إعراب و فوائد من سورة المسد





|| إعراب و فوائد من سورة المسد ||#المجلس__الأول 
صوتي || https://e.top4top.net/m_880yvgc51.mp3||
مرئي ـ|| https://youtu.be/gdgwxexaZac||ـ
#المجلس__الثاني 
.صوتي || https://d.top4top.net/m_880gws9f1.mp3 ||
مرئي || https://youtu.be/XxCeMuO449o||
تحميل الملف بصيغة الــpdf ـ||https://up.top4top.net/downloadf-1090lceb71-pdf.html ||ـ
#برنامج_مجالس_رمضان1439
إعراب قصار السور... فوائد نحوية، وصرفية ،وبلاغية، وتفسيرية

===================================
إِعْرَابُ وَفَوَائِدُ
مِنْ "سورة المسد"

كَتَبَهَا
أَبُو طَارِق
مَحْمُودُ مَحْفُوظ


بسم الله الرحمن الرحيم
مدخل
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومنْ والاه،
أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم من همزه ونفخه ونفثه.
﴿تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ ۞ مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ ۞ سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ ۞ وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ ۞ فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ﴾[المسد:1،2،3،4،5].
سورة المسد، بعد البسملة.
·       ﴿تَبَّتْ﴾: تبَّ فعل ماض مبني على الفتح لاتصاله بتاء التأنيث، والتاء حرفٌ ساكنٌ يدل على التأنيث.
·       ﴿يَدَا﴾: فاعل مرفوع بالألف؛ لأنَّه مثنى، وحُذفت النون للإضافة،
 والأصل: يدان لأبي لهب، فحُذفت النون للإضافة.
·        ﴿يَدَا: مضاف، و﴿أَبِي: مضاف إليه مجرور بالياء؛ لأنه من الأسماء الستة، ﴿أَبِي:  مضاف،
·        و ﴿لَهَبٍ: مضاف إليه مجرور بالكسرة.
·       ﴿وَ﴾: الواو عاطفة.
·        ﴿وَتَبَّ﴾: فعل ماض مبني على الفتح الظاهر.
﴿مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ﴾.
·       ﴿مَا﴾: قيل: نافية، وقيل: استفهامية.
﴿مَا أَغْنَى﴾ إما أنها نافية؛ يعني لم يُغني عنه ماله، أغنى
 ﴿مَا﴾حرف نفي مبني على السكون أو هي استفهامية وكِلاهما لا يعمل فيما بعده.
·       ﴿أَغْنَى﴾: فعل ماض مبني على الفتح المقدر، الفاعل ﴿مَالُهُ ما أغنى ماله عنه.
·        ﴿عَنْهُ﴾: جار ومجرور.
·        ﴿مَالُهُ: فاعل مرفوع بالضمة الظاهرة، مال: مضاف، والهاء ضمير مبني على الضم في محل جر مضاف إليه.
·       ﴿وَمَا كَسَبَ﴾: الواو عاطفة،
·        ﴿وَمَا﴾ قيل فيها أربعة أقوال:
  إما أنها نافية كالأولى،
 أو استفهامية كالأولى أيضًا،
وقيل: موصولة،
وقيل مصدرية،
وعلى النفي يكون المعنى: لم يُغني عنه ماله ولم يُغني عنه كسبه،
وعلى الاستفهام ما الذي أغناه عنه ماله، وما الذي أغناه عنه كسبه.
وعلى أنها مصدرية ما الذي أغناه عنه ماله وكسبه ﴿مَا﴾ وما دخلت عليه في تأويل مصدر مصدرية،
 أو موصولة ما الذي أغناه عنه ماله، والذي كسبه.
·       ﴿كَسَبَ﴾: فعل ماض مبني على الفتح، والفاعل ضمير مستتر تقديره: هو يعود على أبي لهب.
﴿سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ.
·       ﴿السين﴾: حرف تنفيس يدل على الاستقبال.
·        ﴿يَصْلَى﴾: فعل مضارع مرفوع بالضمة المقدرة؛ لأنَّه معتل الآخر بالألف منع من ظهورها التعذر، وللفاعل ضمير مستتر تقديره هو، يعود على أبي لهب.
·       ﴿نَارًا﴾: مفعول به منصوب بالفتحة الظاهرة.
·       ﴿ذَاتَ﴾: صفة منصوبة بالفتحة الظاهرة.
·       ﴿ذَاتَ﴾: مضاف، و ﴿لَهَبٍ: مضاف إليه مجرور بالكسرة.
·       ﴿الواو﴾: الواو نسق عطف نسق عاطفة.
·       ﴿امْرَأَتُهُ﴾: إذا قلنا: الواو عطف نسق، فـ﴿امْرَأَتُهُ معطوفة على ضمير ﴿يَصْلَى﴾ سيصلى هو وامرأته،
·        لكن أين( هو)؟
ج: (هو) مقدرة،
س: و هل يجوز العطف على الضمير المستتر؟
ج: نعم يجوز إذا فصل بينهما فاصل، وهنا الفاصل هو المفعول به وصفته.
﴿نَارًا ذَاتَ لَهَبٍفصلت بين الضمير المستتر وبين ما عُطف عليه.
سيصلى هو وامرأته هذا على العطف،
وإذا قلنا: الواو استئنافية يكون ﴿امْرَأَتُهُ مبتدأ،
 ﴿وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ﴾ مبتدأ وخبر على قراءة الرفع، ﴿وامْرَأَتُهُ مبتدأ والهاء مضاف إليه،
﴿حَمَّالَةَ﴾: خبر على قراءة الرفع وهي قراءة ابن كثير وغيره،
﴿وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ﴾ في قراءة عاصم وغيره بالنصب.
·       ﴿حَمَّالَةَ﴾: مفعول به لفعلٍ محذوف وجوبًا تقديره: أذم حمالة الحطب أذمها، فمنصوب على الذم أو منصوب على الحال حالة كونها حمالة الحطب، فالنصب إما على أنه مفعول به لفعل محذوف على أنه مخصوص بالذم، أو على أنه حال منصوب بالفتحة الظاهرة.
·       ﴿حَمَّالَةَ﴾:  مضاف، ﴿الْحَطَبِ﴾: مضاف إليه مجرور بالكسرة.
﴿فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ﴾.
·       ﴿حَبْلٌ﴾: مبتدأ حبلٌ في جيدها، فالمبتدأ ﴿حَبْلٌ﴾ مرفوع بالضمة الظاهرة وهو مبتدأ مؤخر.
·        ﴿فِي جِيدِهَا﴾: جار ومجرور في محل رفع خبر مقدم، جِيد مضاف والهاء مضاف إليه، ﴿فِي جِيدِهَا﴾ خبر مقدم، ﴿حَبْلٌ﴾ مبتدأ مؤخر.
·       ﴿مِنْ مَسَدٍ﴾: جار ومجرور، وقيل في إعرابها أيضًا: ﴿وامْرَأَتُهُ مبتدأ،
·       ﴿حَمَّالَةَ﴾ خبر أول، ﴿فِي جِيدِهَا﴾ خبر ثاني هذا باختصار ما يتعلق بالإعراب.
........................................................................
نرجع إلى الآيات لنقف عند بعض النُكت البلاغية، والتفسيرية، والصرفية وغيرها.
هذه السورة العظيمة وهي سورةٌ مكية..
 سورة المسد لها مناسبةٌ بما قبلها وبما بعدها،
 فقبلها سورة النصر،
وبعدها سورة الإخلاص،
 وقبلها سورة الكافرون،
 سورة الكافرون هي أيضًا سورة إخلاص!
 فلما أخلص النبي -صلى الله عليه وسلم- لربه، وأخلص العبادة لربه، وتبرأ من عبادات الكافرين ومعبوداتهم كأنه قيل: فما جزاء من فعل ذلك، وتبع النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك؟
 قيل له: ﴿إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ﴾! يعني: الفتح والنصر والتمكين جزاءٌ لمن اتَّبع النبي الأمين -صلى الله عليه وسلم-.
 فإن قيل: فما جزاء من أعرض عن ذلك؟
 قيل له: ﴿تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ﴾ فثبتت مناسبتها بما قبلها.
أيضًا بعدها سورة الإخلاص وهي: ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ﴾ وهي بين سورتي الإخلاص؛
لأنَّ مدار السورة أيضًا يدور حول التوحيد لله -تبارك وتعالى-، وحتمية محق الشرك والمشركين.
نُكتةٌ أخرى:
 إذا قيل: لماذا لم تبدأ السورة بقُل كما في القلاقل الأربعة: ﴿قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ﴾،
 ﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ﴾،
لماذا لم يقُل قل تبت يدا أبي لهب؟
 معلومٌ سبب النزول النبي -صلى الله عليه وسلم- لما نزل عليه قوله تعالى: ﴿وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ﴾، فجمعهم وقام أبو لهب، وقال: ألهذا جمعتنا، والقصة معروفة ومشهورة تبًا لك سائر اليوم فنزل قوله تعالى: ﴿تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ﴾.
إذًا فالذي سُبَّ هو رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فتولى الله الدفاع عن نفسه بنفسه،
 لكن في ﴿قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ﴾ وفي ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ﴾ المشركون سبوا رب العالمين، صف لنا ربك أم من ذهبٍ هو أم من خشب أم من حجر صف لنا ربك فقال:
﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ﴾
 قالوا له: هلم فلنعبد إلهك ولتعبد آلهتنا، هذا سبٌ لرب العالمين، وإلزامٌ له بالشريك.
 فلما كان الطعن على رب العالمين كان واجبًا على النبي أنْ يدافع عن ربه، فقيل له: ﴿قُلْ﴾ لتكون أنت مدافعًا عن رب العالمين،﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ﴾﴿قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ ۞ لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ﴾، لكن لما كان الطعن موجهًا إلى ذات النبي نفسه تبًا لك تولى الله بنفسه الدفاع فقال: ﴿تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ﴾
 وليس من المناسب هنا أن يقول: قل تبت يدا أبي لهب؛
 لأنَّ الله بنفسه هو الذي دافع دفاعًا مباشرًا، ﴿إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا﴾[الحج:38] إنّ الله ينتقم لأوليائه كما يثأر الليث الحَرِب.
أيضًا فيها لفتةٌ أخرى:
 أنَّ الساب هنا هو عمه ورسول الله أُوتي الأدب العظيم الجم والخُلق الكريم، فلم يكن ليواجه عمه بمثل هذا السب المباشر يقول لعمه: تبًا لك ما كان هذا من خلق النبي أبدًا، فحسُن ألَّا يقول له قل لعمك تبت يداك، وإنما تولى الله ذلك بنفسه.
..............................................................................
﴿تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ﴾،
 ﴿تَبَّتْ﴾ التب هو الخسار والهلاك،
﴿فَمَا تَزِيدُونَنِي غَيْرَ تَخْسِيرٍ﴾ ﴿وَمَا زَادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ﴾،
 فالتب هو القطع من الخير، هو الهلاك، هو الخسار،
لكن هل هو هلاكٌ عادي وخسارٌ عادي؟
الجواب: لا، وكلا بل هو هلاكٌ لا أمل في الخير معه أبدًا،
 هلاكٌ لا ينقطع، هلاكٌ مستمر؛ لذلك لم يصلح في هذا الموضع إلا ﴿تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ﴾ ولم يصلح هلكت يداه، ولا خسرت يداه، ولا بارت يداه لا يصلح إلا التب.
 وإن كان هو بمعنى الخسار كما قلنا: ﴿فَمَا تَزِيدُونَنِي غَيْرَ تَخْسِيرٍ﴾[هود:63]
 ﴿وَمَا زَادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ﴾[هود:101]،
 الخسران والتباب المعنى قريب لكن هيهات أن يترادفا، في هذا الموضع أبو لهب على وجه الخصوص لا أمل في رجوعه، قد حكم الله حكمًا مبرمًا؛ لأنَّه الهالك قد يعفو الله عنه،
لكن الذي تبَّ انقطع من كل خير، فهي من مقلوبها التب هو البت القاطع،
فلا يحسُن في كتاب الله -عز وجل- من أوله إلى آخره أنْ توضع كلمة مكان كلمةٍ أخرى وتؤدي نفس المعنى مستحيل، وهذا من إعجازٍ مفرداته.
﴿تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ﴾  هل هناك فرقٌ بين ﴿تَبَّتْ يَدَا﴾ ﴿وَتَبَّ﴾ ﴿تَبَّتْ يَدَا﴾ يعني: تبَّ هو، ﴿وَتَبَّ﴾ يعني: تبَّ هو،
فهي من باب التأكيد هذا قول،
﴿تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ﴾ هي نفسها هلك أبو لهب ﴿وَتَبَّ﴾.
    القول الثاني: أن اليد مقصودة لحقيقتها؛ لأنه حاول إيذاء النبي بيديه، وحاول أْن يضربه بالحجارة فنزلت تبت يداه وتب هو، فتكون من باب ذِكر العام بعد الخاص، وتبَّ هو بعد أن تبت يداه،
وقيل: ﴿تَبَّتْ يَدَا﴾ يعني المقصود: عمله، ﴿ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ﴾[الحج:10]
 فاليد تأتي كناية عن العمل يعني؛ هلك عمله، وهلكت نفسه.
وقيل: الأول: دعاءٌ عليه،
 والثاني: خبر،
 دعاءٌ عليه بالهلاك كقوله تعالى: ﴿وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ﴾[المطففين:1] هذا دعاء؛
شخص يقول لك: هو ربنا يدعو؛ لأن القائل هو الله تبت يداه هذا دعاء منْ يدعو؟
 لا، هذا جاء على صورة الدعاء، والله -عز وجل- لا منجى منه إلا إليه،
 فالله -عز وجل- هو الذي يحكم لا مُعقب لحكمه،
 لكن جاء على صورة الدعاء ﴿تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ﴾ دعاء ﴿وَتَبَّ﴾؛ يعني وقد فعل، فالأولى دعاء إنشائي،
 والثاني: خبر.
أبو لهب كنية عبد العُزى بن عبد المطلب،
 وليس في القرآن كنية إلا هذه الكنية،
والله -عز وجل- ذَكر فرعون، وذَكر هؤلاء بألقابهم أو بأسمائهم لكن لم يذكر الكنية حتى الأنبياء ذكر الله -عز وجل- أسمائهم،
فقد يُشكل ويُقال: هذا من قبيل التعظيم كيف يُعظَّم أبو لهب!
 ويُقال: أبو لهب لماذا لم يُذكر باسمه الصريح؟
الجواب: أنَّ الغالب في كتاب الله -عز وجل- ألَّا يذكر الأسماء أصلًا؛
لأنَّ القرآن صالحٌ لكل زمانٍ ومكان، فالعبرة بالعمل، والعبرة بالحدث، والعبرة بالقصة والموعظة، وتتجاوز الأسماء،
لكن إذا دعت الضرورة للذِكر فيذكر فرعون باعتبار وظيفته، أنه فرعون أنه هو رئيس المصريين في زمن من الأزمنة وهكذا فيُذكر باعتبار لقبه (العزيز) عزيز مصر،
ليست هذه أسماء وإنما هذه ألقاب.
لكن أبو لهب لما كان اسمه عبد العُزى فما كان الله -عز وجل- ليُعبِّد لغيره في كتابه،
أنْ يقول: تبت يدا عبد العُزى، ويذكره بالعبودية لغير الله، اسمه عبد العُزى يُعدل من الاسم المعبد لغير الله إلى الكنية.
 القول الثاني: إنّ أبو لهب هو اسمه أبو لهب، فهذا من باب التسمية وليس من باب التكنية.
القول الثالث: أنَّ الاسم أشرف من الكُنية؛ لأنَّ الله -عز وجل- نادى أنبياؤه بأسمائهم، ولم يُناديهم بكُناهم، فانتقل الله -عز وجل- معه من الأعلى إلى الأدنى فناداه بأنقص التسميتين وهي الكنية.
 وقيل: أراد الله -عز وجل- المجانسة بين اسمه وعقوبته هو أبو لهب ﴿سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ﴾، فليحدث الجناس بينهما.
................................................................................
﴿تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ ۞ مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ﴾
قلنا: ﴿مَا﴾ تحتمل أنها استفهامية؛
 يعني ما الذي أغناه عنه ماله؟ وما الذي أغناه عنه كسبه؟
 وقيل: الكسب هو الولد،
 والاستفهام هنا إنكاري؛ يعني بمعنى النفي؛ يعني لم يُغن عنه ماله، ولم يُغن عنه كسبه،
ولم يُغني عنه ولده من أي شيء من التباب والهلاك.
فإنَّ العرب يأنفون أن تأتي لرجل سيد قومه، وتقول: هلكت وتبًا لك،
فعندئذٍ يتعزز بشرفه، وقومه، وعشيرته، وماله، وولده،
فالله -عز وجل- قد واجهه بالخسران الأكبر، وأعاده عليه وكرره، ﴿تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ﴾ فما الذي تصنع يا أبا لهب، هنا الموقف الطبيعي أنه يتعزز بماله وولده،
فجاءت المصيبة الكبرى أنه مخزولٌ حتى من ماله وولده!!
 سواءً قلنا: أن هذا نفي أو استفهام؛
 لأنّ الاستفهام هنا أيضًا بمعنى النفي،
﴿مَا أَغْنَى﴾ نفي أو ما الذي أغناه يعني لم يغنيه شيئًا،
﴿مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ ﴿عَنْهُ﴾ مقدمة على ﴿مَالُهُ،
والأصل الترتيب الطبيعي: ما أغنى ماله عنه، لكن تأمل النسق القرآني والترتيب القرآني لو قُرأت (ما أغنى ماله عنه)، ليس هذا بقرآن،
 وكأن الحروف في القرآن قد رُصت بجنب الحروف الحرف في كلمته، والكلمة في جملتها، والجملة في آياتها، والآية في سورتها لا يمكن أن يُبدَّل حرف مكان حرف ،مستحيل ،
وإلا لم يعد هذا هو القرآن الذي أسر قلوب العرب وهم أهل الفصاحة والبلاغة والبيان
حتى كانوا يتلصصون لسماع القرآن الكريم.
يأتون في جنح الظلام يستمعون إلى هذا الكلام الذي لا نظير له وهم يعلمون الشعر، وأوزانه، وقريضه، ومع ذلك تأخذهم العنجهية والكِبر فلا يؤمنون،
يلتقون في منتصف الطريق ما الذي أتى بك إلى هنا، فيتعاهدون ويتعاقدون ألَّا تعودوا لمثل هذه!
 وفي اليوم الثاني في جُنح الظلام يتسلل الثلاثة ويتقابلون في الطريق !!
أي شيءٍ جذبهم؟ أي شيءٍ شدهم؟ أي شيءٍ أسرهم؟
 بلاغة القرآن التي لا نظير لها
«إِنَّ لَهُ لَحَلاوَةً، وَإِنَّ عَلَيْهِ لَطَلاوَةً، وَإِنَّ أَعْلاهُ لَمُثْمِرٌ، وإن أسفله لمغدق، وَإِنَّهُ لَيَعْلُو ولا يُعْلا عليه، وَأَنَّهُ لَيَحْطِمُ مَا تَحْتَهُ»
 هذه الكلمات العظيمة تحتاج الآن إلى تفسير!!
 ما هي الحلاوة التي في القرآن؟ ما هذه الحلاوة؟ ما الطلاوة؟ ما هذه؟ هذه الكلمات هم يعرفون معناها.
﴿مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ مقاطع الصوتية ورص الحروف باعتبار مخارج الحروف، وصفات الحروف الصفات، والمخارج، والأصوات،
والمقاطع تجد أنّ في كأنه يُلامس أشياء في القلب هي في أعماق النفس؛
 يعني أنت لو في مكان مثلًا حائط ناقص موضع لبنة، أو أنت في جهاز معين يحتاج مسمار، فيجي المسمار يوضع في مكانه، اللبنة في موضعها على المقاس تمامًا،
قلب بني آدم نفس الشيء،
 فيه مشاعر وأحاسيس، والذي خلق القلب هو الذي أنزل هذا القرآن،
كل موضع في القلب له ما يملؤه  ويسد خلله وثغراته تماماً،
 فتجد القرآن لما ينزل الحروف تلتئم في مكانها! كأنه قد أعد لها قبل ذلك على مقاسها!
وهذا من إعجاز القرآن العجيب، «إِنَّ لَهُ لَحَلاوَةً» ليست خاصة بالعرب،
وأمر هذا مشاهد .
اقرأ القرآن على رجل أعجمي لا يعرف اللغة العربية، واقرأ عليه الشعر أو غناء أو أي شيء، تجد أنه يتأثر بالقرآن وهو لا يعرف معناه؛ لأن الله -عزَّ وجلَّ- جعله قرآنًا للعالمين ليس للعرب فقط.
وبالتالي جعل فيه معجزات إلى يوم القيامة تظهر للعرب ولغير العرب،
فتجد الإحساس، ما هو الإحساس وهو لا يفهم المعنى؟
 أصوات الحروف، المقاطع، هذه الأشياء الصوت نفسه له مكان في القلب،
سبحان من أنزل هذا القرآن ﴿قُلْ أَنزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ﴾[الفرقان:6].
﴿مَا أَغْنَى عَنْهُ﴾ ولم يقل: (لم يُغني)!
( يغني) فعل مضارع يدل على التجدد،
فهذا أبو لهب تب؛ يعني القطع المحكم، المبرم، المستمر، فلا يصح الفعل المضارع،
 فعل مضارع تجدد، لكن هذا ﴿مَا أَغْنَى نفي الماضي الذي لا رجعة فيه.
ثم لم مقطع قصير، مغلق صامت –كما يقول علماء الأصوات-،
 لكن ﴿مَا بامتدادها تدل على طول النفي كما سبق معنا في سورة الكافرون ﴿لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ﴾، ﴿مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ﴾.
﴿سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ﴾، ﴿سَيَصْلَى﴾
 الصلي أنّ النار تحيط به من جميع الجهات؛ يعني يغرق في النار عياذًا بالله، ﴿سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ﴾ وهو اسمه أبو لهب ﴿سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ﴾.
في هذا الموضع لم يقل:
سيصلى جهنم وبئس المصير، مع أنّ جهنم مذكورة في القرآن، النار مذكورة في القرآن، الحريق مذكورة في القرآن، السعير مذكورة في القرآن، لا،
﴿ذَاتَ لَهَبٍ﴾ للجناس بين أبي لهب و ﴿سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ﴾ هل الجناس كالجناس في الشعر؟
يعني حلية لفظية وتزيين للكلام؟
 أبدًا، الجناس في القرآن يختلف تمامًا عن الجناس في الشعر وفي الكلام العادي، وفي الجناس في النثر مثلًا، وفي السجع، أبدًا؛
لأن هنا -كما قلنا- يخاطب القلوب، ويخاطب أعماق النفس السحيقة.
 ﴿سَيَصْلَى نَارًا التنوين يدل على التعظيم والتفخيم، والتنكير يدل على التهويل ﴿سَيَصْلَى نَارًا ولم يقل: النار، النار المعهودة يحيلك إلى الصفات في مواضع أخرى، لكن ﴿نَارًا تدل على التبشيع والتهويل كأنها نار مجهولة، كأنك لم تسمع بها، مع إنها معروفة للتهويل، التنوين والتنكير أيضًا.
   ﴿سَيَصْلَى ولم يقل: سوف يصلى،
 (سوف) غير ﴿سَيَصْلَى تعجيل بالعقوبة،
 السين أقرب من سوف ،سوف يصلى،
 هذا الكلام أنت طبعًا لا تقف عنده في لحظات، فهو قذائف سريعة تمرق إلى القلب، وهو فاتح فمه فقط؛
 يعني الكافر لما كان ينزل عليه هذا الكلام كان يشعر أهل الإحساس باللغة؛ يعني يعرف الفرق بين السين وسوف، يشعر بذلك الفرق ويحس به لأنه يخاطب وجدانه!
 نحن لا نعرف الفرق بين السين وسوف، إلا أنّ سوف أطول في التنفيس من السين.
لكن بلاغة القرآن وروعة القرآن أنك قد تشعر بالمعنى بدون أنْ تعرف المعنى العقلي؛
 يعني المعنى الذوقِ، المعنى الإحساس والمشاعر، تجد الكلام داخل في القلب بلا حواجز ولا عوائق، وأنت لم تفكر ما الفرق بين السين وسوف،
﴿سَيَصْلَى لكن (سوف يصلى نارًا) تجد  ليس فيها هذه القوة.
ولذلك بعض أهل العلم يقول: انظر، براعة الاستهلال في السورة ﴿تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ﴾ مقاطع قصيرة مغلقة، ﴿تَبَّتْ﴾ غير هلكت،
 هلكت يعني : وبارت، وخابت، وخسرت، لا يوجد فيها القوة مثل  ﴿تَبَّتْ﴾
 التشديد الذي في الباء،
والباء نفسها أصلًا حرف انفجاري....إلخ
 يعني الذي خلق جهنم وأعدها لأمثال أبي جهل هو الذي أنزل القرآن.
الباء المشددة لها معنى
 ﴿تَبَّتْ﴾ بالتاء
﴿تَبَّتْ﴾ بالسكون
 ﴿وَتَبَّ﴾ يعاد ذكرها
 والباءات ﴿تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ﴾
هذه الباءات المتلاحقة ما جاءت عشوائية، الباء لها حس، لها دور في المعنى ما هو؟
 الله أعلم، وما زال أهل العلم يستنبطون ويحللون،
 وهذا من عمق اللغة أنّ هذه الحروف لها معنى كبير يخاطب النَّاس من حيث لا يشعرون.
مثلًا قول الله تعالى: ﴿مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ﴾[التوبة:38]؛ يعني تكاد تصور المعنى بدون أن تعرف ﴿اثَّاقَلْتُمْ﴾ واحد يُدعى للجهاد وأنت تشده من يده وهو يثقل في نفسه لأسفل.

قال تعالى: ﴿سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ﴾[المسد:3]،
﴿سَيَصْلَى قُرأت أيضًا ﴿سيُصْلَى﴾، وقُرأت ﴿سيُصَلى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ﴾.
·       ﴿سَيَصْلَى: الفاعل مستتر تقديره هو؛ يعني أبو لهب.
·        ﴿سيُصْلَى﴾: الفاعل هو الله -عزَّ وجلَّ- وأبو لهب: مفعولٌ به.
·       و﴿نَارًا﴾: مفعولٌ به ثانٍ.
  ﴿سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ ۞ وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ﴾[المسد:3،4].
·       ﴿امْرَأَتُهُ﴾: جاءت هنا بهذا اللفظ.
 وكان من الممكن أنْ يُقال: وزجته حمالة الحطب،
 أو حمالة الحطب، لكن لمنْ تأمل دقة المفردة في كتاب الله -عزَّ وجلَّ- علّم أنه لا سبيل إلى ذلك البتة أنْ تقوم كلمة مقام كلمةٍ أخرى في سياقها، وتؤدي نفس الغرض ونفس المقصود بنفس الكفاءة والدقة
يعني ممكن في الجملة امرأته هي زوجته من باب التقريب، لكن في إحكام اللفظ القرآني هذا لا وجود له، مَنْ نظر في كتاب الله -تبارك وتعالى- رأى أنّ الزوجة تُطلق في باب المدح، وفي باب تمام الموافقة.
﴿وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا﴾[النساء:1]،
وأخبر الله -عزَّ وجلَّ- عن نساء الجنة أنهم ﴿لهم فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ﴾[البقرة:25]،
 فتجد الزوجة تُستعمل في كتاب الله -عزَّ وجلَّ- في مقام المواءمة الكاملة بينها وبين زوجها موافقة تامة؛ يعني كما يُقال: شريكة حياته، أو شقيقة روحه ؛
لأنها خُلقت منها ﴿وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا﴾[النساء:1].
أما المرأة فأصل كلمة امرأة: قائمة على الاستقلال، هذه امرأة وذاك رجل،
 فكلمة امرأة أصلًا في أصل وضعها لا تدل على الزوج أصلًا، امرأة ممكن تبقى امرأة غير متزوجة أصلًا امرأة، لكن زوجة الكلمة فيها جينات الزوجية، أو الإشارة إنّ في زوج زوجة.
كما وصف الله -عزَّ وجلَّ- امرأة فرعون؛
لأنه لا يوجد موافقة بين امرأة فرعون وبين فرعون، امرأة نوح، امرأة لوط،
حتى إذا كانت المرأة عاقرًا،  ﴿وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ﴾[آل عمران:40]؛ لأنّ كذلك كونها عاقر يخدش كمال الزوجية، ﴿وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ﴾[هود:71] وهكذا تجد إنّ استعمال القرآن للمفردات استعمالٌ في غاية الدقة والحساسية التي لا تُطيقها عقول البشر،
 لكن عند التأمل تلاحظ الفرق.
لا يمكن أنْ يُقال: زوجة أبي لهب، كيف وهي التي تحمل عليه الحطب، وهي كانت سببًا في هالكه وكان سببًا في هالكها؟
فاستعمال كلمة امرأة ﴿وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ﴾[المسد:4]
فيها دقة متناهية،
 فبأي حديث بعده يؤمنون ؟!!
·       ﴿وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ﴾: أعني حمالة، يعني مفعولٌ به لفعلٍ محذوف،
·        لكن هذا رفضه جماعةٌ من أهل العلم إنّ المقصود: الذم وليس المقصود فقط أنها مفعولٌ به، بل هي منصوبة على الذم، أذمُ حمالة الحطب، أو على الحال حالة كونها حمالة الحطب.
·       ﴿حَمَّالَةَ: فعالة صيغة مبالغة يشترك فيها المذكر والمؤنث،
·       يُقال: رجلٌ علامة وامرأةٌ علامة، رجلٌ فهامة وامرأةٌ فهامة، كذلك حمالة رجلٌ حمالة وامرأةٌ حمالة، لكن السياق هنا من المقيدات، المعنى السياقِ قد يحدد بعض هذه المعاني اللغوية.
إذًا المقصود حمالة للتأنيث؛ لأنّ المقصود هي أم جميل امرأة أبي لهب.
﴿وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ﴾
في قراءة ابن كثير ﴿حَمَّالَةَ الْحَطَبِ﴾، لم يقل: حاملة الحطب، لم يقل: الحطابة، هذا أيضًا من دقة استعمال القرآن للمفردات؛ لأنّ الحطاب أو الحطابة هو منْ يأخذ أجرٌ على جمع الحطب وظيفته يتكسب منها، لكن لم تكن تتكسب، وإنما كانت تحمل الحطب حقيقةً لوضعه في طريق النبيّ صلى الله عليه وسلم.
أو أنها تحمل حطب العداوة بين الناس، امرأة نمامة،
 فـ ﴿الْحَطَبِ﴾ هنا كنايةٌ عن نار الحرب والعداوة التي تُسعرها بين الناس،
أو ﴿حَمَّالَةَ الْحَطَبِ﴾ يعني: حمالة الذنوب.
·       ﴿وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ﴾: معطوف على أي شيء؟
 كما قلنا: ﴿سَيَصْلَى ﴿وَامْرَأَتُهُ﴾ فامرأته تصلى كما يصلى هو، أو الجملة ابتدائية.
·        ﴿وَامْرَأَتُهُ﴾: مبتدأ، فأبو لهب يصلى نارًا ذات لهب،
والبداية استئناف جملة جديدة ﴿وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ﴾،
أو حمالة ويكون الخبر ﴿وَامْرَأَتُهُ﴾ ﴿فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ﴾
﴿فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ﴾[المسد:5]،
 ﴿فِي جِيدِهَاالجيد هو: العنق الرقبة، والقرآن جاءت فيه ألفاظٌ شبيه بهذا المعنى ﴿إِذِ الأَغْلالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَالسَّلاسِلُ يُسْحَبُونَ﴾[غافر:71] في أول يس أيضًا.
﴿فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلالًا﴾[يس:8]،
 لكن هنا: ﴿فِي جِيدِهَا﴾
العنق في القرآن يُذكر في مقام الذم والعذاب والألم،
والجيد ذُكر في هذا الموضع الوحيد،
والجيد في لغة العرب: يُطلق على المرأة أكثر، وهو في مقام الحلي أكثر، والزينة أكثر، فكأنه جاء هنا للتهكم!
 يعني من عادة المرأة أنْ يتحلى جيدها بالحلي والجواهر، لكن ما حليت جيد امرأة أبي لهب؟
 هذا هو حَليها، وهذا هو حُليها.
 ﴿حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ﴾ فجاء على طريقة التهكم؛ لأنّ كلمة الجيد تُستعمل في المدح،
 كقوله تعالى متهكماً من المشرك: ﴿ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ﴾[الدخان:49].
أيضًا من هذا الباب قوله: (أبو لهب) أيضًا !
قيل: سُمي أبا لهب لجمال وجه ولاحمراره، حتى كأنه يكاد يلتهب من الإشراق والجمال، لكن هذا ليس دائمًا، فما أقصر عمر هذا الجمال الذي مصيره إلى نارٍ ذات لهب، فيكون القرآن قد تهكم بهما بأبي لهب و امرأته حمالة الحطب.
  ﴿فِي جِيدِهَا حَبْلٌ﴾
·       ﴿حَبْلٌ﴾: مبتدأ مؤخر.
·       ﴿فِي جِيدِهَا﴾: خبر مقدم ،
·       سر التقديم ﴿فِي جِيدِهَا حَبْلٌ﴾  ولم يقل (حبل في جيدها)يعني: الحبل في جيده)، ليس في أي موضعٍ آخر، بل في موضع الزينة،
وهذا فيه إهانة أكثر من أي موضعٍ آخر كالكلاب -أعزكم الله- أو البهائم التي تُقاد بحبلٍ في رقبتها، وتُجر به جرًا.
ثم تأمل الحرف العجيب ﴿فِي﴾ ولم يقل: (على) والحلي يكون على الجيد،
لكن ﴿فِي﴾ تدل على هذا المعنى الذي أشار إليه ربنا -تبارك وتعالى- لما ذَكر عن فرعون قال: ﴿وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ﴾[طه:71].
 ولم يقل: (على) مع أنّ ﴿فِي﴾ هنا بمعنى على، ﴿فِي جُذُوعِ النَّخْلِ﴾ يعني: على، لكن لشدة التوثيق كاد أنْ يُدخل الرجل في جذع النخلة.
كذلك هنا: ﴿فِي جِيدِهَا حَبْلٌ﴾ يشير إلى شدة الوثاق، وتمام الاختناق، والتضييق، وفيه من الألم ومن العذاب ومن الإهانة ما فيه لمرأة أبي لهب ولزوجها.
لأنّ المعلوم عند العرب: أنّ الرجل يُفدي عرضه بنفسه وبماله.
أصونُ عرضي بمالي لا أبدده


لا باركَ الله بعد العرضِ في المالِ

لا يسلم الشرف الرفيع من الأذى


حتى يُراق على جوانبه الدم

ففي تمام إهانة أبي لهب في التصعيد في بيان عقوبته،
أبو لهب سيد قومه ﴿سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ﴾، وقبلها ﴿تَبَّتْ يَدَاه ﴾ وتب هو.
إذًا هذا يدل على كمال الاقتدار كمال القدرة.
ثم بعد ذلك لا أغنى عنه ماله ولا ولده، ثم عرضه وزجته التي ينبغي أنْ يُدافع عنها ﴿فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ﴾، ثم هي ﴿حَمَّالَةَ الْحَطَبِ﴾ وهو أبو لهب،
وبين الحطب وبين اللهب غزل بينهم غزل!
النار والبنزين، النار والحطب، فهي ﴿حَمَّالَةَ الْحَطَبِ﴾
كأنّ هذا اللفظ اختير لبيان مصير صحبة السوء، فلما كانت مُعينةٌ له على إيذاء النبيّ -صلى الله عليه وسلم-  كانت مُعينةٌ له في الآخرة على شدة العذاب، فهو ذو اللهب، بل هو أبو اللهب.
حتى قيل: إنّ القرآن جاء بلفظ ﴿أَبِي لَهَبٍ﴾ للإشارة إلى هذا المعنى أنه أبو اللهب، يعني كأنه خُلق للنار، ومن أجلها خُلق، هذا اللهب وبتحريك اللام لَهب،
 انتبه، هذه في القراءات  ﴿تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهْبٍ وَتَبَّ﴾[المسد:1]
في قراءة ابن كثير المكي؛ بتسكين الهاء  ﴿لَهْبٍ﴾.
 لكن ﴿سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ﴾ عند الجميع بالتحريك!
 وهذه في لهجات العرب تسكين الوسط مثل:
 نهْر ونهَر، شعْر وشعَر، لهْب ولهَب،
 وعندهم أيضًا لهِب في لغة في لهَب.
خبيرٌ بنو لِهْبٍ، فلا تكُ مُلغياً


مقالةَ لِهْبيٍ إذا الطير مرَّتِ

 فيقولون: لهِب، ويقولون: لهْب، ويقولون: لهَب،
 لكن في النار: ﴿سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ﴾ هذا عند الجميع بتحريك الوسط.
﴿فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ﴾
المسد هو الفتل، شيء مفتول، ما هو المفتول؟
 ليف، مسد الحديد مفتول من حديد من لحاء الشجر، مفتول من شيء ما،
 وهذا فيه كما يقول علماء اللغة المعاصرون أو علماء البلاغة: فيه الاختزان،
كلمة تختزن معانٍ كثيرة، فكلمة المسد مفتول من ماذا؟
 من ليف ،
من جلد الإبل،
 من الحديد،
 من النار،
كل هذا محتمل،
هكذا اللفظ الواحد يختزن معان كثيرة محتملة ،
 فكيف حبل في الليف وفي النار؟!
فهو نفسه حي لا يموت فيها، فأنت تقول: كيف النار لم تُحرق الليف،
والجواب: أنه هو نفسه حي فيها، والحيات والعقارب، فالنار ليست كنار الدنيا،
 والله -عزَّ وجلَّ- قدر فيها أنْ يُعذب هؤلاء بما اختاره الله لهم، ﴿فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ﴾ فيها هذه المعاني.
..........................................................................
لو نظرنا أيضًا إلى الفواصل التي جاءت في هذه السورة:
 وهي الباء: ﴿تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ﴾ الباء المشددة.
والدال في آخر آية (مسد)،
طبعًا الفاصلة التي هي الكلمة الأخيرة من الآية،
وفواصل القرآن فيها من الإعجاز ما فيها، وإلى الآن العلماء يبحثون ويؤكدون ويقررون أنّ هذه الفواصل جاءت في مكانها تمامًا بحروفها ووزنها وترتيبها،
ولا يمكن أنْ يقوم في مقامها شيءٌ آخر.
فنجد أنّ الباء قد تناسبت مع فاصلة السورة التي قبلها ﴿إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ ۞ وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا ۞ فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا﴾ ختمت الباء.
فقال تعالى: ﴿تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ﴾ إلى قوله: ﴿فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ﴾،
 ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ﴾!
فالدال في آخرها مناسبة بالفاصلة التي بعدها، والباء في أولها مناسبة للتي قبلها.
لكن الفرق:
 ﴿إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا﴾ الباء مفتوحة في سورة النصر؛ قالوا :لأنها تتحدث عن النصر، عن جزاء مَنْ يتبع النبيّ -صلى الله عليه وسلم- فكان المناسب المد والفتح؛ لأنّ الفتح يُناسب النصر والسعة والامتداد واللين ﴿إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا﴾.
لكن القمع والزجر والتبكيت يناسبه الإسكان، (وتبّ )مع التشديد والتسكين
﴿مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ﴾.
حتى قالوا: إنّ الباء المقلقلة فيها سر، وفيها علة!
 ومنْ نظر إلى أنّ هذا من خصائص لغة العرب أصلًا، وعلم أنّ الله -عزَّ وجلَّ- وضع في كتابه حكمًا تتجلى شيئًا فشيئًا، ولا تنتهي إلى قيام الساعة، وأنّ هذا الكتاب لا تنقضي عجائبه، ونظر مثلًا في سورة الإخلاص: ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ۞ اللَّهُ الصَّمَدُ ۞ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ ۞ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ﴾
توحيد الفاصلة لتوحيد موضوع السورة، السورة تتكلم عن التوحيد.
الناس تتكلم عن الاستعاذة بالله من شر الوسواس الخناس:
﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ۞ مَلِكِ النَّاسِ ۞ إِلَهِ النَّاسِ﴾
يكاد يكون كلمة ناس مكررة في جميع الفواصل، هذا له معنى.
في سورة الفلق:
   ﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ۞ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ ۞ وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ﴾
القاف والباء المقلقلة، ثم قال: ﴿وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ ۞ وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ﴾
تجد أن في سورة الفلق فيها ثلاث فواصل:
 القاف، والباء، والدال،
لو نظرت في موضوع السورة تجد ثلاثة:
1. الاستعاذة بالله من ﴿ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ﴾.
2. ﴿شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ﴾
3. ﴿وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ﴾.
وهذا هو التفصيل بعد الإجمال ﴿مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ﴾، ثلاث فواصل والسورة تتكلم عن ثلاث موضوعات!!
إذًا هذا  قد يكون قريبًا، و العلماء يحومون حوله، لكن لا ينبغي أنْ يُوصد الباب ويُقال: هذا علمٌ لم يتكلم فيه السلف، بل أومأوا وأشاروا إلى هذه الحلاوة، هذه الرتابة، هذا التغني بالقرآن، هذا الترنم بالقرآن، هذا الأمر كيف يكون؟ فهم كانوا يفهمونه ويحسونه.
هم يشعرون به، الآن أنت لا تستطيع تشعر به؛ لأنك أعجمي،!
كيف الحل؟ الدراسة والتحليل، قد يوصلنا إلى شيءٍ من هذا.
أيضًا ورد في السورة التأديب والتهذيب أنّ الله -عزَّ وجلَّ- كما قلنا لم يبدأها بـ(قل): ﴿تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وحتى مع  ﴿حَمَّالَةَ الْحَطَبِ﴾
ومع أبي لهب وما توعدهم الله -عزَّ وجلَّ- به في النار كانت الكلمات واضحة ليس فيها إسفاف، وليس فيها بذاءة إطلاقًا، وهذه عادة القرآن وطريقة القرآن حتى في الرد على الكفار.
﴿تَبَّتْ يَدَا يعني: يصف الكفار بما يصنعون،
 ثم يقول: ﴿لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنفُسُهُمْ﴾[المائدة:80]،
﴿بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ﴾[البقرة:93] هنا قال  بئس!
فلغة القرآن في مسألة التأديب وتأديب نبيه -صلى الله عليه وسلم- على وجه الخصوص ينبغي أنْ يُستفاد منها.
مسألة الاختزان -كما قلنا-
إنّ التب يدل على الخسار والهلاك، لكن بمعنى آخر وهو: أو بزيادة الاستمرار، وعدم الانقطاع،
كلمة المسد وما حملته فهذا أيضًا فيه ما يُسمى بالاختزان.
اسم المرأة في القرآن لم يتعرض لذكر أم جميل، وهذه طريقة القرآن لم يذكر اسم امرأةٍ قط إلا مريم،
ولماذا ذكرها؟ لأنه أصلًا ليس لها زوج، يعني ﴿اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ﴾[التحريم:11]،
﴿اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَاِمْرَأَةَ لُوطٍ﴾[التحريم:10]
﴿امْرَأَتُهُ﴾[المسد:4] امرأة أبي لهب، لكن مريم ليس لها زوج.
فلذلك ذُكرت مريم -عليها السلام-
يعني من عادة القرآن ألا يذكر اسم المرأة؛ لأنّ لا حاجة لذكرها في ذلك.
·       ﴿وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ﴾ أيضًا هذه السورة تُعد معجزةً مستقلة؛
لأنّ الله -عزَّ وجلَّ- أخبر فيها خبرًا غيبيًا بتباب أبي لهب وامرأته، وأنّ ماله لن يغني عنه، وأنّ ولده لن يغني عنه، وأنه سيصلى نارًا ذات لهب، وأنه سيموت على الكفر، وهو مات على الكفر بعدها بعشر سنوات،
 فكانت معجزةً قائمةً بذاتها على صدق النبيّ صلى الله عليه وسلم.
سبحانك اللهم وبحمدك، نشهد أنّ لا إله إلا أنت،
نستغفرك ونتوب إليك، والله تعالى أعلم.
وكتبه
أبو طارق
محمود بن محفوظ





=====================================
|| إعراب قصار السور.. فوائد نحوية، وصرفية ،وبلاغية، وتفسيرية ||
#برنامج_مجالس_رمضان1439
-------------------------------
||إعراب وفوائد من سورة الفاتحة||
|http://mahfoouz.blogspot.com/2018/06/blog-post.html|
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

|| إعراب وفوائد من سورة القدر ||
|http://mahfoouz.blogspot.com/2018/06/blog-post_6.html|
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
|| إعراب وفوائد من سورة العصر ||
|http://mahfoouz.blogspot.com/2018/06/blog-post_70.html|
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
|| إعراب وفوائد من سورة الفيل ||
|http://mahfoouz.blogspot.com/2018/06/blog-post_12.html|
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
|| إعراب وفوائد من سورة قريش ||
|http://mahfoouz.blogspot.com/2018/06/blog-post_14.html
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
|| إعراب وفوائد من سورة الكوثر ||
|http://mahfoouz.blogspot.com/2018/06/blog-post_5.html|
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
|| إعراب وفوائد من سورة النصر ||
|http://mahfoouz.blogspot.com/2018/06/blog-post_79.html|
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
|| إعراب و فوائد من سورة المسد ||
|http://mahfoouz.blogspot.com/2018/06/blog-post_1.html|
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
|| إعراب وفوائد من سور القلاقل الأربعة ||
|http://mahfoouz.blogspot.com/2018/05/blog-post_28.html|
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـفضيلة الشيخ أبي طارق محمود بن محفوظ
ـ| http://cutt.us/rVWPV

شاركه على جوجل بلس

عن الكاتب العلوم الشرعية

    تعليقات بلوجر
    تعليقات فيس بوك

0 التعليقات:

إرسال تعليق