حكم رهن الأرض الزراعية

حكم رهن الأرض الزراعية

بسم الله 
والحمدلله والصلاة والسلام علي رسول الله ﷺ:

الحـــمــد لله العــلــيِّ الأرفـــقِ وجـــامــــعِ الأشــيـــاءِ والمفــرقِ
ذي النعم الواسعة الغزيرة والحــكــم الباهــرة الكثيــرة
اعلم هديت أن أفضل المنـــن علم يزيل الشك عنك والدرن
ويكشف الحق لذي القلـــــوب ويوصــل العبـــد إلــى المطلـوب
الدين جاء لسعادة البشــــــر ولانتفاء الشر عنهــم والضــرر
فكل أمر نافع قد شرعـــــــه وكــــل مـا يضـرنـا قـد منــعــه

ومن هذا المنطلق الكريم فإن الله الرحمن الرحيم، شرع لنا هذا الدين القويم، وما حرم علينا إلا ما فيه ضررنا الضرر المبين، الذي عمت به البلوى وطمت، كَبِرَ عليه الصغير، وفني عليه الكبير، أكْثَرْنا فيه التذكير، لكننا أردنا أن نعيد الموعظة، لأن الذكرى تنفع المؤمنين، إنه يتعلق برهن الأرض الزراعية هذا الأمر نعرفه جميعاً، كلنا واقعٌ فيه، ومن لم يقع فيه - وذلك من فضل الله تعالى عليه - وهو يوشك أن يقع فيه إلا إذا تعلم العلم الشرعي الذي هو النجاة والعصمة من جميع الفتن على وجه الأرض .

الرهن الشرعي الصحيح
والفرق بينه وبين الرهن الربوي الفاسد
وكيف تخرج من هذا المأزق؟ وهل هناك حلول شرعية للمضائق المالية وللظروف الحالية؟ فالله المستعان وبه الثقة عليه التكلان.
فاستمع يرحمك الله واحتسب هذه الدقائق عند الله عز وجل فسوف تراها في ميزان حسناتك رأي العين فمن يعمل مثقال ذرة خير يراه ومن يعمل مثقال ذرة شراً يراه.

أولاً: ما هو الرهن في اللغة؟
الرهن: هو الحبس والدوام، قال تعالى: " قال تعالى: (كُلّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ) [سورة: المدثر: 38] أي ( موثقة بسعيها قد ألزم عنقها وغل في رقبتها ) أ.هـ السعدي. وقال أيضاً قال تعالى: (كُلّ امرئ بِمَا كَسَبَ رَهَينٌ) [سورة: الطور: 21] أي مرتهن بعمله فلا تزر وازرة وزر أخرى ولا يحمل على أحد ذنب أحد أ.هـ السعدي.
وقولهم: ( هذا ماء راهن ) أي راكد وسميت الأرض رهناً لأنها تكون تحت يد المرتهن فهي حبيسة عنده فسميت رهناً هذا من حيث اللغة.
الرهن في الشرع: هو جعل عين مالية وثيقة على دين بحيث يمكن أن يسدد هذا الدين من تلك العين المالية أو من ثمنها(1).
ما معنى هذا التعريف ؟
الرهن جعل عين مالية: يعني كقطعة أرض مثلاً فحديثنا إنما هو مختص بهذا الموضوع " رهن الأرض الزراعية " فلن نتكلم عن سائر أبواب الرهن وعن أحكامه كلها وإنما نسلط الضوء على رهن الأرض الزراعية ورهن العقارات وما في معناها.
وثيقة على دين: يعني للضمان والاستيثاق أي وثيقة ضمان على أي شيء ؟ على دين ؟ بحيث يمكن أن تسدد هذا الدين من تلك الأرض أو من ثمنها، هذا هو تعريف الرهن شرعاً.

أما عن حكمه:
تعلمون جميعاً أن الرهن جائز في كتاب الله وفي سنة النبي بل وبإجماع الأمة قال الله تعالى: (وَإِن كُنتُمْ عَلَىَ سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُواْ كَاتِباً فَرِهَانٌ مّقْبُوضَةٌ) [سورة: البقرة - الآية: 283]" رِهان جمع رهن، والذي تكون عنده الأرض هو المرتهن.
وأما في السنة:
فقد ورد في صحيح البخاري عن عائشة رضي الله عنها أن النبي ( اشترى طعاماً من يهودي إلى أجل ورهنه درعه )(1).
إذن فالرهن جائز في كتاب الله تعالى وفي سنة رسول الله بل وجائز بإجماع الأمة.
فقد نقل قال ابن المنذر رحمه الله: ( وأجمعوا على أن الرهن في السفر والحضر جائز وانفرد مجاهد فقال لا يجوز في الحضر )(2). وليس هناك خلاف في السفر إنما الخلاف في جوازه في الحضر والجمهور على جوازه وهو الصحيح والحمد لله رب العالمين.
إذن فالرهن جائز لا شيء فيه لكن لنا أن نسأل ما هي الصورة الشرعية الصحيحة للرهن الذي نطيع به ربنا والذي لا نكون به عاصين إذا فعلناه ؟ ما هو الرهن الصحيح ؟
ذهبت - مثلاً - لإنسان فقلت له أسلفني (عشرة آلاف جنيه) فقال لا أضمنك ! ربما لا تسدد أنت رجل مفلس، صعلوك لا مال لك لا أضمنك إلا بوثيقة، لابد من الرهن فإذا عجزت عن السداد فعندئذ أنا واضع يدي على الأرض فأبيعها وآخذ حقي منها.
فأنت صاحب الأرض تسمى ( الراهن ) وهو الذي أعطاك المال وأعطيته الأرض يسمى ( المرتهِن) والأرض نفسها تسمى ( الرهن ) والوثيقة يكتبها رجل عدل يعلم كيف يكتب العقود رهناً صحيحاً شرعياً مُسَلَّماًَ مقبوضاً ويتم الاتفاق على هذا الأمر بشهادة الشهود هذه هي الصورة الشرعية الصحيحة.
ذهب صاحب المال بالأرض والعقد وأنت أخذت المال الذي اقترضته وانصرفت، والأرض تحت يد المرتهن !
فهل يجوز لهذا الرجل الذي أخذ الأرض من صاحبها رهنًا ووثيقة ضمان هل يجوز له أن ينتفع بالأرض المرهونة عنده ؟!
هل يجوز له أن يزرعها إلى ما شاء الله، ثم يقبض ما له بعد ذلك كاملاً غير منقوص، أو ناقصاً نقصاً يسيراً بسبب القرض ؟!.
هل يحل له أن يجمع المحاصيل، ويجني الثمار والغلال من هذه الأرض المرهونة سنواتِ طويلة، وبعد ذلك يأتيه ماله كاملاً سالماً؟!.
هل يباح له أن يؤجر هذه الأرض المرهونة عنده التي هي أمانة عنده ويجمع الأموال، ثم يعود إليه ماله الذي دفعه؟!.
هل يجوز له أن يفعل ذلك أو على الأقل يحاسب صاحب الأرض على إجارة معينة، تختلف على الإجارة السائدة بين الناس، فيعطيه ثمناً بخساً في مقابل أنه ينتفع هو الآخر بمبلغ القرض ؟!.
فما قول علماء الإسلام، والأئمة الأعلام في هذا الأمر الذي عمت به البلوى، وتوالت به الشكوى، وشب عليه الصغير، وهرم عليه الكبير حتى صار كأنه حق مكتسب؟
ولا حول ولا قوة إلا بالله
فالجواب بعون الملك الوهاب، شديد العقاب، سريع الحساب:
قال الفوزان " حفظه الله ":
القرض إنما هو عقد إرفاق بالمحتاج وقربة إلى الله تعالى، فإذا شرط فيه الزيادة أو تحراها وتطلع إليها وقصدها فقد أخرج القرض عن موضوعه الذي هو التقرب إلى الله تعالى بدفع حاجة المقترض إلى الربح منه " أ.هـ. (1).
فليس المقصود من القرض استثمار الأموال ولا الربح ولا الكسب ولا الاستغلال، فالله تبارك وتعالى إنما شرعه تفريجاً للكربات، وسداً للحاجات ، وإرفاقاً بالمحتاجين، وهو أرحم الراحمين!
فهل يحل لنا أن نبدل رحمة الله بعباده الذين أعوزتهم الحاجة، وألجأتهم الفاقة – أن نبدل هذه الرحمة نقمة وعذاباً ؟!.
هل يحل لك أيها المسلم أن تبتذ مال أخيك، وأن تمتص خير أرضه، ثم تطالبه بالدين دون حياء أو خجل، إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى إذا لم تستح فاصنع ما شئت !!.
فكيف يتصرف المرتهن في الأرض المرهونة عنده تصرفاً صحيحاً شرعياً ؟
الجواب:
انتبه يرحمك الله - يجوز له أن يتصرف فيها بصور من صور خمس.
الأولي: أن يعطيها لمالكها يقول له ازرع أرضك فأنا يكفيني وثيقة الضمان ويرجِع الأرض إلى صاحبها، وهذا تفضل منه وإحسان، فالأرض يزرعها صاحبها بإذن المرتهن إلى أن يحل موعد سداد الدين فيعطيه لصاحبه كاملاً غير منقوص.
الثانية: أن يقول المرتهن لصاحب الأرض خذ الأرض أجرها أنت لحسابك كيفما شئت وأنا اكتفي بالورقة فقط وثيقة الضمان إذن رجعت الأرض لصاحبها ولكن بإذن المرتهن لتعلق حقه بها.
الثالثة: أن يزرعها المرتهن لحسابه لكن بشرط أن يدفع الإجارة الكاملة بحسب العرف فإذا تقرر ذلك حسب العرف زرعها المرتهن ويسقط من الدين بقدر ذلك.
الرابعة: أن يؤجرها المرتهن لشخص ثالث فإذا قبض الإجارة خصم من المبلغ الأصلي بقدر ما يصله من الإيجار.
الخامسة: أنه يقدم له سنوات الإيجار يعني يأتي للرجل ويقول له سوف أعطيك الأرض لتتأجرها 5 سنواتٍ مقدماً، فيتحول العقد من عقد رهن لعقد إيجار مع دفع السعر مقدماً.
وهنا لا تعارض بين العقدين ( عقد الرهن وعقد الإجارة لإمكان الجمع بينهما ).
قال ابن عثيمين " رحمه الله ":
وكل مشغولٍ فليس يُشغلُ بمسقطٍ لما به ينشغلُ
فهذه خمس صور شرعية صحيحة وكلها حلال والحمد لله رب العالمين ولكن أبى الناس في بلادنا إلا الصورة الفاسدة وهي السادسة !!!

الصورة الفاسدة:
لقد أصبح الذي مَنّ الله عليه بالغني يتاجر بدينه بل بأديان الناس فيعطي صاحبَ الأرض والحاجة الماسة يعطيه المبلغ ويأخذ منه الأرض فينهبها ويمتص خيرها ويكنزها سنوات طويلة ويؤجرها ويأكل أجرتها ويبيع من محاصيلها عشر سنين أو ما شاء الله ثم يقول أريد مالي !!!
وهذه الصورة المنتشرة بيننا وهي خطيرة لأنها باب إلى جهنم، فبين دفع المبلغ وبين أخذه يستغل الأرض طوال فترة الدين وهذا الربا وينفق على أهله وأولاده ويخرج زكاته من هذا المال، وكل ذلك من الحرام وربما يحج من ذلك المال ! والله طيبٌ لا يقبل إلا طيبا
إذا حججت بمال أصله سحت فمـا حججـت ولكـن حجـت العيـر
لا يقبـــل الله إلا كـــل طـــيــبـــــة مــا كل مـــن حـج بيـت الله مبــرور
وقد قال : ( كل جسد نبت من حرام فالنار أولى به ) (1).
وتعلمون أن هذا العقد فاسد، وأن كل قرض جر نفعاً فهو ربا، وهذه قاعدة شرعية متفق عليها أنا أسلفتك جنيهاً وبعد يوم أخذته منك جنيهاً وربعاً فهذا هو الربا بالاتفاق ولا ينكر ذلك أحد، ففي هذا الرهن نفس الصورة أصبح المبلغ مضافاً إليه منفعة الأرض من المحاصيل أو الإجارة إن أجر، هذا ربا وهو من أكل مال الناس بالباطل لأن هذه الأرض تحت يد المرتهن وثيقة ضمان لأن الرهن من عقود الضمان والاستيثاق وليس من عقود المرابحة والكسب لأن العقود ثلاثة أنواع:
1- عقود المرابحة: مثل التجارة البيع والشراء.
2- عقود التوثقة والضمان: مثل الرهن ولا ربح فيها.
3- عقود التبرعات: فهو من باب الإحسان والمعروف.

فأنا عندما أخذت المال ورهنت الأرض لم أبعها لهذا الرجل، أي الأرض ما زالت ملكي وإنما هي تحت يده فقط للضمان والوثيقة وقد روي عن النبي أنه قال: " لا يغلق الرهن من صاحبه الذي رهنه له غنمه وعليه غرمه " (1) أي لصاحبه بعد إذن المرتهن لتعلق حقه به كما قال تعالى: ( فرهان مقبوضة )، وقوله هنا له " غنمه " أي مكسبه وعليه " غرمه " أي خسارته، إذن أنا لم أتنازل عن هذه الأرض فبأي حق استحق هذا المال والله تعالى يقول: " قال تعالى: (وَلاَ تَأْكُلُوَاْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ) [سورة: البقرة - الآية: 188]" وهذا أكل لأموال الناس بالباطل ويقول أيضاً: " قال تعالى: (يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُوَاْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ) [سورة: النساء - الآية: 29] ويقول النبي : " إن دماؤكم وأموالكم عليكم حرام "(2). فلا يحل مال امرئ مسلم إلا بشرطين:
1- أن تطيب به نفسه لك بالتراضي. 2- أن يوافق الشرع
لقوله تعالى: (إِلاّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مّنْكُمْ) [سورة: النساء - الآية: 29]. فاشترط التجارة والتراضي أي يكون الأمر على حسب ما يوافق الشريعة الإسلامية.


مواقف من حياة السلف
ولو نظرنا لحياة السلف رحمهم الله فماذا فعل الصحابة رضي الله عنهم
1- روى البخاري في صحيحه والبيهقي والسياق له عن أبي بردة رضي الله عنه " قال أتيت المدينة فلقيت عبد الله بن سلام فسلمت عليه فقال ألا تجيء إلى البيت حتى أطعمك سويقًا وتمرًا ؟ فذهبنا فأطعمنا سويقًا وتمراً ثم قال لي: (إنك بأرض الربا فيها فاش فإذا كان لك على رجل دين وأهدى لك حمل تبن أو حمل شعير أو حمل قَتِ فلا تقبله فإن ذلك من الربا)(3). وهذا يقرر هذه القاعدة فأنت لك على رجل دين فمال الدين ومال الهدية ؟
فالجواب:
لأنه قرض جر نفعاً فهو ربا، فأراد الإسلام أن يجعل القرض لوجه الله عز وجل، فهذه ذريعة الربا ألا تقرض إلا من ينفعك فسدت هذه الذريعة
2- وعن ابن عباس رضي الله عنه " وهذا يرويه سالم بن أبي الجعد عن ابن عباس قال: كان لنا جار سماك وكان عليه لرجل خمسون درهماً أي السماك هو المدين وكان يعطي هذا الرجل هدية من السمك فسأل ذلك الرجل ( الدائن ) ابنَ عباس فأجابه قاصّه بما أهدى إليك(1).
3- وعن أبي صالح عن ابن عباس أنه سئل عن رجل كان له عند رجل عشرون درهماً وكان يهدي إليه وكان هذا الرجل كلما أهدى إليه يبيع الهدية ويحتفظ بثمنها حتى بلغ الثمن ثلاثة عشرة درهماً فسأل ابن عباس فقال له: " لا تأخذ إلا سبعة دراهم "(2).
4- وعن ابن مسعود أنه سئل عن رجل استقرض من رجل دراهم ثم إن المستقرض أفقر المقترض ظهر دابته فقال ابن مسعود ما أصاب من ظهر دابته فهو ربا أي أن المدين أعطى الدائن دابته قال له خذها وارجع بها لبيتك لتوصلك، ( ولكن كل قرض جر نفع فهو ربا ).
5- بل إن رجلاً من السلف الكرام كان يستظل بظل بيت وفي يوم من الأيام رؤي واقفاً في حر الهاجرة في شدة الشمس ولا يستظل بظل الشمس فقيل له لما لا تستظل بظل هذا البيت فقال: هذا البيت مرهون عندي ولو جلست في ظله لانتفعت بالظل!!
6- والأعجب من ذلك أن إمام دار الهجرة مالك رحمه الله أجاز رهن المصحف في الضرورة قال: يجوز رهنه ولكن لا يجوز للمرتهن أن يقرأ فيه !! ( لأنه لو قرأ فيه لكان منتفعاً به ).
فهؤلاء هم السلف الكرام:
• أولئك آبائي فجئني بمثلهــم إذا جمعتنا يا جريــر المجامـــع
• إذا فخرت بأقوام لهم حســــب نعم صدقت ولكن بئس ما ولدوا !
• يا رب فابعث لنا من مثلهم نفراً يشـــيــــدون لنــا مجـــداً أضــعــنــاه

هؤلاء السلف الكرام لما تورعوا عن هذا الباب الخطير من أبواب الحرام انظر كيف فتح الله لهم المشارق والمغارب ودانت لهم هذه الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس وطبقوا شرع الله على أنفسهم أولاً وانظر إلى حالنا اليوم فأصحاب الأموال يتاجرون بأموالهم ويا ليتهم يتاجرون تجارة شرعية، ولكنهم يأبون إلا أن يأتون إلى عقود الإرفاق (القرض وعقود الاستيثاق " الرهن " ) التي شرعها الله عز وجل للأمة ويحولونها لعقود ربوية فاسدة.
ولقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية - عليه الرحمة والرضوان - عن ذلك فقال: " إذا كان المقصود أن يدفع الرجل للآخر مبلغاً من الدراهم وينتفع الآخر للدائن بالعقار (كالأرض مثلاً أو ما إلى ذلك ) إلى أن يسترد دينه فهو ينتفع فهذا حرام لا ريب فيه ".


شبهات وجوابها

الشبهة الأولى:
( أن هذا العقد تم عن تراض والرسول يقول " المسلمون عند شروطهم " والله تعالى يقول " إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم " فلم تحرمونه ؟! )
والجواب بعون الملك الوهاب:
إن حجتك داحضة، لا تقوم أمام الحق، فإن التراضي على الحرام لا يجعله حلالاً أبداً، فما رأيك في أصحاب وكر للدعارة هل يمارسون الفواحش إلا عن تراض ؟ وكذلك أكلة الربا لا يأكلونه إلا عن تراض !
إذن فالتراضي على الحرام لا يغير شرع الله، لأن الله لا يرضى به ورضا الله عز وجل يقدم على رضا المخلوق، فلو أن الأمة رضيت بأن يزني بها، أقيم الحد على الجميع لأن الله لا يرضى عن ذلك.
وقد يقول قائل: وهل هذا من الربا لنقيس عليه ؟ فكيف نقيس القرض الحلال على الزنا فنقول :له نعم نقيس الربا على الزنا فقد ثبت عن النبي أنه قال: " لدرهم من الربا يأكله الرجل وهو يعلم أشد عند الله من ست وثلاثين زنية "(1).
بل ثبت في صحيح الجامع أن الرسول قال: " الربا ثلاثة وسبعون باباً أيسرها مثل أن ينكح الرجل أمه "(2). فالربا أشد وأخطر من الزنا !
خطورة الربا وعقوبة المرابي :
إن المرابي ملعون فقد ثبت في صحيح البخاري من حديث جابر رضي الله عنه أن النبي قال " لعن الله آكل الربا وموكله وشاهديه وكاتبه وقال هم سواء "(1). واللعن هو الطرد والإبعاد من رحمة الله فآكل الربا وموكله والمسكين الذي يشهد والذي كتب العقد ملعونون ! إذا علموا بذلك.
وثبت عن ابن مسعود أنه قال: " آكل الربا وموكله وشاهديه وكاتبه ملعونون على لسان محمد يوم القيامة "(2)..
فينبغي ألا يشهد إلا بحق وألا يكتب إلا بحق كما قال تعالى: " قال تعالى: (وَلاَ يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلّمَهُ اللّهُ) [سورة: البقرة - الآية: 282]
وعن أبي هريرة أنه قال: قال النبي اجتنبوا السبع الموبقات ".. وآكل الربا. "(3)
وعن عبد الله بن سلام أن النبي قال إن أبواب الربا اثنان وسبعون حوباً أدناه كالذي يأتي أمه في الإسلام "(4).
عن ابن مسعود قال: الربا وإن كثر فإن عاقبته تصير إلى "(5). أي إلى قلة.
وفي الصحيحين في رؤيا النبي أنه رأى رؤيا طويلة وفيها:
" ... نهر من دم فيه رجل، وعلى شاطئ النهر رجل بين يديه حجارة، فيقبل الرجل الذي في النهر فإذا دنا ليخرج رمى في فيه حجراً فرجع إلى مكانه فهو يفعل ذلك به، فقلت ما هذا ؟.... وفي آخره .... فذاك آكل الربا "(6). فهذا عذاب آكل الربا في قبره.
وعن ابن مسعود مرفوعاً " ما ظهر في قوم الربا والزنى إلا احلوا بأنفسهم عقاب الله "(1).


الشبهة الثانية:
( ما الفائدة التي تعود عليَّ عندما أرهن ولم أنتفع بالأرض ؟ )
نقول له: أعظم فائدة وهي رضا الله ورسوله وموافقة الشرع ألا يكفيك ذلك كله ؟ وأنك ضمنت حقك فإن رفض هذا الرجل الإنصاف وأبى إلا الاعتساف، بيعت الأرض وضمنت حقك فماذا تريد بعد ذلك ؟
يقول أريد فائدة مادية فنقول له القرض لم يشرع لذلك بل للفائدة المعنوية والبركة من الله فقد صح عن رسول الله أنه قال " ما من مسلم يقرض مسلماً قرضاً مرتين إلا كان كصدقتها مرة "(2). أي أسلفتك خمسين جنيهاً ثم أتيتني مرة أخرى فأسلفتك خمسين جنيهاً فكأني تصدقت عليك بنصفها وفي رواية أخرى " القرض يجري مجرى شطر الصدقة.
أي لو أسلفت شخصاً ألفاً فكأنك تصدقت عليه بخمسمائة، فهذا دأب المؤمن الذي يريد الله ورسوله والأجر والمثوبة، ومن الفوائد أيضاً أن تنجو من معرة الربا قال تعالى: (الّذِينَ يَأْكُلُونَ الرّبَا لاَ يَقُومُونَ إِلاّ كَمَا يَقُومُ الّذِي يَتَخَبّطُهُ الشّيْطَانُ مِنَ الْمَسّ ذَلِكَ بِأَنّهُمْ قَالُوَاْ إِنّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرّبَا وَأَحَلّ اللّهُ الْبَيْعَ وَحَرّمَ الرّبَا فَمَن جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مّنْ رّبّهِ فَانْتَهَىَ فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُوْلَـَئِكَ أَصْحَابُ النّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) [سورة: البقرة – الآية: 275]" وهذه من أخطر العقوبات في كتاب الله عز وجل، لأن الله توعد عاصياً وهو آكل الربا بالخلود في النار !
ألا تسمع للوعيد الشديد في قوله تعالى: (يَمْحَقُ اللّهُ الْرّبَا وَيُرْبِي الصّدَقَاتِ وَاللّهُ لاَ يُحِبّ كُلّ كَفّارٍ أَثِيمٍ) [سورة: البقرة – الآية: 276] واستمع – هداني الله وإياك – إلى قول الملك عز وجل:
(يَأَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ اتّقُواْ اللّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرّبَا إِن كُنْتُمْ مّؤْمِنِينَ فَإِن لّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَىَ مَيْسَرَةٍ وَأَن تَصَدّقُواْ خَيْرٌ لّكُمْ إِن كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ وَاتّقُواْ يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللّهِ ثُمّ تُوَفّىَ كُلّ نَفْسٍ مّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ) [سورة: البقرة – الآية من 78: 81].

الشبهة الثالثة:
( يقول البعض: كل الناس هكذا ومنذ نشئنا ونحن نرى الأرض ترهن بنفس هذه الطريقة ؟ )
فنقول له: إذا وجدت الناس قد هلكوا فلا تهلك معهم، فأنت هنا آكلٌ للربا وملعون، والحرب معلنة عليك من رب العالمين ورسوله الأمين فلا تقل وجدت الناس كذلك، لأن الناجين قليل، لأن نسبة من يدخل الجنة واحد من ألف ! وهذا ليس تشدداً ولكنه كلام من شهدتَ له بالرسالة في قولك " أشهد أن محمداً رسول الله "
فقد ثبت عنه في الصحيحين من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن الله تعالى يقول يوم القيامة يا آدم أخرج بعث النار قال وما بعث النار؟ قال: من كل ألف تسعمائة وتسعة وتعسين فعنده يشيب الصغير وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد"(1).
وتذكر قول الله تعالى: قال تعالى: (وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأرْضِ يُضِلّوكَ عَن سَبِيلِ اللّهِ إِن يَتّبِعُونَ إِلاّ الظّنّ وَإِنْ هُمْ إِلاّ يَخْرُصُونَ) [سورة: الأنعام - الآية: 116] وقوله تعالى: ( وَقَلِيلٌ مّنْ عِبَادِيَ الشّكُورُ) [سورة: سبأ - الآية: 13].
وإن كنت وجدت الناس هكذا فإنك ستحاسب في قبرك وحدك ؟ وستسأل عن عملك وحدك ! فأعد للسؤال جواباً !
الشبهة الرابعة:
يقول بعض الشباب ( أنا شاب محتاج للزواج لأستعف كبير عن الحرام والرسول فاضطررت لذلك والرسول يقول: " يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء "(2). وأنا أريد أن أحقق هذه السنة فلا أجد أمامي سبيلاً إلا أن أقترض قرضاً (ربويًا) أو أرهن (رهناً فاسداً) ! )
والجواب: لا تتزوج الآن واصبر والله تعالى يقول: (وَلْيَسْتَعْفِفِ الّذِينَ لاَ يَجِدُونَ نِكَاحاً حَتّىَ يُغْنِيَهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ [سورة: النور - الآية: 33] "
وقد صح عن النبي أنه قال: " ثلاثة حق على الله عنوهم ..- فذكر أولهم - الناكح يريد العفاف " (1). والله عز وجل يبشرك إن كنت فعلاً صادقاً " َومَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكّلْ عَلَى اللّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنّ اللّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللّهُ لِكُلّ شَيْءٍ قَدْراً) [سورة: الطلاق – الآية2: 3]" وقد قال تعالى: " وأحل الله البيع وحرم الربا " والناس هنا تفر من صدر الآية فبعض الناس الآن يحرمون البيع ويحلون الربا " عياذاً بالله ! يحرمون بيع الأرض ويعدونه من العار ! فكيف أبيع أرض الآباء والأجداد بل النار أهون !!! فهذا كفر لأن الذي يحلل ويحرم هو الله وعندما ذهب المشركون للمسلمين فقالوا لهم ما تقولون في الذبيحة التي تذبحونها بأيديكم قالوا حلال فما تقولون في الميتة قالوا حرام فقال المشركون الميتة من قتلها ؟ قالوا: الله، قالوا: والذبيحة من قتلها ؟ قالوا: نحن بأيدينا فقالوا: أتحلون ما قتلتموه وتحرمون ما قتله الله ؟! انظر للجدل والعقل الفاسد فكيف أجابهم الله في سورة الأنعام.
قال الله تعالى: (َولاَ تَأْكُلُواْ مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ }الأنعام121) فالشرك هنا في التحليل والتحريم.
إذن فبع والله يخلفك في مالك لأنك اتقيت الله.
قال الشافعي رحمه الله: [ أفلستُ في عمري ثلاث مرات فكنت أبيع كثيري وقليلي حتى حلي ابنتي وزوجتي ولم أرهن قط ] فأنت بع ما سوف ترهنه ولذلك يقول العلماء [ كل ما جاز بيعه جاز رهنه ] لأن استيفاء الدين يكون من البيع فكل ما لا يباع لا يرهن.


الحلول الشرعية
الحل الأول: الرهن الشرعي، وقد سبق بيانه.
الحل الثاني: البيع الحلال، كما سبق.
الحل الثالث القرض الحسن:
وهو أن تقترض قرضاً شرعياً والله تعالى يقول: (مّن ذَا الّذِي يُقْرِضُ اللّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافاً كَثِيرَةً وَاللّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) [سورة: البقرة: 245] فعبر الله عن الصدقة بلفظ القرض فأنت تقرض الله عز وجل وهو الغني عن العالمين.
عن بريدة رضي الله عنه قال: قال رسول الله " من أنظر فله بكل يوم مثليه صدقة "(1).
وعن أبي اليسر قال: قال رسول الله " من أنظر معسراً أو وضع عنه أظله الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله "(2).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله " من أنظر معسراً أو وضع له أظله الله يوم القيامة تحت ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله "(3).
وقال " من أنظر معسراً فله بكل يوم مثله صدقة قبل أن يحل الدين، فإذا حل الدين فأنظره فله بكل يوم مثلاه صدقة "(4).
وقال أيضاً "من أنظر معسراً أو وضع عنه أنجاه الله من كرب يوم القيامة "(5).
وقد رأى أبو قتادة رجلاً كان له عليه دين والرجل يتوارى ويستحي من أبي قتادة فقال له ما الذي يجعلك تتوارى مني ؟ فقال: إني معسر فقال آلله ؟ فقال: آلله أي استحلفه فحلف إني معسر قال فإني سمعت النبي : " من سره الله أن ينجيه الله من كربات يوم القيامة فلينظر معسراً أو يضع عنه "(1)
فصاحب الدين يصبر أو يضع عنه أي يخفف عن المدين
وأخيراً تأمل هذا الحديث العظيم يقول فيه النبي " من نفث عن مسلم كربة من كرب الدنيا نفث الله عنه كربة من كرب يوم القيامة ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر على مسلم ستر الله عليه في الدنيا والآخرة والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه "(2).

آداب المقرض والمقترض
هناك أدب للمقرض أن يعامل الله ولا يعامل الناس فثوابه عند الله أما المقترض فنقول له: اتقِ الله وبادر بسداد دينك إذا حل أجله وإلا فإنك سددت باب القرض بسبب المماطلة.
وأصبح حالنا كما قال الفوزان رحمه الله: " فالمقترض لا يجد من يقرضه قرضاً حسناً، والمقرض لم يجد من يسدد له تسديداً حسناً، فأحجم الناس عن بذل القروض والتوسعة على المحتاجين حتى ضاع المعروف بين الناس !! أ.هـ. انتهى بتصرف – الملخص الفقهي.
ومن آداب القرض أيضاً: ما ورد عن عبد الله بن أبي ربيعة قال رسول الله " إنما جزاء السلف الحمد والأداء "(3).

وعن العرباض مرفوعًا: " خيركم خيركم قضاءً "(4).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه: " كان لرجل على النبي سن من الإبل فجاء يتقاضاه، فأغلظ له فهم به أصحابه فقال أعطوه، فلم يجدوا له إلا سناً فوق سنه فأعطوه فقال: أوفيتني أوفى الله لك فقال رسول الله إن خياركم أحسنكم قضاءً(5).
..........................................................................
الخـاتـمـــة
يجب علينا جميعاً الاستغفار من علم وعصى، ومن وقع فيه بغير علم من راهنِ ومرتهن وشاهد وكاتب وباب التوبة مفتوح.
وتقبل التوبة قبل الغرغرة كما أتـى فـي السنـة المطهـرة
كذاك لا يكــون ســد بابهــا قبل طلوع الشمس من مغربها
(فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُواْ رَبّكُمْ إِنّهُ كَانَ غَفّاراً يُرْسِلِ السّمَاءَ عَلَيْكُم مّدْرَاراً وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لّكُمْ جَنّاتٍ وَيَجْعَل لّكُمْ أَنْهَاراً )
اللهم سكن رعبنا، وآمن خوفنا إذا انشقت السماء بالغمام، ونزل الملائكة الكرام.. وعريت الأبدان .. وطال القيام .. وتعبت الأقدام .. اللهم سكن رعبنا وآمن خوفنا في اليوم الموعود.. إذا شاب المولود .. وتغيرت الألوان.. واشتدت الأحزان .. وكثر البكاء والصراخ وعلا الصياح.
اللهم سكن رعبنا وآمن خوفنا إذا انفطرت القلوب .. واشتدت الكروب .. ونصب الميزان .. وبرزت النيران ..اللهم سكن رعبنا وآمن خوفنا إذا ضاقت النفوس .. ودنت الشمس من الرؤوس.. وضاق المقام ..واشتد الزحام..يا أرحم الراحمين.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
والحمد لله رب العالمين .
..................
كتبه فضيلة الشيخ /
أبو طارق محمود محفوظ
http://www.mahfoouz.com/play-842.html )
___.................................
#abou゚moaz
شاركه على جوجل بلس

عن الكاتب العلوم الشرعية

    تعليقات بلوجر
    تعليقات فيس بوك

1 التعليقات:

  1. خدمة القروض 2019 لجميع دول الشرق الأوسط.

    الخدمات المالية
    لدينا قروض لموظفي الحكومة في الشرق الأوسط ، وهي أقساط سريعة وسهلة
    يتراوح النطاق من 10000 دولار إلى 9 ملايين دولار ، حسب راتبك الشهري.

    لدينا أيضًا قرض للموظفين غير الحكوميين ونعتمد على استثمارك ومشروعك الراغب.

    الاتصال بنا عبر: Mrfrankpoterloanoffer@gmail.com

    ردحذف