: لأن صاحبه آثم مبتدع.
ورابعًا: لأنه ذريعة إلى التوسل الشركي.
أقول:
         ألا يستحق الشرك أن يُخافَ منه كل هذا الخوف؟! ألا يستحق أن يغلق كل بابٍ يُوَصِّل إليه وتسد كل ذريعة تفضي إليه؟!
      ألم يخفه الخليل على نفسه وأولاده فدعا الله قائلاً: ﴿وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ﴾ [إبراهيم: 35]، وذكر السبب في ذلك فقال: ﴿رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ﴾ [إبراهيم: 36]!!
ألم يخفه رسول الله على أصحابه لما خرج عليهم وهم يتذاكرون الدجّال؟ فقال: (ألا أخبركم بما هو خوفا عليكم عندي من المسيح الدجال؟
قالوا: بلى، قال: الشرك الخفي!                     رواه احمد وحسنه الألباني (صحيح الجامع 2607).
فإذا كان رسول لم يأمنه على أصحابه فكيف نأمنه على أنفسنا؟!
وإذا كان - صلى الله عليه وسلم - خافه على أفضل جيل وأعظم قرن أكبر من خوفه عليهم من الدجال، فكيف لا نخافه على العوام والدهماء، بل وعلى أشباه الأنعام؟!
 بلى والله!
        إننا نخاف الشرك الأكبر والأصغر، على أنفسنا وإخواننا ونسائِنا ورجالنا، ولا نأمنه طرفة عين.
وكيف نأمنه وقلوب العباد بين أصبعين من أصابع الرحمن إذا أراد أن يُزِيغَ قلب عبد أزاغه؟!
     فإن قيل:
          أليست الأمة قد سلمت من الشرك ودخل الناس في دين الله أفواجا، وظهر دين الله علي جميع الأديان كما قال تعالى: ﴿لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ﴾ [التوبة:33]!
ألم يقل النبي: (إن الشيطان قد أَيِسَ أن يعبده المصلون في جزيرة العرب).
ألم يقل النبي: (والله ما أخاف عليكم أن تشركوا بعدي). وقد رواه البخاري ومسلم؟!
الجواب بعون الفتاح العليم! وهو خير الفاتحين، من خلال هذه النقاط:
أولاً: الجمع بين النصوص الصحيحة هو المتعين، لا أن نضرب بعضها ببعض ونؤمن ببعضها ونكفر ببعض، فالكل من عند الله وقد قال - سبحانه وتعالى علوًّا كبيرًا - : ﴿وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا﴾ [النساء: 82].
ثانيًا: ثبت ثبوتًا قطعيًّا لا يقبل النقض، ولا يتطرق إليه أدنى شك أن بعض هذه الأمة قد وقع في صورٍ من الشرك الأكبر، لا يمكن أن تتعامى عنه العيون، ولا يمكن أن يجحده العاقلون:
اقرؤوا التاريخ إذ فيه عبر                ضل قوم ليس يدرون الخبر
ومن ذلك على سبيل المثال لا الحصر:
أ- إدعاء النبوة من الكاذبَين (مسيلمة) و (والأسود العنسي) وانحاز للأول (أهل اليمامة) وانحاز للثاني (أهل صنعاء) وغيرهم.
ب- ووقوع الردة بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم مباشرة، وكان أهل الردة أصنافًا:
فمنهم من اتبع مدعي النبوة كما سبق.
ومنهم من جحدوا الزكاة ومنعوها.
ومنهم من ارتد عن الإسلام وعاد إلى عبادة الأوثان.
جـ- في زمن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - ظهرت طائفة السبئية الذين ألَّهوا عليًّا وقالوا له: أنت ربُّنا، فحرّقهم بالنار وقال:
لما رأيت الأمر أمرًا منكرًا             أججت نارى ودعوت قنبرا
د- ظهور القرامطة: الذين أجمعت الأمة على كفرهم حيث أعلنوا الكفر بأقوالهم وأفعالهم الصريحة وكان مقرُّهم (البحرين) وأغاروا على (مكة) وقتلوا الحجيج وردموا زمزم بجثث الحجاج، وجعل قائدهم يقول:
أين الطير الأبابيل             أين الحجارة من سجيل
وقال أيضًا:
فلو كان هذا البيت لله ربنا                لصب علينا النار من فوقنا صبًّا
لأنا حججنا حجة جاهليةً                مجللة لـم تبقِ شرقًا ولا غربًـا
هـ- وما زالت تظهر في الأمة طوائفُ تعلن الكفر صراحةً وتنسب إليه جهرةً، ويتبعها أقوامٌ من العوام والنساء وغيرهم ممن يشهد الجميعُ بكفرهم كالدروز والباطنية والقاديانية والبابية والبهائية وغير ذلك من فرق الكفر البواح والشرك الصراح، وسيستمر ذلك حتى يبعث الله ريحًا طيبةً فتقبض روحَ كلِّ مؤمن، ويبقى من لا خير فيه، فيرجعون إلى الوثنية جميعًا، فلا يبقى على ظهر الأرض موحدٌ يقول: لا إله إلا الله!
3- أن أهل العلم قد وفَّقوا بين هذه النصوص، وجمعوا بينها وردُّوا المتشابه منها إلى المحكم، شأن الراسخين من أهل العلم في كل زمان وذلك على أحد الأوجه التالية:
أ- أن قوله - صلى الله عليه وسلم - : (إن الشيطان قد أيِسَ...). الحديث. مجردُ إخبار عن حال الشيطان وما اعتراه من يأس وقنوطٍ حين بُهِرَ بانتشار الإسلام ودخول الناس في دين الله أفواجًا.
ويأس الشيطان ليس حجة على أحد ولا لأحد، فهو مخلوق يطرأ على ظنونه وتقديراته ما يطرأ على ظنون وتقديرات غيره من خلق الله ثم يتبين بعد ذلك خطؤه، وبعده عن الصواب.
لكن سرعان ما عاد إليه الأمل بعد أن رأى أمواج الردة وأفواج المرتدين بعد وفاة النبي- صلى الله عليه وسلم -، فلم يدم يأسه طويلاً حتى عاد إليه الأمل في أن يعبده الناس مرةً أخرى بأي شكلٍ من أشكال وصور عبادة الشيطان، وقد كان!
فإن قيل: سلّمنا أن الشيطان قد يطرأ عليه سوء التقدير والخطأ في الظن ولكننا نستدل بحكاية النبي - صلى الله عليه وسلم - لهذا الخبر عن الشيطان ألا يدل ذلك على إقراره على يأسه ذلك؟!
فالجواب: قد أجاب أهل العلم بالوجه التالي:
بأن قوله صلى الله عليه وسلم -: (إن الشيطان قد أيس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب): ليس على عمومه، بل هو مخصوص بزمن معين، أو بأُناس معينين وهم الصحابة - رضوان الله عليهم - ومعلوم عند أهل الأصول أن العام قد يدخله التخصيص، وقد يراد به الخصوص ابتداءً، فالأولى يسمى عندهم: (العام المخصوص) والثاني يسمى: (العام الذي أريد به الخصوص). والله أعلم.
جـ- وهناك وجه آخر يحتمله الدليل وهو أن الذي لم يخفه رسول الله على أمته هو أن ترتد الأمة جميعًا وتكفر عن بكرة أبيها. وهذا الذي يأس منه الشيطان وهذا حقٌّ فإن الأمة لا تجتمع على ضلالة فكيف تجتمع على الشرك؟ّ!
وقد قال - عليه الصلاة والسلام -: (لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق حتى يأتيهم أمر الله).
وبعد ذلك تأتي الريح الطيبة التي تقبض أرواح المؤمنين ولا يبقى إلا شرار الخلق فيرجعون لدين آبائهم من عبادة الأصنام. والله أعلم.
وبعد،
           فإذا تطرقت كل هذه الاحتمالات إلى ما ساقوه من الشبهات على عدم وقوع الشرك في هذه الأمة، فعند العلماء مقرر بلا جدال أن الدليل إذا تطرقت إليه الاحتمال سقط به الاستدلال فكيف بكل هذه الاحتمالات القوية والأوجه المحتملة؟!     والله تعالى - أعلم.
                                      راجع :القبورية في اليمن نشأته وتاريخه وموقف العلماء منه صـ 87 وما بعدها للشيخ أحمد حسن المعلم.
هذا فيما يتعلق بالشرك وأما البدعة:
             فأمرها خطير وضررها عظيم وقد جاء ذمها في القران والسنة وفي كلام سلف هذه الأمة فأما القران الكريم فقد قال تعالى –: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا﴾ [المائدة: 3] وقال تعالى – : ﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ [الأنعام: 153]. وقال تعالى - ﴿أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ﴾ [الشورى: 21].؟!
وأما السنة المطهرة:-
1-     فقد قال - عليه الصلاة والسلام - : (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد).
وفي رواية مسلم: (من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد).
2-     وقال أيضًا صلى الله عليه وسلم -: (إن أصدق الحديث كتاب الله وأحسن الهدي هدي محمد - صلى الله عليه وسلم - وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة). رواه مسلم،3-     وزاد النسائي: (وكل ضلاله في النار) وصححها الألباني.
4-     وقال - عليه الصلاة والسلام -: (إيّاكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثه بدعة وكل بدعة ضلالة). رواه أحـمد وصححه الألباني.
5-     وقال أيضًا (من أحدث حدثا أو آوى محدثًا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين). رواه أبو داود وصححه الألباني.
             وأما الآثار:-
1       عن معاذ بن جبل - رضي الله عنه -: (إياكم والبدع والتبدع والتنطع وعليكم بالأمر العتيق).
2       وعن ابن عباس- رضي الله عنه - قال: (عليكم بالاستقامة والأثر وإياكم والتبدع).
3       وعن ابن مسعود رضي الله عنه - قال: (اتبعوا ولا تبتدعوا فقد كفيتم وكل بدعة ضلالـة).
4       وعنه أيضًا - رضي الله عنه - : (القصد في السنة خير من الاجتهاد في البدعة) .
5       وقال ابن عمر: (كل بدعة ضلالة وإن رآها الناس حسنة).
6       وقال أيوب السيختياني - رحمه الله - : (ما ازداد صاحب بدعة اجتهادًا إلا ازداد من الله بعدًا).
7       وقال حسان بن عطية - رحمه الله - : (ما ابتدع قوم بدعة في دينهم إلا نزغ الله من سنتهم مثلها).
8       وقال الفضيل بن عياض - رحمه الله - : (من أحب صاحب بدعة أحبط الله عمله وأخرج نور الإسلام من قلبه).
9       وقال سفيان الثوري - رحمه الله - : (من أصغى بأذنـه إلى صاحب بدعة خرج من عصمة الله).
10 وقال أبو الجوزاء - رحمه الله –: (لأن تجاورني القردة والخنازير في دار أحب إلي من أن يجاورني رجل من أهل هذه الأهواء).
             ثم نقول: أليست البدعة استدراك على الشرع؟! أليست قولاً على الله بغير علم؟! أليست اتهامًا للنبي بالخيانة والكتمان وعدم البلاغ؟! أليست اتهامًا للصحابة بالجهل والتفريط وعدم الحرص على الخير وعدم تبليغ الشريعة كاملة؟! أليست هدفًا للدين وتغييرًا للشريعة؟! أليست البدعة أشر من المعصية؟!
      قال سفيان: (البدعة أحب إلى إبليس من المعصية فإن المعصية يُتَابُ منها والبدعة لا يتاب منها)!
فهل بعد ذلك يُقبَل كلام - الشعراوي في مسائل بعضها شرك وبعضها بدعة: (والمسألة متدخلهاش في الغميق بالشكل ده)؟!!
           

قوله: [لكن المتوسل به له صورتين قد ينتفع وقد لا ينتفع فعمر لما توسل بالعباس - عم النبي - كان على مسألة المطر ودي ما ينتفعش بها رسول الله فجاب واحد من آل البيت وقال يا رب عم نبيك عطشان فاسقنا علشان خاطره]. انتهى بلفظه.
فالجواب:
         أولاً: هذا التقسيم لا أصل له في الشريعة فأين الدليل على اختلاف الحكم فيما إذا كان المتوسل به ينتفع أو لا ينتفع بالمتوسل فيه ﴿قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ [البقرة: 111].
ثانيًا: قوله: [عمر لما توسل بالعباس].
نقول عمر - رضي الله عنه - عربي أصيل في عربيته يعلم معنى التوسل بخلاف هؤلاء القبورية الجهلة باللغة والشرع وإن حصلوا فيها على شهادات!
فالتوسل بالرجل الصالح عند عمر وغيره هو التوصل إلى تحقيق المراد باتخاذ وسيلة تحققه.
وأما التوسل عند القبوريين فهو قول المتوسل في دعائه وتوسله: "اللهم لأجل فلان أولجاه فلان أو كما قال (علشان خاطره) كذا وكذا" فهم يكتفون بذكر اسم المتوسل به في دعائهم وهذا ما لم يفهمه عمر ولا غيره من الصحابة - رضي الله عنهم - وهذا بخلاف أنواع التوسل الأخرى.
فالتوسل بأسماء الله وصفاته يُذْكَرُ فيها الاسم أو الصفة فنقول: "ربنا اغفر لنا ذنوبنا إنك أنت الغفور الرحيم"!
وذلك لأن أسماء الله وصفاته يتقرب إلى الله بذكرها فهي عبادة بخلاف أسماء الأولياء والصالحين فتنبه ولا تكن من الغافلين!
وكذلك لوجود أعظم مناسبة بين طلب الرحمة وبين اسم الله الرحيم، وطلب المغفرة وبين اسم الله الغفور. وهكذا.
وكذلك التوسل بالعمل الصالح الذي قام به المتوسِّل نفسه لورود النص به ولوجود المناسبة بين العامل وطلبه، فكما تعرَف ربّه في الرخاء، فهو يدعو الله أن يعرفه في هذه الشدة.
ثالثًا: ولو سلمنا جدلاً بهذا التقسيم المبتدع لكان قاصمة ظهر القبورية ما بعدها قاصمة!
لأننا نطالبهم وفقًا لهذا التقسيم بألا يتوسلوا بأحد من الأموات أصلاً نبيًّا ولا وليًّا لأنه لا ينتفع بشيء مما يتوسل به هؤلاء المتوسلون!!
﴿فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (118) فَغُلِبُوا هُنَالِكَ وَانْقَلَبُوا صَاغِرِينَ﴾ [الأعراف: 118- 119]. والحمد لله رب العالمين.
لكن قد يقال: إن سكوت الاستدلال بتوسل عم بالعباس - هذا السقوط المدوي! الذي سبق بيانه - لا يستلزم عدم وجود دليل آخر يُسْتَفَادُ منه جواز التوسل بالجاه، والحق، والذات، ونحو ذلك.
فهاهنا حديثٌ صحيحٌ وهو توسل الضرير بالنبي - صلى الله عليه وسلم - في رد بصره وهناك توسل:

توســل الضريـر
عن عثمان بن حنيف - رضي الله عنه – (أن رجلاً ضريرًا أتى النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا نبيَّ الله ادع الله لي أن يعافيَني.
فقال: إن شئت أخرت ذلك فهو أفضل لآخرتك وإن شئت دعوت لك.
فقال: بل ادعُ الله لي؛ فأمره أن يتوضأ وأن يصليَ ركعتين وأن يدعوَ بهذا الدعاء" "اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة يا محمد إني أتوجه بك إلى ربي في حاجتي هذه فتقضى لي اللهم فشفعه في وشفعني فيه " ففعل الرجل فبريء).
                                                                                رواه أحـمد وغيره. وصححه الألباني.
الجواب:
قال الألباني- رحمه الله تعالى -:
           هذا الحديث لا حجة لهم فيه على التوسل بالذات وإنما هو توسل بدعائه - صلى الله عليه وسلم - والأدلة على ذلك كثيرة وأهمها:
أولاً: أن الأعمى إنما جاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ليدعوَ له حيث قال: (ادع الله لي أن يعافيني).
   فلو كان قصد الأعمى التوسل بذات النبي أو جاهه أو حقه لقعد في بيته أو مسجده مثلاً ودعا قائلاً: "اللهم إني أسألك بجاه نبيك ومنزلته عندك أن تعافيَني" ونحو ذلك، ولكنه لم يفعل.
ثانيًا: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - وعده بالدعاء فقال له "إن شئت دعوت لك" ولابد أنه صلى الله عليه وسلم - دعا له لأنه اختار الدعاء وشاءه بل أصرَّ عليه.
ثالثًا: إصرار الأعمى على الدعاء وهو قوله "فادع الله " وفي الرواية الأخرى "بل ادع الله لي" وهذا يقتضي أنه دعا له لأنه - صلى الله عليه وسلم - خير من وفى بما وعد.
ربعًا: جاء في الدعاء الذي علمه إياه ما يستحيل حمله على التوسل بذاته أو جاهه أو حقه أو نحو ذلك صلى الله عليه وسلم- وهو قوله: "اللهم فشفعه في" إذ المعنى: اقبل شفاعته في، أي اقبل دعاءه في أن ترد على بصري، والشفاعة: الطلب للغير!
خامسًا: وكذلك مما علمه النبي للأعمى قوله "وشفعنى فيه"، أي: اقبل شفاعتي: أي دعائي، في أن تقبل شفاعته صلى الله عليه وسلم - أي دعاءه في أن ترد عليَّ بصري هذا الذي لا يمكن أن يفهم من هذه الجملة سواه.
ولهذا ترى المخالفين يتجاهلونها ولا يتعرضون لها من قريب أو من بعيد، لأنها تنسف بنيانهم من القواعد، وتجتثه من الجذور، وإذا سمعوها رأيتهم ينظرون إليك نظر المغشي عليه من الموت، ذلك أن شفاعته صلى الله عليه وسلم - في الأعمى مفهومة ولكن شفاعة الأعمى في الرسول كيف تكون؟!
لا جواب لذلك عندهم ألبته!
ومما يدل على شعورهم بأن هذه الجملة تبطل تأويلاتهم أنك لا ترى واحدًا منهم يستعملها فيقول في دعائه - مثلاً - (اللهم شفع في نبيك وشفعني فيه!!)
سادسًا: أن هذا الحديث ذكره العلماء في معجزات النبي - صلى الله عليه وسلم - ودعائه المستجاب. فإنه بدعائه لهذا الأعمى أعاد الله إليه بصره ولذلك رواه المصنفون في دلائل النبوة كالبيهقي وغيره.
فهذا يدل على أن السِّرَّ في شفاء الأعمى! إنما هو دعاء النبي وإلاَّ لعُوفِيَ كل من دعا به بعد موته -- صلى الله عليه وسلم -. وهذا ما لم يكن لواحدٍ منهم ولعله لا يكون أبدًا).
                                                انتهى بتصرف واختصار من "التوسل" للألباني رحمه الله -.
قلت: ولدينا مزيد!
فإن قيل: إذا كان السبب هو دعاء النبي - صلى الله عليه وسلم- له؛ فلِمَ أمره بالصلاة والدعاء ألا يكفي دعاء النبي له؟!
والجواب:
        أن النبي - صلى الله عليه وسلم - هو المربي الأعظم للصحابة، فلم يشأ أن يتواكل الناس اعتمادًا على دعائه لهم؛ فأراد أن يوجهه إلى عمل يقوم به بنفسه فيتحق بذلك مصلحتان:
الأولى: أن هذا العمل الذي يقوم به هذا الرجل من الوضوء والصلاة والدعاء هو في نفسه توسل يتوصل به إلى تحقيقه مراده.
الثانية: أن هذا التوسل يساعد ويقوي التوسل الأول حيث يدعو فيه قائلاً: (اللهم شفعه في وشفعني فيه) فيكون النبي - صلى الله عليه وسلم - قد جمع لهم الخير بحذافيره وهذا له أمثله في السنة منها:-
قوله لعبد الله بن ربيعة الذي سأل النبيَّ مرافقته في الجنة - أن يدعوَ له بذلك - فقال له - عليه السلام - : أعنِّي على نفسك بكثرة السجود.
ومنها: ما رواه عبد الرحمن ابن أبى قراد رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - توضأ يومًا فجعل الصحابة يتمسحون بوضوئه فقال النبي: ما يجمعكم على هذا؟
قالوا: حبُّ الله ورسولِه، فقال النبي: "من سره أن يحب الله ورسوله أو يحبه الله ورسوله فليصدق حديثه إذا حدث وليؤد أمانته إذا اؤتمن وليحسن جوار من جاره". صححه الألباني في الصحيحة  2998 .
ومعلوم أن التبرك بوَضوئِه - صلى الله عليه وسلم - تبَرُّكٌ مشروع ومستحب كما حدث في الحديبية من تقاتلهم على وَضوئه ونخامته - صلى الله عليه وسلم - فما حدث مع الغير هو من نفس هذا الباب التربوي العظيم. والله أعلم.
فإن قيل: أليس الأمر الواحد من الأمة أمر لجميع الأمة؟ فَلِمَ خصصتموه بهذا الرجل دون غيره؟ ولِمَ خصصتموه بحياة النبي دون موته؟
الجواب:
           أما القاعدة الأولى فصحيحة بلا شك فالأمر للواحد أمر للجميع إلا إذا قام دليل تخصيص، ونحن لم نَدَّعِ التخصيص!!
فإن الصحابة جميعًا في هذا الباب سواء فلو أن رجلاً ذهب إليه - صلى الله عليه وسلم - وطلب منه الدعاء، وطلب منه ما طلب منه الضرير، ففعل معه كما فعل مع الضرير ما كان عليه من جناح!
لكن لما كان هذا الرجل هو الذي ذهب إلى النبي صلى الله عليه وسلم - وطلب منه ذلك فدعا له رسول الله علمنا أن آخر الحديث مرتبط بأوله، فأول الحديث وعد النبي له الدعاء. وآخر الحديث دعاء الرجل أن يقبل الله دعاء نبيه له. فهل حصل ذلك للرجل غير هذا الرجل؟!
وهل يستطيع أحد بعد وفاة النبي أن يقول: يا رب شفع في نبيك يعنى اقبل شفاعته فيَّ يعنى: دعائه لي وطلبه لي منك.
وهذا معنى الشفاعة في لغة العرب التي بها القران والسنة!
وهل يستطيع أحد بعد وفاة النبي أن يقول يا رب شفعني في نبيك، كما قال الضرير يعني: اقبل شفاعتي في أن تقبل دعائه لي!!
وهل فعل ذلك العميان في زمن الصحابة بعد وفاة النبي أو ذوو البلوى؟ على كثرتهم التي لا يحصيها إلا الله؟!
وأما ما ورد في قصة الحديث أن عثمان بن حنيف علَّم هذا الدعاء رجلاً كانت له حاجه عند عثمان بن عفان فكان لا يلتفت إليه ولا ينظر في حاجته حتى علمه ذلك الدعاء.
فقصة باطلة منكرة ساقطة سندًا ومتنًا فقد انفرد بها ضعيف واختُلِفَ عليه فيها وخالف فيها الثقات وأمر واحد من هذه الأمور كفيل بإسقاطه فكيف بها مجتمعه كما قال الألباني - رحمه الله - فراجعه إذا أردت التوسع ص92: 99 .
ومن نكارة متنها أن عثمان الذي استحت منه ملائكة الرحمن كان لا يلتفت للرجل ولا يقضي حاجته وهذا منكر من القول وزور.

فإن قيل: فما معنى قوله في هذا الدعاء: (أتوجه إليك بنبيك) (محمد!) :......... إلخ.
الجواب:
              من خلال العرض السابق للحديث وفقهه نخلص معاني ألفاظه التي قد يستشكلها من لم يحط بالمسألة عنده أو التبست عليه بالتوسل البدعي فأقول:
        (اللهم إني أسألك وأتوجه إليك): هذا دعاء من الرجل وسؤال وتوجه لوجه الكريم وهذه عبادة في حد ذاتها وتوسل بالعمل الصالح الذي يقوم به العبد بنفسه توسلاً إلى ربه لقضاء حاجته.
       (بنبيك محمد نبي الرحمة): أي: بدعائه كما سبق تفصيله وهذا ما لا يحتمل السياق غيره إلا بتكلف بعيد ليس عليه أدنى دليل، وإنما وصف النبي هنا بهذا الوصف لأن الله هو الذي أرسله رحمة للعالمين، فالمعنى والله أعلم: يا من جعلته رحمة للعالمين اجعل دعائه سببًا في رحمتي الخاصة بما أنا فيه من بلاء.
       (يا محمد): استحضار للمثال في القلب وليس المقصود به الخطاب والطلب منه - عليه السلام - وهو لا يسمعه كما في قول المصلي في التشهد (السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين) كما سبق بيانه في مسألة سماع الموتى فراجعه.
      (إني أتوجه بك إلى ربي) : أي بدعائك.
      (فتقضي لي حاجتي): الفاء إما للسببية أي: فتقضى حاجتي بسبب دعائك لي، وشفعاتك لي، والمعنى: لتقضي وإما عاطفة وهي تدل على الترتيب والتعقيب، فإذا دعوت لي استجاب الله عز وجل - دعائك بفضله فأكرمني برد بصري.
       فإن قيل: ما الفائدة من هذه الجملة في هذا المكان: (يا محمد إني أتوجه بك إلى ربي في حاجتي هذه).
     فالجواب:
           إن الذي علمه إياها هو رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا شك أن لها أعظم فائدة فهو الذي لا ينطق عن الهوى صلى الله عليه وسلم -.
والحكمة - والله أعلم - :
           مزيد التصديق بالنبي واليقين بإكرام الله له وأن الله يستجيب دعاءه كما عوّده ذلك، فقول الرجل هذه الجملة فيه توسل بإيمانه باستجابة الله لدعاء نبيه وإكرامه لرسوله صلى الله عليه وسلم - ولا شك أن هذا من الوسائل التي يحبها الله ويرضاها.
       ولن نتوسع أكثر من ذلك، ففي هذا القدر كفاية لمن أراد الهداية وتجنب طريق الغواية فليس القصد تقرير مباحث العقيدة بالتفصيل، وإنما المقصود الرد على كلام الشعراوي فحسب.
                     والله من وراء القصد،،،

الشعراوي والدفاع عن الأضرحة
قال سعيد أبو العينين : -
             [ونسأل الشيخ: ماذا عن الصلاة في المساجد التي بها أضرحة أو قبور؟
             ويقول الشيخ: سُئِلتُ هذا السؤال كثيرًا، وقلت: (لعن الله بني إسرائيل اتخذوا من قبور أنبيائهم مساجد). فهم اتخذوا من القبر نفسه مسجدًا لكن نحن لا يوجد عندنا هذا!
القبر عندنا معزول ومُحاط بسور نسميه "المقصورة"! والاستشهاد بما يفعله بنو إسرائيل هو الخطأ فنحن نصلي بعيدًا عن المقصورة!
وقال الشيخ : نحن لنا في المسجد النبوي أسوة حسنة فنحن نصلي في الروضة والقبر عن يسارنا ونصلي في منزل الوحي والقبر عن يميننا ونصلي في الحضرة الشريفة والقبر أمامنا . كل هذا والقبرية ليست ملحوظة]. انتهى.
 أقول : حسبنا الله ونعم الوكيل .
وتعليقًا على هذا التأصيل الفاسد والتقعيد الباطل الذي يفتح به ذرائع الشرك التي سدتها الشريعة بسد منيع، فحرمت الصلاة عند طلوع الشمس وعند غروبها لأن المشركين يسجدون لها من دون الله! وحرمت التماثيل والصور لأنها ذريعة لعبادة غير الله، وحرمت اتخاذ القبور مساجد لأنها بوابة إلى الشرك بالله، وحرمت الغلو في الصالحين كذلك.
 بل حرمت بعض الألفاظ الموهمة مثل : ما شاء الله وشئت .. إلى غير ذلك، وما ذاك إلا لأن التوحيد هو أصل الأصول، وأس الإسلام، وزبدة الرسالات، ومن أجله خلق الله الخلق، وأنزل الكتب، وأرسل الرسل، وأقام سوق الجهاد، وأباح لجنده الموحدين دماء المشركين وأموالهم وأولادهم، من أجل ذلك حمى جناب التوحيد، وسد كل ذريعة توصل إلى الشرك، وأوصد كل باب يؤدي إليه، فأبى دعاة الوثنية القبورية إلا فتحًا لما أُغلِق، وتطلعًا إلى ما حُجِب، ووقوعاً فيما نهوا عنه، بل وتزيينه للناس ودعوتهم إليه، وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون . ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون!
وزينت لهم شياطينهم ذلك، تارة في صورة محبة الصالحين، وتارة في صورة التوسل بهم إلى رب العالمين وإن يهلكون إلا أنفسهم وما يشعرون.
وما فُتِن الناسُ بأحدٍ كما فُتِنوا بهذا الشعراوي، وذلك لأسباب :
 منها شهرته على التلفاز، وتعرضه لتفسير القرآن، وإن كان بالرأي على طريقته الصوفية والمعتزلة وأهل الكلام.
ومنها أسلوبه وطريقة عرضه التي تلائم العوام إلى حد كبير، مع إخفائه لطوامِّه الكبار، وبلاياه العظام عن العامة، فقلما يذكر على الملأ وفي دروسه شيئًا من صوفيته وأشعريته، لأنه عرف التوحيد لما كان معارًا في بلاد التوحيد، وقد خفي عليهم أمره برهة من الزمن  - وكان مقموعًا هناك - فعرف ما هنالك فكان يتحاشى الكلام بصراحة في هذه الأمور حرصًا على أن يجتمع الكل حوله، وقد كان له ذلك إلى حد كبير، حتى ربما أنكر بعض طلبة العلم أن الشعراوي صوفي أصلاً!!
وذلك لما كان يتصف به من التقية الشديدة في اللقاءات العامة في التلفاز ونحوه .. لكن الأمر أشهر من أن يُنكر، وأظهر من أن يكتم، وكلامه السابق ظاهر البطلان، لكن لا بأس بالإشارة إلى بعض ما فيه:-
1        قوله: [إن بني إسرائيل اتخذوا القبر نفسه مسجدًا].
             أولاً: هذا لا أساس له من الصحة! فأين هذا في الواقع؟ أم في التاريخ؟!! أن أحدًا من خلق الله جعل نفس القبر مسجدًا، وصلى داخل القبر بجوار الميت!!
             ثانيًا: أن الاتخاذ المذكور في الأحاديث يشتمل عدة أمور؛ كما فهمه أهل العلم كالإمام الشافعي وغيره:
1                       الصلاة إلى القبور مستقبلاً لها .
2                       السجود على القبور .
3                       بناء المساجد عليها .
             ثالثًا: أننا لو سلمنا أن المعنى هو ما ذكره، فهذا لا يستلزم التخصيص بتلك الصورة، ومنع اشتراك غيرها فيها، مع أنه لا فرق بينهما من ناحية أنه ذريعة للشرك مطلقًا.
             رابعًا: أن هناك أحاديث دلت على النهي عن الصلاة عند القبور مطلقًا:
كقوله صلى الله عليه وسلم - : (الأرض كلها مسجد إلا المقبرة والحمام) (1) .
         وحديث: (نهى صلى الله عليه وسلم -عن الصلاة بين القبور) (2) .
          وحديث : (اجعلوا في بيوتكم من صلاتكم ولا تتخذوها قبورًا) (3) .
          وحديث: (لا تصلوا إلى القبور...) (4) .
وهذا صريح في أن الصلاة هنا ليست في القبر وإنما إليه!
2        قوله : [لكن نحن لا يوجد عندنا هذا].
قلت: هذا الكلام يكذبه قول النبي صلى الله عليه وسلم - : (لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة) (5) .
ويكذبه دعاء النبي صلى الله عليه وسلم - : (اللهم لا تجعل قبري وثنًا يُعبد) (6) فلولا أنه خاف على أمته من ذلك من ذلك لما دعى به .
ويكذبه قولُه صلى الله عليه وسلم - : (لا تتخذوا قبري عيدًا) (7) . لولا أنه خشي من ذلك ما نهى عنه .
ولنا أن نتساءل: هل يمكن أن يكون القبر وثنًا يعبد من دون الله؟
والجواب: نعم، كما أشار إليه الحديث السابق، فاعتبروا يا أولي الأبصار.
 فنقول: فيا هل ترى ما هي هذه الصورة؟
 أليست هي التي تطابق الواقع تمامًا؟
 أم أن النبي صلى الله عليه وسلم - دعا ربه، وحذر أمته، من صورة لا وجود لها في الواقع إلا في أذهان المخرفين؟!
أما قوله: [القبر عندنا (معزول) ومُحاط بسور نسميه المقصورة].
قلت:
             ليس كل القبور معزولة في مقصورة، كما هو مشاهد بل الغالبية العظمى بلا عزل ولا فصل، لا سيما عندنا في صعيد مصر .
هب أن الأمر كما يدعي، فهل تكفي المقصورة التي هي أشبه (بديكور!) يحيط بالقبر فيزيده مهابة ورونقاً وجمالاً وفتنة للعوام!.
وهل تكفي تلك المقصورة وصورة القبر ظاهرة في المسجد؟
وهل تكفي المقصورة والناس يطوفون حول القبر والمقصورة معًا؟!!
وهل تكفي المقصورة والناس من حولك أيها المفسر لكتاب الله (!) – تقدس المقصورة، وتتبرك بها، وتتمسح بها، وتتمرغ عليها؟                                           
 بل أنت تفتيهم بذلك من باب : أقبل ذا الجدار وذا الجدارا ... وما حب الديار شغفن قلبي                                                   ولكن حب من سكن الديارا... !!
فما الذي منعته تلك المقصورة من وقوع الشرك - وما تركوا صورة إلا فعلوها، ولا عبادة لله إلا ولغيره صرفوها -.
وقد سبق أنك أيضًا تطوف مع الطائفين حول القبر والمقصورة، فما أغنت عنك تلك المقصورة، وحقًا إن العقيدة الفاسدة لا يحول دونها شيء!!
3        قوله : [لنا في المسجد النبوي أسوة حسنة].
             كلام ملبّس مضلل، ويتضح ذلك بما يلي:-
1        أن النبي صلى الله عليه وسلم - لم يُدفن في مسجده قط .
2        أن أبا بكر- رضي الله عنه - لم يُدفن في المسجد قط .
3        أن عمر -رضي الله عنه- لم يُدفن في المسجد قط .
4        أن النبي صلى الله عليه وسلم - وصاحبَيه رضي الله عنهما إنما دُفِنوا في حجرة عائشة رضي الله عنها - .
5        أن التوسعة التي حدثت في زمن عمر-رضي الله عنهتحاشى إدخال الحجرة في المسجد .
6        أن التوسعة التي حدثت في زمن عثمان-رضي الله عنه- تحاشى إدخال الحجرة في المسجد .
7        أن التوسعة في زمن الوليد بن عبد الملك بن مروان والتي أُدخِلت فيها الحجرات إلى المسجد لأول مرة في التاريخ كانت للضرورة في رأيه أو المصلحة الراجحة على أقل تقدير .
8        أن هذا الإدخال قد احتيط له، فلم يكتف بالمقصورة! بل أُحِيطَ القبر بثلاثة جدران مرتفعة، حتى لا تظهر صورة القبر في المسجد، فالقبر لا يُمكن أن يرى من داخل المسجد .
     قال ابن القيم رحمه الله - :
فأجاب رب العالمين دعاءه          وأحاطه بثلاثة الجـدرانِ
حتى غدت أركانه بدعائه          في عزة وحماية وصيانِ
14  أن العبرة بما شرعه رسول الله صلى الله عليه وسلم - لأمته لا بما أحدثه الناس بعده، مخالفةً لأمره، ومشاقة لسنته.
15  وقد حذر الأمة من ذلك وهو في سياق الموت؛ فقال صلى الله عليه وسلم - : (لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد) (8) .. (لعنة الله على ..) .. (قاتل الله اليهود..) .. إلخ.
      قالت عائشة رضي الله عنها-: يحذر ما صنعوا،ولولا ذلك لأُبرِزَ قبره غير أنه خشي أن يُتَّخذ مسجدًا .
17  فهذا فهم الصحابة وأمهات المؤمنين، وذلك فهم القبوريين الجاهلين ؛  
﴿فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (81) الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ (82)  [الأنعام: 81].
4        قوله : [لعن الله بني .... لكن نحن لا يوجد عندنا هذا].
نقول :
 يا أيها الرجل! لو كان الأمر كما تدعي خاصًّا ببني إسراءيل فما المناسبة لذكره وتأكيده هنا؟!

الشعراوي وفضل زيارة الأضرحة
قال الشعراوي :
          [أنا في هذا الموضوع وأقسم بالله! لول لم يكن في الزيارة إلا أنها ملتقى للمنكسرين في الله لكفى، لو لم يكن فيها غير أنني ألتقي بالناس الذين الذين أسرفوا على أنفسهم ورجعوا إلى الله ولم يجدوا أعتابًا سوى هذه الأعتاب!
أنا بأروح ألاقي ناس تركوا الدنيا وضربوا جزمة!
الذي يذهب لزيارة الحسين أو السيدة نفيسة أو البدوي أو إبراهيم الدسوقي .. يستحيي بعد ذلك من المعصية وربما أصبح هذا الاستحياء أمرًا يصاحبه طول حياته]. انتهى.                                                                                                         [الشعراوي يبوح بأسراره ص 183].
وتعليقًا أقول :
 لقد خبَّأ لنا الدهر منك عجبًا!
أما دعواك أن الزيارة إلى الأضرحة والقبور، التي تعبد من دون الله ملتقى المنكسرين في الله، فدعوى عريضة، وكذبة فاجرة،فما هي إلا ملتقى المُسَوِّين بالله، الذين هم بربهم يعدلون، الداعين غير الله، الناذرين لغير الله، الطائفين والعاكفين والركع السجود على غير ما شرعه الله  ؛ فأين هذا الانكسار، وهم يشركون بالله الواحد القهار، آناء الليل وأطراف النهار؟!!  (فاعتبروا يا أولي الأبصار!).
قوله: [ألتقي بالناس الذين أسرفوا على أنفسهم ورجعوا إلى الله].
نقول : نعم!
أسرفوا على أنفسهم في هذا الغلو والشرك، وأما أنهم رجعوا إلى الله فليس كذلك، بل رجعوا لعبادة الموتى، وانشرحت صدورهم بها، واطمأنوا بها.
وقوله : [ولم يجدوا سوى هذه الأعتاب].
كقول شيخه البوصيري:
يا أكرم الخلق ما لي من ألوذ به           سواك عنــد حلـول الحـادث العمم
إن لم تكـن فـي معـادي آخــذًا           بيدي فضلاً وإلا فقل يا زلة القدم!
      ﴿تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ﴾ [البقرة: 118].
قوله : [ألاقي ناس تركوا الدنيا وضربوا جزمة].
الجواب:
1-  إن ترك الدنيا مخالف للهدي الإسلامي. ﴿وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا﴾ [القصص: 77]. و(من رغب عن سنتي فليس مني).
2-  إن الواقع يكذب هذه الدعوى،3-   فهؤلاء هم البطالون الأكَّالون،4-      فـي الموالد والموائد!
5-  أن المتأمل لأحوال هؤلاء المخرفين عند القبور يجزم أنهم ما ضربوا الدنيا "جزمة" وإنما ضربوا الشريعة ألف (...) وضربوا السنة ألف (...)!!
قوله : [إن الذي يذهب إلى زيارة الحسين.... يستحيي بعد ذلك من المعصية..].
 أقول وبالله وحده أصول وأجول:
4        وهل هناك معصية أعظم أو أشد من دعاء غير الله، والاستغاثة بغير الله، والذبح لغير الله، والطواف حول غير بيت الله؟؟
5        المتأمل لما يحدث عند هاتيك الأوثان المعبودة، والأنصاب المألوهة- خصوصاً في الموالد - من اختلاط، وشرب للخمور، وفعل للزنا، واللواط والفجور، فأين الاستحياء، من رب الأرض والسماء؟!!
وكيف يخاف من الجبار مَن يُقال له :أنتم محاسيب البدوي، أنتم (مقاطيع) السيدة، وأنتم في شفاعتهم، بل في نهاية المولد يحضر النبي صلى الله عليه وسلم - ويسامح الكل ويغفر للكل، كما قال قائلكم :
هذا الحبيب مع الأحباب قد حضرا         وسامح الكل فيما قد مضى وجرا
فحسبنا الله ونعم الوكيل.
ويقول- أيضًا- ردًّا على الذين يعترضون على زيارة قبورهم ويقولون إنها غير واردة:
             [كيف تبيحون زيارة القبور لعامة المسلمين، ثم تحاولوا أن تحرموها على من عُلِم عنهم أنهم ناس صالحون؟
نحن لا ننتقد الزيارة ولكن ننتقد الذي يحدث عندها، فالذي يطلب منهم شيئًا نقول له هذا شرك! أما أن نطلب من الله عندهم فماذا يمنع؟] انتهى.
ولنا معه وقفات:
3        لقد علم هذا وأمثاله أن أهل السنة والجماعة وأتباع السلف الصالح لا يمنعون زيارة القبور فضلاً عن زيارة قبور من عُرِف صلاحه، ولكن الهوى حمله على كتمان الحق، والتنفير من دعوة التوحيد .
4        أهل السنة والجماعة وأتباع السلف الصالح يزورون قبر النبي صلى الله عليه وسلم -وصاحبيه وقبور الصحابة في البقيع وهم من أفضل الخلق فهل بعد ذلك يُتَّهمون؟
5        لقد علم هذا وأمثاله أيضًا أن أهل التوحيد إنما منعوا من زيارةٍ خاصةٍ ولم يمنعوا مطلق زيارة قبور الصالحين، ومن تلك الصور الممنوعة : -
6        ما عمت به البلوى من القبور المبنية في المساجد، وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم - لعن أولئك، فهل يُلام الموحدون إذا حذروا ممن لعنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم - وبين أنهم شرار الخلق؟!
7        ومنها ما يراه هؤلاء ويفعلونه من الزيارة الشركية التي يدعى فيها الميت ويُسْتغاث به ويُتمسح بضريحه، ويُستشفى بتراب قبره.
قال حافظ الحكمي- رحمه الله - :-
ثـم الـزيارة علــــى أقـسـام         ثــلاثــة يــا أمـة الإســـلام
فإن نوى الزائر فيما أضمــره         فـي نفسـه تـذكرة بالآخــرة
ثـم دعــا لــه ولـلأمـــوات         بالعفو والصفح عــن الزلات
ولم يكن شد الرحـال نحوهـا         ولم يقل هجرًا كقول السفها
فتلك سنـة أتــت صريـحــة         في السنن المثبتة الصحيحـة
أو قصــد الدعـاء والتــوسـلا        بهم إلى الرحمن جـل وعـــلا
فبدعـة مـحـدثـة ضـلالـــة         بعيدة عن هدي ذي الرسالـة
وإن دعـا المقبـور نفسـه فقد         أشرك بالله العظيم وجحــد
لـن يقبـل الله تعــالى منــه         صرفًا ولا عـدلاً فيعفو عنه
إذ كـل ذنـب موشــك الغفران         إلا اتخـاذ النـد للـرحمــن!
فماذا بعد الحق إلا الضلال؟
13  بل لو قيل بالتفريق بين قبور الصالحين وقبور غيرهم، لكان هذا عين التفقه في الدين، والبصيرة النافذة في شرع رب العالمين، وذلك لأن الفتنة قديمًا وحديثًا في بني إسرائيل وفي هذه الأمة، إنما وقعت في الافتتان بقبور الصالحين،أو من يُعتقد صلاحهم،لذا جاءت الأحاديث بالتنصيص على هؤلاء دون غيرهم : (اتخذوا قبور أنبيائهم، (إذا مات فيهم الرجل الصالح).... إلخ
14  بل سبب شرك العالم هو الغلو في الصالحين وقبورهم وتماثيلهم...
فقوله: [كيف تبيحون زيارة القبور العامة للمسلمين ثم تحاولوا أن تحرموها على من عُلِم عنهم أنهم ناس صالحون]!!
قياس عقلي فاسد لا اعتبار له، لأنه مخالف للنص، ومع ذلك فمن الذي حرم الزيارة الشرعية- بضوابطها- لقبورهم،لا البدعية ولا الشركية؟
 سموا لنا واحدًا أيها القبوريون حرم ذلك؟! إن أنتم إلا تكذبون!
قوله: [نحن لا ننتقد الزيارة ولكن ننتقد الذي يحدث عندها، فالذي يطلب منهم شيئًا نقول له هذا شرك!].
فالجواب:
4        قوله: [نحن لا ننتقد الزيارة] هو لا يقصد قطعًا الزيارة الشرعية وهي الاتعاظ بالآخرة، والدعاء للميت! بل يقصد الزيارة البدعية بدليل قوله بعد ذلك : [أما أن نطلب من الله عندهم فماذا يمنع؟!!] فبان أنه لا ينتقد الزيارة البدعية بل ينتقد الشركية فقط -في ظاهر كلامه هنا-! ولو فقُه لعلم أن البدعية ذريعة إلى الشركية ومؤدية إليها لا محالة،كما سبق في سد الشريعةِ ذرائعَ الشرك، وحماية جناب التوحيد .
5         قوله: [فالذي يطلب منهم شيئًا نقول له: هذا شرك].
أقول :
الحمد لله الذي أنطقك بالحق وأنت كاره، وهذه كلمة نوجهها إلى جميع قبوريي العالم وعباد الأضرحة من شيخهم وإمامهم الشعراوي؛ أن من طلب من الميت شيئًا فقد وقع في الشرك .
ومع ذلك فنحن نخشى أن يفاجئنا قبوري، لغوي غوي، متفاصح غبي، فيقول:
 إن الشيخ لم يقل: (هذا الشرك) وإنما قال: (هذا شرك)! فهو يقصد الأصغر لا الأكبر! إذن فدعاء غير الله شرك أصغر، وليس بالأكبر!! فيعكر علينا صفو سعادتنا،بهذا التصريح الخطير، من قبوريٍ نحرير .
فحتى هذه الورطة اللفظية الذي قلما تصدر من أحد من هؤلاء خرجت مجملة محتملة لا يفرح به عالم .
ولو سلمنا أن الشيخ يقصد أن الطلب من الميت شرك أكبر، فهل هذا هو خطر الشرك عندك؟ شيء تعتقده من الشرك الأكبر الذي لا يغفره الله، ويخلد صاحبه بين أطباق جهنم، ثم تكتفي بقولك : [هذا شرك].
أين تحذير الشيخ أبناء طريقته، وأتباع نحلته، وغيرهم من أتباع الطرق الأخرى، مما عمت به البلوى، ألا يحتاج لرفع الصوت بها، وشدة التحذير منها، ليل نهار؟ ألا يحتاج حتى لمجرد التنبيه ولو لمرة واحدةٍ، عبر برنامج التفسير الذي يُذاع من مسجد (الحسين)؟!
أهذه منزلة التوحيد عندك؟!
ثم إننا نقول له ولأمثاله: أليس قد قال قبل ذلك  [إن الميت قد يعمل عملاً ينفع الحي] فلماذا لا يطلب الحي منه ذلك؟! ولماذا سميته هنا شركًا؟! لا شك أنك لا تقصد ذلك.
6        قوله : [نحن ننتقد ما يحدث عند الزيارة].
أين هذا في أرض الواقع؟ فهل سمع السامعون أن الشعراوي قد كتب مقالاً أو كتابًا أو برنامجًا ينتقد فيه بشدة، وقوة، وصراحة، هذه المخالفات، بل الموبقات التي تحدث في الموالد؟!!  ﴿نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ [الأنعام: 143].
بل لو وُجِد ذلك لما كان مبرِّرًا أن ينتقد المعاصي ويذر الشرك! ويُحَذِّر من المخالفات ويترك التحذير من الكفر!!
وعلى كل حال فالرجل كغيره من هؤلاء لم يفعلوا هذا ولا ذاك إلا أحيانًا ذرًّا للرماد في العيون، أو تقية، أو مجاملة لأهل السنة، أو زيادة في التلبيس على العوام. وسيعلمون غدًا من المضلل الملبس على الناس، الصارف لهم عن التوحيد، الداعي لهم إلى الشرك، المُزَيَّن لهم الباطل في صورة محبة أولياء الله الصالحين، وآل البيت الطاهرين!

مسألة (شيبت!) الشعراوي
يقول الشعراوي :
             [الحاج أحمد كان من "محاسيب" السيدة زينب ولا يزال! وكان هناك واحد من "خُدّام" "الست" يعطف عليه الحاج أحمد ويُقدم له بعض المساعدات، وفي يوم دعا هذا الخادم الحاج أحمد إلى بيته ليشرب عنده قهوة فذهب الحاج أحمد إلى بيت الخادم فوجد البيت مؤسس بأثاث فخم جدًّا ومفروش فرش يدل على السعة والثراء وخطر بباله يقول : كيف أُعطي هذا الرجل فلوسي وهو يعيش عيشة أحسن مني؟
وفي نفس الليلة حدث شيء رواه لي الحاج أحمد وهو يقسم بالله، قال : إنه استيقظ لصلاة الفجر كعادته استيقظ من "رؤيا" رأى فيها السيدة زينب وهي واقفة في مشرفة "بلكونة" وتقول له : (يا حاج أحمد ما لكش دعوة بخداميني) واختفت!
وبعدها لم يعد الحاج أحمد يسأل أو يعترض على شيء!
ويقول الشيخ مُعقِّبًا في دهشة :
             إيه ده! "مسأله تشيب"!
وقال الشيخ : لما سألني الحاج أحمد قلت له : الخادمين بيعطوا صورة عن البيت اللي بيخدموا فيه .. هناك خادم مكرم من أصحاب البيت .. وخادم غير مكرم. وقلت له : أنت عايز "خدام" الست "ستنا زينب" يبقى شحات يعني!] انتهى.
التعليق:
2        إلى هذا الحد تعلق الشعراوي بالأحلام والمنامات واتخذها ركيزة أساسية في حياته، كغيره من الصوفية كمصدرٍ رئيسي من مصادر التلقي عندهم .
3        إلى هذا الحد تأثر الشعراوي بالأحلام، لدرجة أنها "تشيبه"!.
4        اعتقاد الشعراوي أن الموتى يعلمون الغيب، ويعلمون ما في الضمائر، لأن الرجل "الحاج أحمد" لم يتلفظ باللوم على ذاك "الخادم" إنما دار بخاطره فقط، ومع ذلك علمت "الست" ما في ضميره، وأتت لعتابه وتحذيره!
    4- معاملة الشعراوي للأحلام بالأولياء،كأنهم أنبياء، فالشيطان لا يتمثل بهم! فلم يورد احتمالاً أن تكون المرئية في المنام  شيطانةً أو شيطانًا! لذا قال مسألة "تشيب".
11  ضحالته العلمية أمام كيد الشياطين وعدم علمه بطرق إغوائهم وتضليلهم لبني آدم، فسقط في هذه الشبكة بكل سهولة . فأين البصيرة بتلبيس إبليس؟!
    6-تلويحه وتهديده بقاعدة من اعترض انطرد! فهاهو لم يعد يعترض على شيء بعد ذلك، وهو المطلوب إثباته.
وفي موضع آخر يقعد لهذا الأمر؛ فللولي الصوفي أن يخرج عن الشريعة، كما خرج الخضر عن شريعة موسى- عليهما السلام-.

الشعراوي وتفضيل الولي على النبي
يقول الشعراوي:
             [هناك أمور يقف العقل العادي منها موقف الإنكار.. لكن حين ينتقل صاحب هذا العقل إلى شيء أعلى من العقل و هو " المواجيد " فهو يقرها .. خذ حكاية العبد الصالح مع سيدنا موسى .. و خذ شهادة الله له في كتابه " عبدا آتيناه رحمة من عندنا و علمناه من لدنا علما " هذا العبد الصالح يقعد و يناقش مع رسول من عند الله و هذا العبد إلي أوتي هذه المنزلة من الله يقول لموسى الذي يعترض عليه " لن تستطيع معي صبرا و كيف تصبر على ما لم تحط به خبرا " يعني بيعذره .. إذا كان لا يعرف .. " و كيف تصبر على ما لم تحط به خبرا "؟ و في موضع آخر يقول له " هذا فراق بيني و بينك " يعني لن نلتقي .. و قال الشيخ : و كذلك يجب أن يكون خلق الناس الذين ينتسبون إلى الولاية فهم يعذرون الذين لا يصدقونهم لأنهم لم يروا شيئا(!!)]. انتهى.
                                               الشعراوي يبوح بأسراره الروحية " ص 138- 139

الشعراوي والذبح لغير الله
جاء في الموسوعة الكاملة لحياة محمد متولي الشعراوي ص 187 :
             يُعاتبه السيد البدوي في المنام فيذبح عجلاً أمام المسجد الأحمدي ..
[دق جرس الغرفة فدخل إليه د. عصام فإذا بمولانا يطلب منه استدعاء الحاج محمد صابر .. وبالفعل خرج الدكتور ودخل الحاج صابر الذي أوصاه الإمام بذبح عجلٍ حالاً أمام المسجد الأحمدي .. وحين سألوا عن السر في طلب الإمام علموا أن فضيلته رأى السيد أحمد البدوي في المنام يقول له : (إيه يا شعراوي انت نسيتنا السنة دي ولا إيه)؟!!!
وعلمت فيما بعد ... أن الإمام كان من عادته أن يذبح عجلاً أمام المسجد الاحمدي كل عام . وفي هذه المرة تأخر قليلاً عن الذبح بسبب مرضه]. انتهى
تعليق:
لا يخلو هذا الفعل من أحد أمرين :
الأول : أن يكون هذا الذبح (للبدوي) تقرباً له، كما هو المعتاد عند هؤلاء، فهذا شرك أكبر، وإن سمى الله عليها، لأنه مما أهل لغير الله به "فهذه ذبيحة البدوي" عند الجميع  وهذا هو الإهلال، فلا يحلها ذكر اسم الله عليها لفظًا عند الذبح، وقد علم الجميع أنها ذبيحة صاحب الضريح.
الثاني : أن يكون الذبح لله، لكن عند هذا الوثن الذي يُعبد من دون الله كما سمى النبي - - القبر الذي يُعبد وثنًا فقال : (اللهم لا تجعل قبري وثنا يُعبد).
فإن الذبح لله لكن إيقاعه في هذا المشهد الذي تُصرف فيه العبادات لغير الله فهذا من الشرك أيضًا لكن ليس من الأكبر وإنما هو من ذرائع الشرك ومداخله.
الدليل : قال رجل : يا رسول الله نذرت أن أنحر إبلاً ببوانة فقال صلى الله عليه وسلم -:
هل كان فيها وثن من أوثان الجاهلية يُعبد؟
قال : لا.
قال : فهل كان فيها عيد من أعيادهم؟
قال : لا.
قال: فأوف بنذرك؛ فإنه لا نذر في معصية الله.

الشعراوي: بدريّ!
قال الشعراوي:
[عندما عينت كنت أهتم بمظهري، وفي أحد الأيام كنت أسير في أحد شوارع طنطا مرتديًا أفخم الثياب قابلت رجلاً لا أعرفه وكان مرتديًا للخيش مثل سيدنا الجزيري وفوجئت بهذا الرجل وكان مجذوبًا يناديني قائلاً: تعال يا شعراوي!
فذهبت إليه فقال لي : اجلس على الأرض فجلست دون أن أتكلم فقال لي : أنت بدري!
ثم قال لي : قم . فقمت .. وتركني وانصرف.
فسألت عنه وعلمت وقتها أنه سيدنا الشيخ أبو رمضان، وهو الآن صاحب مقام بقسطا غربية، وكان من الأولياء الكبار! ويلبس الخيش دائمًا، ودارت الأيام والتقيت بأحد كبار الصالحين، وقصصت عليه ما حدث لي مع الشيخ رمضان، وذكرت أنه قال لي بالحرف الواحد (أنت بدري).
فأجابني الرجل: يا بُنيّ كلمة "أنت بدري" أنك من أهل بدر!
ثم قرأ : (إن الله اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم)].                                                                                       
     [الموسوعة: 134].
قلت :
وهكذا يتوالى إضلال الشياطين وتلبيسهم، على هذا الصوفي القبوري، حتى أوهمته أنه مغفور له كأهل بدر! بشارة تلقّاها من سيده الشيخ "أبو رمضان" "المجذوب"!!
 الذي استشفها من عالم الغيب، أوحاها إليه خِنزِب اللعين، وفسرها له أحد كبار الصالحين، "الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون"!!
وصدق الله العظيم، حيث يقول :
 (وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَاءَ فَزَيَّنُوا لَهُمْ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ)          [فصلت: 25].

من عاش على شيء مات عليه

أوضح " عبد الرحيم الشعراوي " - في حوار مع مجلة الوطن الكويتية: تاريخ النشر 30/01/2009- مدى تعلق والده بالقبور والأضرحة منذ نعومة أظفاره و أثناء حياته، وحتى عند موته! فيقول " عبد الرحيم الشعراوي " متحدثاً عن والده:
) منذ الصغر كان موجودًا بجوار ضريح سيدي إبراهيم أبو خليل في الزقازيق كما كان دائم الحضور في المسجد خاصة وإن جدي الحاج متولي كان هو متولي هذا المسجد الذي يسمى بسيدي عبد الله الأنصاري، ولهذا تربى الشيخ الشعراوي على يد العلماء الأجلاء!! الذين كانوا في زمن جدنا الذي خدم العلم والعلماء وهم ردوا ذلك على الشيخ الشعراوي، فتم تكوين الشيخ الشعراوي مما شربه من العلم الوفير من قبل هؤلاء العلماء، أما حول بيت الحسين فكان الشيخ الشعراوي مدير مكتب شيخ الأزهر الشيخ حسن مأمون، فكان يعد الخطب وتنسيق اللقاءات فكان هو العصب لمكتب شيخ الأزهر، وكان الشيخ الشعراوي يأتي إلى القاهرة الساعة 6.45 من البلدة ويذهب مسجد سيدنا الحسين حتى الساعة الثانية ويذهب إلى المكتب، وعليه تم إعفاؤه من الجلسات المسائية(.
ويقول متحدثاً عن والده الشعراوي :
(وكان يعبر عن سعادته بأنه قريب من الأولياء حيث كان يصلي الفجر في السيدة نفيسة والفجر الآخر في سيدنا الحسين ثم الشافعي وآخر في الإمام زين العابدين ثم سيدنا الحسن أنور، فكان يصلي الفجر عند مراقد أهل البيت).
وهكذا يتضح أن الشعراوي منذ نعومة أظفاره تربى في وسط القبور والأوثان و تعلق قلبه منذ الصغر بالقبور و الأوثان ثم استمرت حياته على هذا المنوال حتى في عمله وسط القبور و الأوثان حتى في كل صلواته وسط القبور و الأوثان ... فهذا الشعراوي كل حياته مكرسة و مخصصة للدعوة للشرك بالله تعالى و معصية الله تعالى، و هذا يفسر هذا التعصب الذميم من الشعراوي لباطله رغم إقامته في بلاد الحرمين وسط بيئة توحيدية محاربة للشرك و خالية من القبور و الأضرحة والأوثان التي اعتاد عليها الشعراوي منذ صغره.
و يقول " عبد الرحيم الشعراوي " متحدثاً عن والده الشعراوي:
) وكان متعلقا بآل البيت لدرجة أنه أقام مطعماً فوق سطح العمارة لإطعام الفقراء والمحتاجين توددًاً وتقربا لأهل البيت وكان يقول بأن ضيوف الإمام الحسين ضيوفي، وعندما جئنا إلى قرب السيدة نفيسة خصصت له ارض هناك، وأنشأ مؤسسة مائدة الرحمن على مساحة ألفي متر).                                          

الشعراوي والخاتمة
(من عاش على شيء مات عليه).
اللحظات الأخيرة من حياة الشيخ الشعراوي :
             [بينما كان الشيخ يتكلم مع أولاده وأحفاده، إذا بهم يرونه يتبسم ويقطع كلامه معهم ويتمتم في خشوع: أهلاً وسهلاً. . أهلاً أهلاً سي حسين، إزيك وإزي صحتك! ثم عاد يتمتم : أهلاً وسهلاً، أهلاً أهلاً يا مرحبًا أهلا إزيك يا سي إبراهيم (وذكر بعض الأسماء والشخصيات ورحب بها)
ثم قال الشيخ يا ست شرفتينا ونورتينا ...!!
وظل يردد أهلاً أهلاً وقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله،
اللهم قد بلغت، اللهم فاشهد، الحمد لله، الحمد لله، الحمد لله، وصعدت روحه الطاهرة] [ص284]. ما هو الكتاب الذي ذُكِر فيه ذلك؟
2        مَن هؤلاء الذين زاروا الشعراوي في اللحظات الأخيرة في حياته، ولم يرهم الحاضرون؟
أهم من الجن؟ أم من الملائكة؟ أم من الإنس؟
أما الملائكة : فلا يُقال لهم : سي حسين وسي إبراهيم يا ست شرفتينا!
وهم ليسوا أيضًا من الإنس قطعيًّا فإن الحاضرين لم يروهم بل ظن أولاد الشيخ أنه يكلمهم هم لولا أنه أشار إليهم أنهم ليسوا هم المقصودين!
فلم يبق إلا أنهم من "رجال الغيب" على حد التعبير الصوفي! (الجن).
فهل تشكلت الجن الذين أضلوا الشيخ طول حياته بأنهم إبراهيم الدسوقي، وأحمد البدوي، والسيدة زينب، وغيرهم؟!
أم هذه تخاريف مرض! وأحلام يقظة!
لكننا نعلم أن الشيخ عاش على محبة هؤلاء وبين (محاسيبهم) وخدامهم!
والخواتيم مواريث السوابق، ومن عاش على شيء مات عليه!
ومن المعلوم أيضًا أن الشيطان يكون أشد شيء على الإنسان عند موته . وتذكر قصة الإمام أحمد عند موته!
هل جاءوا لتأكيد هذا الاعتقاد فيهم إلا آخر لحظة أم أن الأمر مجرد أضغاث وتخاريف؟1
حقًّا : لا ندري! الله أعلم .
4        أما النطق بالشهادتين : فإن القبوريين ما زالوا يقولونها في حياتهم ومع ذلك هم واقعون في الشرك ولم تُغنِ عنهم شيئًا، فكيف تغني عنهم عند الموت؟!
إنهم قالوها بمعنى غير المعنى الشرعي الصحيح : (لا معبود بحق إلا الله).
وإنما بمعنى الخالق الرازق المُحيي المُميت وهذه عقيدة الشعراوي الذي كان يصرح بها في ثنايا تفسيره حيث يفسر (الإله) بما يُفسر به أهل السنة (الرب) ولا عجب فالرجل أشعري كبير، وقبوري نحرير!
 فالقبوري يقول بلسانه: (لا إله إلا الله)، ويذبح لغير الله، ويدعو غير الله، ويستغيث بغيره، ويرجو، ويخاف، ويتوكل، و..و..و.. كل ذلك يصرفه لغير الله .
ولا يَرى تناقُضًا بين ما يقوله وما يفعله، خلافًا للمشركين الأولين؛ لأنهم كانوا أهل لغة؛ يعرفون ما يقولون، ويدركون معنى ما يلفظون.
5        أما قوله: [قد بلغت].
             فما الذي بلغه الشيخ طول حياته؟!
             هل بلغ التوحيد الذي هو أول واجب على العبيد؟!
             هل حذَّرهم من الشرك الذي هو أخطر من كل خطير؟!
             هل فَسَّرَ القرآن بما فسره به رسول الله - - والصحابة والتابعون وأخرج ما فيه من الأحكام، والفوائد، والتوجيهات، والأخلاق، ....؟!أأأأأأ
             أم ماذا؟!
6        وأما قوله : [اللهم فاشهد].
             فقد شهد الله عز وجل الرقيب الحسيب الشهيد وسيما ــ قد أفضيت إلى ما قدمت وأنت بين يديه، وأما من علم بحالك فيجب عليه وجوبًا أن يُحَذِّرَ الناس منك ومن فتنتك لا أن يُجامل العوام والصوفية والنساء على حساب دين الله.
فَيُثنِي عليك قائلاً : علمنا التفسير! نحن الثَّرى وهو الثريَّا!
فهذا الذي ضَيَّع الدين! وإلى الجبار نشكوه . والله أعلم .

وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا
وهناك رواية أخرى أعلى سنداً، أصح متناً ؛ يرويها ابن الشعراوي نفسه ؛
يقول " عبد الرحيم الشعراوي " متحدثاً عن وفاة والده :
) جاءت الساعة الموعودة ... وفجأة نظر إلى السقف، ومحيياً بالأسياد والأئمة،
 و مدد يا أهل البيت (!!!)
 ثم قال فجأة : أشهد أن لا إله إلا الله وأنك محمد رسول الله!!
 ثم تمدد على فراشه عندها قمت وغطيته بعباءة بيضاء ثم أخذناه إلى البلد)
                                              في حوار مع مجلة الوطن الكويتية: تاريخ النشر 30/01/2009

B
n

مقدمة            ...............................................................................                 3
الشعراوي يؤصل ويقعد لنفع الميت للحي ..............................................                 5
أحمد البدوي يطلع على الكربة التي وقع فيها الشعراوي ...........................                  7
الشعراوي يعتقد أن الميت له تصرف في الكون .........................................              10
الشعراوي يقول: الأولياء سفن النجاة ..................................................                  11
الشعراوي يقول: التوسل بالأولياء منتهى الإيمان واليقين ..........................                  17
التوسل: تعريفه، وأنواعه .................................................................                 20
أنواع التوسل المشروع .......................................................................              21
          1- التوسل بأسماء الله وصفاته ..................................................                21
          2- التوسل بالعمل الصالح .........................................................               22
          3- التوسل بدعاء الرجل الصالح ..................................................              23
أنواع التوسل الممنوع ........................................................................               25
1-  التوسل الشركي ................................................................               25
2- التوسل البدعي ..................................................................                27
معنى التوسل بالجاه عند العامة ...........................................................                 29
التوسل بالحق والذات ........................................................................               29
مناقشة الشعراوي فيما ذكره ..............................................................                 30
خصائص الشفاعة الشركية ................................................................                33
حقيقة الشفاعة عند الله في الآخرة .....................................................                   36
مسألة سماع الموتى ...........................................................................               41
حديث القليب      ............................................................................                 42
توسل عمر بالعباس ...........................................................................     62
توسل الضرير      .............................................................................              81
الشعراوي والدفاع عن الأضرحة ............................................................             86
الشعراوي وفضل زيارة الأضرحة ..........................................................            92
مسألة (شيَّبت!) الشعراوي ...............................................................                  96
الشعراوي وتفضيل الولي على النبي ....................................................                 99
الشعراوي والذبح لغير الله ...............................................................                   100
الشعراوي بدري!! ..........................................................................                 101
من عاش على شيء مات عليه ..........................................................                  102
الشعراوي والخاتمة .......................................................................                   104
وشهد شاهد من أهلها ....................................................................          106
فهرس           .............................................................................                   107



==========================================

بقلم فضيلة الشيخ // أبو طارق محمود بن محفوظ ...

رابط تحميل الملف ( 
http://cutt.us/kSIVT )
شاركه على جوجل بلس

عن الكاتب العلوم الشرعية

    تعليقات بلوجر
    تعليقات فيس بوك

0 التعليقات:

إرسال تعليق