.{ أهمية دراسة (توحيد الأسماء والصفات) }


أهمية دراسة (توحيد الأسماء والصفات)

بسم الله الرحمن الرحيم
إن أعظم نعيم يتمتع به أهل الجنة النظر إلى وجه ربهم الكريم ، في دار كرامته ، ومستقر رحمته ، لا يعادله نعيم ، ولا يدانيه فضل ، كما أن أعظم نعيم في هذه الحياة الدنيا حب الله – عز وجل- والتعرف عليه بأسمائه الحسنى ، وصفاته العلى ، والأنس به والشوق إلى لقائه ، وهذا لا يتأتى ولا يتحصل إلا بالتعرف عليه – سبحانه وتعالى- من خلال ما وصوف به نفسه ، أو وصفه به رسوله- e- وقد جمع النبي - e- بين هذين النعيمين في دعائه حيث قال : (وأسألك لذة النظر إلى وجهك الكريم ، والشوق إلى لقاءك" (1)
وهل يشتاق العبد إلى من لا يعرفه ؟! وهل يتوق إلى لقاء من يجهل صفاته وأفعاله؟
إن من فضل الله ورحمته بعباده أن جعل أول واجب عليهم توحيده وعبادته بكل أنواع العبادة كما قال تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) [الذاريات :65].
والعبادة هي غاية الحب مع غاية الذل ، ولن يتحقق ذلك إلا بالتعرف على آلاء الله عز وجل (وهو توحيد الربوبية ) ، والتعرف على أسمائه وصفاته وهو ( توحيد الأسماء والصفات) تأمل قوله تعالى:( اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ  يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا ) الطلاق: 12.
 قال السعدي- رحمه الله-:
أخبر – تعالى – أنه خلق الخلق ؛ من السماوات السبع ومن فيهن وما بينهن ، وأنزل الأمر وهو الشرائع والأحكام الدينية التي أوحاها الله إلى رسله لتذكير العباد ووعظهم وكذلك الأوامر الكونية والقدرية التي يدير بها الخلق ، كل ذلك لأجل أن يعرفه العباد ويعلموا إحاطة قدرته بالأشياء كلها ، وإحاطة علمه بجميع الأشياء ، فإذا عرفوه بأوصافه المقدسة ، وأسمائه الحسنى ، عبدوه وأحبوه وقاموا بحقه ، فهذه الغاية المقصودة من الخلق والأمر ؛ معرفة الله وعبادته ، فقام بذلك الموفقون من عباد الله الصالحين، وأعرض عن ذلك المعرضون الطالحون " انتهى.

وقال الطاهر بن عاشور – رحمه الله- في هذه الآية:
والمعنى أن مما أراده الله من خلق السماوات والأرض أن يعلم الناس قدرة الله على كل شيء ، وإحاطة علم الله بكل شيء ، لأن خلق الله تلك المخلوقات العظيمة وتسخيرها وتدبير نظامها في طول الدهر يدل أفكار المتأملين على أن مبدعها يقدر على أمثالها فاستدلوا بذلك على أنه قدير على كل شيء ... وأيضاً فإن تدبير تلك المخلوقات بمثل ذلك الإتقان المشاهد في نظامها دليل على سعة علم مبدعها وأحاطته بدقائق ما دونها وأن من كان بتلك المثابة لا يظن بعلمه إلا أحاطته بجميع الأشياء [ التحرير والتنوير 11/34 ].
وتأمل كيف بدأ القرآن العظيم والسبع المثاني بالأصول من الأسماء الحسنى.
قال تعالى : ( الحمد لله رب العالمين ، الرحمن الرحيم ، مالك يوم الدين ).
فإذا عرفت هذه الأسماء الحسنى ، وتأملت معانيها ؛ فالحمد كله له فهو (الحميد) ، وهو (الرحمن الرحيم ) ، وهو (الملك ) ؛ أحببته غاية الحب ؛ لأنه ولي نعمتك ، وأرحم بك من أبيك وأمك ، وخفته وخشيته أعظم الخشية ؛ لأنه الرب المجازي ، والسيد المعاقب ، وله الملك كله ، فذللت له غاية الذل ، وبالتالي حققت العبودية له وحده ، ومن ثم تقول:( إياك نعبد) فتألهناك وعبدناك وحدك فأعِنا .
وعلى قدر معرفتك بالله عز وجل بأسمائه الحسنى وصفاته العلى وأفعاله المشرفة ومقتضياتها ولوازمها وأحكامها يكون مستواك في دين الله عز وجل.
فشرف العلم على قدر شرف المعلوم ولا معلوم أشرف من الله –عز وجل- ففضل العلم بالله عز وجل على العلم بغيره كفضل الله على خلقه سبحانه وتعالى، فيجب على الخلق أن يتعرفوا على ربهم سبحانه وتعالى. ولذلك خلقهم " وليس ذلك لحاجة منه لهم ولكن رحمة بهم لأن القلوب مفطورة على معرفة بارئها وخالقها ومحبته والشوق إليه ولا تجد سعادة إلا بذلك، ولا تطمئن إلا بذكره، وأعظم العذاب هو حجاب القلب عن التعرف على ما فطر عليه وخلق من أجله فهذا شقاء ما بعده شقاء قال تعالى: " َمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى" [طه:123]. وفي حديث معاذ-رضي الله عنه- قال رسول الله - e: ( إنك تأتي قوماً من أهل الكتاب ، فليكن أول من تدعوهم إليه؛ شهادة أن لا إله إلا الله ( وفي رواية). ( فادعهم إلى أن يوحدوا فإذا هم عرفوا الله فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات ) متفق عليه (البخاري 1395 ومسلم19).
فيتبين بهذا ما يجب على الدعاة إلى الله عز وجل من البدء بالدعوة إلى التوحيد وبيانه للناس بعد فهمه ودراسته جيداً- حتى أولئك الذين يزعمون أنهم يعرفون ربهم ، ولكنهم في الحقيقة يشركون به ، فمعلوم أن أهل الكتاب يقرون بوجود الله ، ويدعون معرفته ومع ذلك فقد أمر النبي - e- معاذًا أن يدعوهم لتوحيد الله ، وقال له : ( فإذا هم عرفوا الله ) !!
دل على أن من لم يوحد الله لم يعرفه وإن أقر بوجوده سبحانه ! وقد قال - e:(إن لله تسعة وتسعين اسماً من أحصاها دخل الجنة ) متفق عليه.
فيا أيها المسلم كم تعرف عن الله عز وجل ؟ وكم تفقه في أسماء الله الحسنى وما تصمنته من الصفات ؟ وما الذي حققته من الغاية المرادة منك ؟
لا شك أنك تجيد إنشادها ، والترنم بها !!
فإذا أمرت بتدبرها أو ذكر لك شيء منها اقشعر بدنك مستنكراً، وأصفر لونك مستغرباً، (ذلك مبلغهم من العلم ) ! إن أعظم آية في كتاب الله – عز وجل - هي الآية التي اشتملت على ستة صفات للباري تبارك وتعالى آية الكرسي " اللّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ " فأخبر أنه( الله) الذي له جميع معاني الألوهية ، وأنه لا يستحق الألوهية والعبودية إلا هو ، فألوهية غيره ، وعبادة غيره ، باطلة . وأنه
( الحي ) الذي له جميع معاني الحياة الكاملة، مثل السمع والبصر والقدرة و الإرادة وغيرها من الصفات الذاتية، وفيها إشارة إلى عدم استحقاق آلهة المشركين للألوهية لأنها ميتة ، كما قال –تعالى -( أموات غير أحياء )!

( القيوم ) الذي قام بنفسه ، واستغنى عن جميع مخلوقاته ، وقام بجميع الموجودات فأوجدها وأبقاها ، وأمدها بجميع ما تحتاج إليه في وجودها وبقائها ، وفي هذا إشارة إلى جميع صفات الأفعال لذي العزة والجلال- سبحانه وتعالى-.
ومن كمال حياته ، وكمال قيوميته أنه (لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ) لأنهما إنما يعرضان للمخلوق الذي يعتريه الضعف والعجز لا للذي له العظمة والكبرياء والقوة والحياة التامة الكاملة من جميع الوجوه.
وأخبر أنه مالك لجميع ما في السماوات والأرض، فكلهم عبيد لله مماليك، لا يخرج أحد منهم عن هذا الطور، فهو المالك لجميع الممالك!
ومن تمام ملكه أنه لا يشفع عنده أحد إلا بإذنه لذا قال: " من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه " فكل الوجهاء والشفعاء عبيد له مماليك،  لا يقدمون على شفاعتهم حتى يؤذن لهم، وبالتالي فقد أبطل كل شرك، لأنهم لم يزعموا لآلهتهم ألوهية مستقلة، بل اتخذوهم شركاء وشفعاء يقربونهم إلى الله زلفى بشفاعتهم، وتوسطهم لهم عند الله ؛ إذا هم عبدوهم، وتقربوا إليهم،
ثم أخبر عن علمه الواسع المحيط، وأنه يعلم ما بين أيدي الخلائق من الأمور المستقبلة:
" يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ" من الأمور الماضية التي لا حد لها، وأنه لا تخفى عليه خافية، وأن الخلق لا يحيط أحد منهم بشيء من معلومات الله " إِلاَّ بِمَا شَاء" منها، وهو ما أطلعهم عليه من الأمور الشرعية ، والقدرية، وهو جزء يسير جداً كنقرة عصفور في البحر بالنسبة لعلوم الباري ومعلوماته " سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا " وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً "
ثم أخبر عن عظمته وجلاله، وأن كرسيه وسع السماوات والأرض، وأنه قد حفظهما ومن فيهما من العوالم بالأسباب المحكمة، والنظامات المتقنة، التي جعلها في المخلوقات.
ومع ذلك فإنه لا يثقله ذلك ولا يكرثه " ولا يئوده حفظهما " لكمال عظمته واقتداره، وسعة حكمته في أحكامه.
" وهو العلي" بذاته على جميع مخلوقاته، وهو العلي بعظمته وصفاته ، وهو العلي الذي قهر المخلوقات، ودانت له جميع الموجودات، وخضعت له الصعاب، وذلت له الرقاب،
" العظيم" الجامع لجميع صفات العظمة، والكبرياء، والمجد، والبهاء، الذي تحبه القلوب، وتعظمه الأرواح.
فآية احتوت على هذه المعاني التي هي أصل المعاني، يحق لها أن تكون أعظم أي القرآن، ويحق لمن قرأها متدبراً متفهماً أن يمتلئ قلبه من اليقين والإيمان والعرفان، وأن يكون محفوظاً بذلك من شرور الشيطان.انتهى من السعدي بتصرف.
والسورة التي تعدل ثلث القرآن هي السورة التي أخلصها الرحمن لنفسه دون خلقه، وقد اشتملت على توحيد الأسماء والصفات:
" قل " : قولاً جازماً عارفاً به معتقداً لمعناه
"هو الله أحد ":
انحصرت فيه الأحدية" فهو الأحد المنفرد بالكمال" الذي له الأسماء الحسنى" والصفات الكاملة العليا" والأفعال المقدسة" التي لا نظير لها ولا مثيل.
" الله الصمد " المقصود في جميع الحوائج، فأهل العالم العلوي وأهل العالم السفلي مفتقرون إليه غاية الافتقار، يسألونه حوائجهم،   ويرغبون إليه في كل ما أهمهم، لأنه الكامل في أوصافه بجميع الوجوه، فهو العليم الذي كمل في علمه، الحليم كمل في حلمه، الرحيم الذي وسعت رحمته كل شيء، وهكذا سائر الأوصاف، ومن كماله أنه سبحانه؛
" لم يلد ولم يولد " لكمال غناه ولكمال صمديته.
"ولم يكن له كفواً أحد" لا في أسمائه، ولا في صفاته، ولا في أفعاله- تبارك وتعالى - .
فأعظم السور ما استأثر الله بها لنفسه، وأعظم الآيات ما دلت على سعة الصفات، فهل من مدكر؟!.
فالله- عز وجل - له الأسماء الحسنى، كما قال تقدست أسمائه " وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا"[ الأعراف 108 ]
وقال تعالى:" أَيًّا مَّا تَدْعُواْ فَلَهُ الأَسْمَاء الْحُسْنَى " [الإسراء 110 ]
وقال تعالى : " اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْمَاء الْحُسْنَى " [ طه 8]
وقال تعالى:" هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاء الْحُسْنَى " [الحشر24].
كما قال عز وجل: " وله المثل الأعلى "[ الروم 27 ]والمثل هو الوصف كما في قوله:" مثل الجنة التي وعد المتقون "[ الرعد 35 ] يعني صفتها .
وقال تعالى: " ولله المثل الأعلى "[ النحل 16]
إن حقيقة الخصومة بين الرسل وأتباعهم وبين الكافرين هي في توحيد الله –عز وجل –وسبب الانحراف في هذا الباب هو سوء الظن بالله في أسمائه و صفاته- عز وجل – وأساس الفتن والابتلاءات يكون ابتداءً من هذا الباب الخطير!.
قال إبراهيم -عليه السلام-:" يا أبت لما تعبد ما لا يسمع ولا يبصر" !
الله أكبر ! انظر كيف جعل خليل الرحمن، مؤهلات الألوهية، ومسوغات استحقاق العبودية، هي الكمال في الصفات، إذ كيف يستحق أن يعبد، من لا يوصف بالسمع ولا بالبصر ؟!
وهذا موسى- عليه السلام- يحكي القرآن الكريم خبر قومه الذين لما ضلوا في هذا الباب عبدوا من لا يستحق العبادة،
قال تعالى: " وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَى مِن بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلاً جَسَدًا لَّهُ خُوَارٌ أَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّهُ لاَ يُكَلِّمُهُمْ وَلاَ يَهْدِيهِمْ سَبِيلاً اتَّخَذُوهُ وَكَانُواْ ظَالِمِينَ "
وقال تعالى: " أَفَلَا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلًا وَلَا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا "
وفي مقام بيان بطلان آله المشركين، يكون بيان نقصها، وعدم اتصافها بصفات الكمال، قال تعالى: " أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا "؟
فأنت ترى أن الله جعل امتناع صفة الكلام والتكليم، وعدم ملك الضر والنفع، دليلاً على عدم الألوهية، وجعل عدم البطش، والمشي، والسمع، والبصر، ... دليلاً على عدم الألوهية، وقد وصف نفسه- سبحانه وتعالى- بضد صفات أربابهم ...بالسمع، والبصر، والفعل باليدين، والمجيء، والإتيان، وجميع صفات الكمال التي جاءت في القرآن الكريم، أو ثبتت في سنة رسوله الأمين - e-، ولذلك لما تحدى الله -عز وجل - الذين جعلوا له شركاء، طالبهم بأسماء هذه الآلهة ، وما تضمنته من صفات الكمال،
قال تعالى: " وَجَعَلُواْ لِلّهِ شُرَكَاء قُلْ سَمُّوهُمْ " !!

وانظر لما قال الوثنيون: الملائكة بنات الله، وقالت اليهود: عزير ابن الله ، وقالت النصارى: المسيح ابن الله، قال الموحدون حقاً، والمؤمنون صدقاً: الله أحد، الله الصمد، لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفواً أحد .
فالكفار نسبوا لله صفات النقص، والموحدون نزهوا ربهم عن كل عيب،
ومشركو زماننا، قالوا: الأولياء شفعاء عند الله، بل شركائه في التدبير والتقدير!! والروافض قالوا: الأئمة هم أسماؤه الحسنى، هم المدبرون للأمور، وهم الذين يعلمون ما في الأرحام، ويعلمون الغيب، وكل هذه الصفات لا تنبغي إلا لله- سبحانه وتعالى- عما يقولون علواً كبيراً، بل الفتنة العظمى، التي هي أعظم فتنة ، ما بين خلق آدم إلى قيام الساعة؛ فتنة الدجال، إنما هي في الصفات أيضاً !!!
فإنه امتحان في غاية الخطورة، الجهل به، وعدم السداد فيه؛ يؤدي إلى الكفر البواح، قال رسول الله - e- عن الدجال: " إن الله الله –تعالى- ليس بأعور، وإن المسيح الدجال أعور عين اليمنى "! ؟ متفق عليه.
بل وفي عرصات القيامة كما في صحيح البخاري ومسلم ، من حديث أبي سعيد الخدري –رضي الله عنه- قال: قال رسول الله - e-:
"إذا كان يومُ القيامة أذَّن مؤذِّن : لِتَتَّبعْ كلُّ أُمَّة ما كانت تعبد، فلا يبقى أحد كان يعبُدُ غير الله - من الأصنام والأنصاب - إلا يتساقطون في النار ، حتى إذا لم يبقَ إلا من كان يعبد الله مِنْ بَرّ وفاجر ، وغبَرِ أهل الكتاب ، فيُدَعى اليهودُ ، فيقال لهم : ما كنتم تعبدون ؟
قالوا : كنا نعبد عُزيراً ابنَ الله ،
فيقال : كذبتم ، ما اتخذَ الله من صاحبة ولا ولد ،
فماذا تبغون ؟ قالوا : عطِشْنا يا ربَّنا فاسْقِنا ،
فيشار إليهم : ألا ترِدُونَ ؟ فيُحْشَرون إلى النار كأنها سراب يحْطِم بعضها بعضا، فيتساقطون في النَّار،
ثم يُدعى النَّصارى ، فيقال لهم : ما كنتم تعبدون ؟
قالوا: كنَّا نعبد المسيح ابن الله،
فيقال لهم : كذبتم ، ما اتَّخذ الله من صاحبة ولا ولد ،
فماذا تبغون ؟
فيقولون : عَطِشْنا يا ربَّنا فاسقنا ،
فيشار إليهم: ألا ترِدُونَ ؟ فيُحْشَرون إلى جهنَّم كأنَّها سرَاب يحطِم بعضُها بعضا، فيتساقطون في النار،
حتى إذا لم يبق إلا من كان يعبد الله من برِّ وفاجر ، أتاهم الله في أدنى صورة من التي رَأوْه فيها ،
قال : فما تنظرون؟
، قالوا: يا ربَّنا، فارقْنا الناس في الدنيا أفقرَ ما كُنَّا إليهم، ولم نصاحبهم،
فيقول: أنا ربُّكم، فيقولون: نعوذ بالله منك، لا نُشرك بالله شيئا - مرتين أو ثلاثا - حتى إنَّ بعضهم ليكاد أن ينقلب،
فيقول : هل بينكم وبينه آية فتعرفونه بها ؟
فيقولون : نعم ، فَيُكشَفُ عن ساق ، فلا يبقى من كان يسجدُ لله من تلقاء نفسه إلا أَذِن الله لهُ بالسجود، ولا يبقى من كان يسجد الله اتقاء ورياء ، إلا جعل الله ظهره طبقة واحدا ، كلما أراد أن يسجدَ خرَّ على قفاه ، ثم يرفعون رؤوسهم وقد تحوَّل في صورته التي رأوه فيها أولَ مرة ،
فقال : أنا ربكُم ،
فيقولون : أنتَ ربُّنا ،
ثم يُضْرَبُ الجِسْرُ على جهنم ، وتحل الشفاعة، ويقولون : اللهم سلْم سلمْ ... الحديث.
وفي رواية قال :
"حتى يبقى من كان يعبد الله من بَرِّ وفاِجر، فيقال لهم: ما يحبسكم وقد ذهب النَّاس ؟ فيقولون: فارقناهم ونحن أحوج منا إليهم اليومَ، فإنا سمعنا مُناديا ينادي: ليَلْحق كلُّ قوم ما كانوا يعبدون، وإنما ننتظر ربَّنا،
قال : فيأتيهم الجبّار في صورة غيرِ صورته التي رَأَوه فيها أول مرة ،
فيقول : أنا ربُّكم، فيقولون : أنت ربُّنا ؟ فلا يكلمه إلا الأنبياء ،
فيقال : هل بينكم وبينه آية تعرفونها ؟
فيقولون: نعم ، الساق ، فيكشف عن ساقه ، فيسجد له كلُّ مؤمن ، ويبقى من كان يسجد لله رياء وسمُعة ، فيذهب كيما يسجد ، فيعود ظهره طبقا واحداً ". متفق عليه.

ثمرات العلم بالأسماء الحسنى والصفات العلى
1] معرفة أسماء الله وصفاته أصل عبادة الله عز وجل – لا يتم للعبد التحقق من عبادة ربه إلا بمعرفته؛ فإذا عرفه عبده؛ قال تعالى: " فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ " محمد16 – فينبغي للمسلمين أن يعرفوا أسماء الله وتفسيرها فيعظموا الله حق عظمته.
2] معرفة أسماء الله وصفاته تجذب القلوب إلى الله، وامتثال أوامره ، واجتناب نهيه، ومن تدبر هذه الأسماء الحسنى، والصفات العليا، وعرف الله حق معرفته، انجذب لطاعة مولاه، وبادر إلى فعل ما يرضاه، فإن الله -تبارك وتعالى -يذكر لعباده من  أوصاف كماله، ونعوت جلاله، ما يجذب قلوبهم إلى المبادرة إلى فعل الطاعات، وترك المعاصي والسيئات،
وكذلك عن أحكامه فقلَّ أن نجد آية فيها حكم من أحكام المكلفين إلا وهي مختتمة بصفة من صفاته أو صفتين، بل قد يذكر الصفة في أول الآية ووسطها وآخرها،
كقوله تعالى:"قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ" المجادلة1.
3] أسماء الله وصفاته أعظم أسباب إجابة الدعاء:
قال تعالى: " َولِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا " الأعراف 180.
فهي أعظم الوسائل لإجابة الدعاء، فاقرأ القرآن الكريم من أوله إلى آخره، وتأمل في دعاء الأنبياء تجد ذلك واضحاً جلياً، فإنهم يتوسلون بربوبية الله تعالى :" ربنا... ربنا "، وألوهيتة :" اللهم " وكذلك تذييل الآيات بأسمائه- تعالى-: " وأنت خير الرازقين "، " وأنت أرحم الراحمين " والنبي - e- يقول: أسألك بكل اسم هو لك " رواه أحمد 1/193
ويقول: " اللهم بعلمك الغيب وقدرتك على الخلق أحيني ما علمت الحياة خيراً لي " السلسلة الصحيحة 199.
وقد سمع رسول الله - e- رجلاً يقول: " اللهم إني أسألك بأنك أنت الله الأحد الصمد، الذي لم يلد، ولم يولد، ولم يكن له كفواً أحد، أن تغفر لي ذنوبي، إنك أنت الغفور الرحيم، فقال رسول الله - e-:( قد غفر له) ثلاثا. ً أخرجه أحمد (338-5/349-والحاكم 1/267 وانظر الترغيب والترهيب 2/485 وصحيح أبي داود -869.

4] معرفة الله تعالى بأسمائه وصفاته من أعظم أسباب دخول الجنة لمن عرفها، وآمن بها، وأدّى حقه، ا ودعا الله بها.
فعن أبي هريرة رضي الله عنه – قال:
قال رسول الله - e-:( لله تسعة وتسعون أسماً مائة إلا واحد لا يحفظها أحد إلا دخل الجنة) وفي رواية: ( من أحصاها دخل الجنة) البخاري 2736،6410 ومسلم 2677.

5] إذا أردت أن يحبك الله عز وجل فعليك بمحبة أسمائه وصفاته فعن عائشة رضي الله عنها أن النبي - e- " بعث رجلاً على سرية وكان يقرأ لأصحابه في صلاتهم، فيختم بـ: قل هو الله أحد " فلما رجعوا ذكروا ذلك للنبي - e- فقال:" سلوه لأي شيء يصنع ذلك ؟" فسألوه، فقال: لأنها صفة الرحمن، وأنا أحب أن أقر بها،
فقال النبي: " أخبروه أن الله يُحبه " البخاري 7375و مسلم 813
وفي حديث آخر، قال الرجل: إني أحبها، فقال النبي :" حبك إياها أدخلك الجنة " البخاري 774 تعليقاً، ووصله الترمذي برقم 2901 وانظر صحيح الجامع 232.

6] دعاء الله بأسمائه وصفاته أعظم أسباب تفريج الكروب وزوال الهموم:
فعن ابن مسعود رضي الله عنه عن رسول الله - e- أنه قال: " ما أصاب أحداً قط هم أو حزن فقال:اللهم إني عبدك، وابن عبدك، وابن أمتك، ناصيتي بيدك، ماضٍ فيّ حكمك، عدل في قضاؤك، أسألك بكل اسم هو لك، سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علمته أحداً من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك، أن تجعل القرآن العظيم ربيع قلبي، ونور صدري، وجلاء حزني، وذهاب همي، إلا أذهب له همه وحزنه، وأبدله مكانه فرحاً، فقيل: يا رسول الله! أفلا نتعلمها؟
فقال: بلى! ينبغي لكل من سمعها أن يتعلمها ".
رواه أحمد، وصححه الألباني في الصحيحة برقم 199

7] الأسماء الحسنى أصل كل شيء:
قال الله- تعالى-: " هو الأول والآخر والظاهر والباطن " [الحديد3]
وقال رسول الله - e-:" اللهم أنت الأول؛ فليس قبلك شيء، وأنت الآخر؛ فليس بعدك شيء " رواه مسلم 2713.
فكما أن كل موجود سواه فبإيجاده، فوجود من سواه تابعٌ لوجوده تبع المخلوق لخالقه، فكذلك العلم بها – أي بأسمائه وصفاته أصل العلم بكل ما سواه، وأصل لسائر العلوم، فمن أحصى أسماءه كما ينبغي للمخلوق؛ أحصى جميع العلوم؛ إذ إحصاء أسمائه أصل لإحصاء كل معلوم، لأن المعلومات هي من مقتضاها ومرتبطة بها " . انظر بدائع الفوائد1/163.
ومن أمثلة ذلك:
أن الأصل في الخلق أن الله هو الخالق، فلا يوجد خلقٌ غير خلقه، ولا يوجد خالق سواه ، قال- تعالى-: " الله خالق كل شيء " [الرعد16].
والأصل في الرزق أن الله هو الرزاق، قال- تعالى-: " إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ " [ الذاريات58] ، فهو الرزاق ولا رازق سواه ، وكل رزق إنما هو رازقه، وما من عطاء إلا وهو الذي أعطاه، قال- تعالى- حكاية عن نبيه موسى -عليه السلام-:
" رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى " [طه50]
والأصل في الرحمة أن الله -تبارك وتعالى- هو الرحمن الرحيم، فكل رحمة فمشتقة من رحمته، فها هي الرحم قد اشتق اسمها من اسم الرحمن، كما قال رسول الله - e- فيما يرويه عن ربه- تبارك وتعالى -أنه قال: " أنا الرحمن، وهي الرحم، شققت لها اسماً من اسمي" رواهأحمد1/191 وصححه الألباني في صحيح أبي داود1486

8] معرفة الله بأسمائه وصفاته هي أصل خشيته- تبارك وتعالى-:
إن العلم بأسماء الله وصفاته، ومعرفة معانيها، يحدث خشية، ورهبة، في قلب العبد، فمن كان بالله أعرف، فهو منه أخوف ومن كان به أعلم، كان على شريعته أقوم، قال تعالى: " إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء" [ فاطر28]
قال الطبري- رحمه الله-: إنما يخاف الله ، فيتقي عقابه بطاعته العلماء بقدرته على ما يشاء من شيء، وأنه يفعل ما يريد" [ جامع البيان 22/87]
لذلك فقد كان رسول الله - e- أشد الناس خشية لله- تبارك وتعالى -لأنه كان أعلم الناس بالله كما قال :e" أنا أعلمكم بالله وأشدكم له خشية " رواه البخاري 1601ومسلم2356
وفي حديث آخر:
قال رسول الله- e:"إن أتقاكم وأعلمكم بالله أنا" رواه البخاري1601ومسلم 2356.

9] من عرف الأسماء الحسنى كما ينبغي فقد عرف كل شيء:
فمن عرف أن الله -عز وجل- هو الخالق؛ عرف أن كل ما دونه مخلوق،
قال تعالى: " الله خالق كل شيء " [الرعد16]
ومن عرف أن الله عز وجل هو الرزاق، علم أن كل ما دونه مرزوق،
قال تعالى: " وَمَا مِن دَابةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللّهِ رِزْقُهَا " [هود6].
- ومن عرف أن الله هو الملك عرف أن كل ما دونه مملوك،
قال تعالى: " وَلِلّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا يَخْلُقُ مَا يَشَاء " [المائدة27].
- ومن عرف ربه بالغني عرف نفسه بالفقر،
قال تعالى: " يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاء إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ " [فاطر15].
- ومن عرف ربه بالبقاء عرف نفسه بالفناء،
قال تعالى: " كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ " [ الرحمن26-27]
- ومن عرف الله بالعلم عرف نفسه بالجهل،
قال تعالى: " وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ " [البقرة214]
- فمن عرف الله عز وجل بأسمائه الحسنى وصفاته العلى ؛ علم أنه بالكمال موصوف، وبالإحسان والجمال، والجمال والجلال، معروف،
وعرف نفسه بكل نقص وعيب، فورثه ذلك حسن الظن بربه، وسوء الظن بنفسه،
وهذه هي الغاية !!!
10] لا يضر مع اسم الله شيء:
ومن فضائل أسماء الله الحسنى، أنها يستجلب بها الخير، ويستدفع بها الشر، فاسم الله يدفع الضرر ويرفعه:
فعن عثمان بن عفان رضي الله عنه – قال سمعت رسول الله - e- يقول:
" ما من عبد يقول في صباح كل يوم ومساء كل ليلة: بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم " ثلاث مرات فيضره شيء "
رواه الإمام أحمد 1/63، 66 صحيح ابن ماجة3120.

11] العلم بأسماء الله وصفاته أعظم العلوم وأشرفها:
لاشك أن أشرف العلوم هي العلوم الشرعية، وأشرف العلوم الشرعية هو العلم بأسماء الله وصفاته، لتعلقه بأشرف من يمكن التعلم عنه، وهو الله- سبحانه وتعالى-
قال شيخ الإسلام ابن تيمية- رحمه الله- [ درء تعارض العقل والنقل 5/310-312]: "والقرآن فيه من ذكر أسماء الله وصفاته وأفعاله أكثر مما فيه من ذكر الأكل، والشرب، والنكاح، في الجنة فالآيات المتضمنة لذكر أسماء الله وصفاته أعظم قدراً من آيات المعاد، فأعظم آية في القرآن آية الكرسي، المتضمنة لذلك- أي لأسماء الله وصفاته – كما ثبت ذلك في الحديث الصحيح الذي رواه مسلم عن النبي - e- أنه قال لأبي بن كعب-رضي الله عنه-:"  أتدري أي آية من كتاب الله معك أعظم ؟
قال: قلت: " الله لا إله إلا هو الحي القيوم " قال فضرب في صدري وقال: " ليهنك العلم أبا المنذر " رواه مسلم810.
وقد ثبت في الصحيح عنه - e- من غير وجه أن " قل هو الله أحد " تعدل ثلث القرآن " رواه البخاري 6643، مسلم 811-812.

12] بركة الأسماء الحسنى في المعيشة:
قال- تعالى-:" تبارك اسم ربك ذي الجلال والإكرام " [ الرحمن78] وكلمة( اسم) مفرد أضيف إلى الرب-عز وجل- فيعم كل اسم له- تبارك وتعالى-، فالبركة- وهي كثرة الخير ودوامه- منوطة بأسماء الله -عز وجل - الحسنى، وصفاته العلي،
إذ إن كل اسم يتضمن صفة من صفاته تعالى، فالأسماء مشتقة من الصفات،
ومن بركة الأسماء الحسنى، أن الشيطان لا يقرب ما ذكر عليه اسم الله،
قال رسول الله - e-:" إذا دخل الرجل بيته فذكر الله عند دخوله، وعند طعامه، قال الشيطان: لا مبيت لكم ولا عشاء " رواه مسلم 2018.

13] بركة الأسماء الحسنى تلحق الذرية:
فقد قال النبي - e- فيما يرويه عنه ابن عباس – رضي الله عنهما-:" لو أن أحدكم إذ أراد أن يأتي أهله فقال: بسم الله، اللهم جنبنا الشيطان، وجنب الشيطان ما رزقتنا، فإنه إن يقدر بينهما ولد في ذلك لم يضره شيطان أبداً " البخاري 7396، مسلم 1434

14] الأسماء الحسنى أعظم أسباب الشفاء:
فإن الله- تبارك اسمه وتعالى جده – هو خالق البدن، ويعلم داءه، وبيده وحده شفاؤه، ودواؤه ، وخير دواء، وأعظم شفاء، هو أسماء الله -عز وجل –
لذلك حين عاد جبريل-عليه السلام- رسول الله - e- في مرضه لم يجد سبباً للشفاء خيراً من أن يرقيه( باسم الله عز وجل)
فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه – أن جبريل- عليه السلام- أتي النبي - e- فقال: يا محمد اشتكيت ؟
قال: نعم !
قال: باسم الله أرقيك، من كل شيء يؤذيك، ومن شر كل نفس، أو عين حاسد،
الله يشفيك باسم الله أرقيك" رواه مسلم .

15] ومن بركتها النجاة من الوسوسة:
فمن عرف الله-عز وجل-بأسمائه الحسنى، وصفاته العلى، ثبت إيمانه، وصدق يقينه، فكان لمجاهده الشيطان أشد ، وعلى دفع الوساوس أقوى.
فعن أبي زميل قال: سألت ابن عباس، فقلت: ما شيء أجد في صدري ؟
قال: ما هو؟ قلت: والله ما أتكلم به. قال لي: أشيء من شك ؟ قال: وضحك. قال: ما نجا من ذلك أحد، قال حتى أنزل الله عز وجل – " فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك فاسأل الذين يقرءون الكتاب من قبلك " [يونس94]. قال فقال لي: إذا وجدت في نفسك شيئاً فقل:
[ هو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم " [ الحديد3]
أبو داود5110 وحسنه الألباني في صحيح أبو داود 4262 انتهى.
[ النور الأسمى 13-25 باختصار]
16] قال الإمام ابن القيم – رحمه الله -:
والأسماء الحسنى، والصفات العلى، مقتضية لآثارها من العبودية والأمر اقتضاءها لآثارها من الخلق والتكوين، فكل صفة عبودية خاصة هي من موجباتها ومقتضياتها، أعني من موجبات العلم بها ، والتحقق بمعرفتها، وهذا مطرد في جميع أنواع العبودية التي على القلب والجوارح ،
فعلم العبد بتفرد الرب تعالى بالضر والنفع، والعطاء والمنع، والخلق والرزق، والإحياء والإماتة ، يثمر عبودية التوكل عليه باطناً، ولوازم التوكل وثمراته ظاهراً.
وعلمه بسمعه- تعالى- وبصره، وعلمه، وأنه لا يخفى عليه مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض، وأنه يعلم السر وأخفى، ويعلم خائنة الأعين وما تخفى الصدور، يثمر له حفظ لسانه ، وجوارح، ه وخطرات قلبه، عن كل مالا يرضي الله، وأن يجعل تعلق هذه الأعضاء بما يحبه الله ويرضاه، فيثمر له ذلك الحياء باطناً، ويثمر له الحياء اجتناب المحارم والقبائح.
ومعرفته بغناه وجوده وكرمه وبره وإحسانه ورحمته:
توجب له سعة الرجاء، ويثمر له ذلك من أنواع العبودية الظاهرة والباطنة بحسب معرفته وعلمه.
وكذلك معرفته بجلال الله وعظمته وعزه:
يثمر له الخضوع ، والاستكانة، والمحبة، وتثمر له تلك الأحوال الباطنة أنواعاً من العبودية الظاهرة هي موجباتها.
وكذلك علمه بكماله وجماله وصفاته العلى:
يوجب له محبة خاصة بمنزلة أنواع العبودية ،
فرجعت العبودية كلها إلى مقتضى الأسماء والصفات ، وارتبطت بها ارتباط الخلق بها، فخلقه- سبحانه- وأمره هو موجب أسمائه وصفاته في العالم ، وآثارها ومقتضاها لأنه لا تزينه من عباده طاعتهم، ولا تشينه معصيتهم.
والرب -سبحانه وتعالى -له الأسماء الحسنى، وأسماؤه متضمنة لصفات كماله، وأفعاله ناشئة عن صفاته، فإنه سبحانه لم يستفد كمالاً بأفعاله، بل له الكمال التام المطلق، وأفعاله عن كماله، والمخلوق كماله عن فعاله، فإنه –أي المخلوق- فعل فكمل بفعله .
- وأسماؤه الحسنى تقتضي آثارها، وتستلزمها استلزام المقتضى الموجب لموجبه ومقتضاه، فلابد من ظهور آثارها في الوجود، فإن من أسمائه ( الخلاق ) المقتضي لوجود الخلق، ومن أسمائه ( الرزاق) المقتضى لوجود الرزق والمرزوق، وكذلك ( الغفار ) و(التواب ) و (الحكيم) وكذلك ( الرحمن الرحيم ) إلى سائر الأسماء الحسنى.
ولما كان –سبحانه- كاملاً في جميع أوصافه، ومن أجلها: حكمته؛ كانت عامة التعلق بكل مقدور، كما أن علمه عام التعلق بكل معلوم، ومشيئته عامة التعلق بكل موجود، وسمعه وبصره عام التعلق بكل مسموع ومرئي.
فهذا من لوازم صفاته فلابد أن تكون حكمته عامة التعلق بكل ما خلقه وقدره ، وأمر به ونهى عنه، وهذا أمر ذاتي للصفة يمتنع تخلفه وانفكاكه عنها، كما يمتنع تخلف الصفة نفسها.
(أسماء الله الحسنى للإمام ابن القيم رحمه الله " جمع أحمد شعبان باختصار مكتبة الصفا 64-66. )

ومن ثمرات الإيمان بصفات الله – عز وجل – أيضاً:
أن العلم بصفات الله عز وجل – والإيمان بها، على ما يليق به سبحانه، وتدبرها؛ يورث ثمرات عظيمة وفوائد جليلة، تجعل صاحبها يذوق حلاوة الإيمان، وقد حرمها قوم كثيرون من المعطلة والمؤولة والمشبهة، منها:

17] فمن ثمرات الإيمان بصفات الله عز وجل - أن العبد يسعى إلى الاتصاف والتحلي بها على ما يليق به؛ لأنه من المعلوم عند أرباب العقول أن المحب يحب أن يتصف بصفات محبوبه؛ كما أن المحبوب يحب أن يتحلى محبه بصفاته؛ فهذا يدعو العبد المحب لأن يتصف بصفات محبوبة ومعبوده كل على ما يليق به، فالله كريم يحب الكرماء، رحيم يحب الرحماء، رفيق يحب الرفق، فإذا على العبد ذلك سعى إلى التحلي بصفات الكرم والرحمة والرفق، وهكذا في سائر الصفات- التي يحب الله تعالى أن يتحلى بها العبد على ما يليق بذلك العبد-.
18] ومنها أن العبد إذا آمن بصفة الحب والمحبة " لله –تعالى- وأنه- سبحانه- " رحيم ودود " استأنس لهذا الرب، وتقرب إليه بما يزيد حبه ووده له، وكما في الحديث الإلهي: " ولا يزال العبد يتقرب إليّ بالنوافل حتى أحبه "! وسعى إلى أن يكون ممن يقول الله فيهم:
" يا جبريل إني أحب فلاناً فأحبه، فيحبه جبريل، ثم ينادي في السماء أن الله يحب فلاناً فأحبوه، فيحبه أهل السماء ثم يوضح له القبول في الأرض" ؟
ومن آثار الإيمان بهذه الصفة العظيمة أن من أراد أن يكون محبوباً عند الله اتبع نبيه - e-: " قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ".
وحب الله للعبد مرتبط بحب العبد لله، وإذا غرست شجرة المحبة في القلب، وشفيت بماء الإخلاص، ومتابعة الحبيب - e- أثمرت أنواع الثمار وآتت أكلها كل حين بإذن ربها.

خطورة إنكار صفات الله – عز وجل –
اعلم – رحمني الله وإياك- أنه لا يستقر للعبد قدم في المعرفة ، بل ولا في الإيمان، حتى يؤمن بصفات الرب- جل جلاله- ويعرفها، معرفةً تخرجه عن حد الجهل بربه-عز وجل- فالإيمان بالصفات وتعرفها، هو أساس الإسلام، وقاعدة البنيان، وثمرة شجرة الإحسان وقد جعل- سبحانه -منكر صفاته سييء الظن به، وتوعده بما توعد به غيره من أهل الشرك والكفر والكبائر، فقال تعالى: " وَمَا كُنتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ وَلَكِن ظَنَنتُمْ أَنَّ اللَّهَ لَا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِّمَّا تَعْمَلُونَ وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنتُم بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُم مِّنْ الْخَاسِرِينَ " [فصلت 22-23]
فأخبر سبحانه أن إنكارهم هذه الصفة من صفاته، من سوء ظنهم به، وأن ذلك هو الذي كان سبباً في هلاكهم.
وقد قال تعالى في الظانين به ظن السوء:
" عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيرًا " [فصلت6]
فإنكار حقائق أسمائه، وجحد صفاته، من أعظم سوء الظن به، فالمعطل شر من المشرك بل كل شرك في العالم فأصله التعطيل، فإنه لولا تعطيله كماله أو بعضه، وسوء الظن به لما أشرك به، كما قال إمام الحنفاء:
" أَئِفْكًا آلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ فَمَا ظَنُّكُم بِرَبِّ الْعَالَمِينَ " [ الصافات86].
أي: فما ظنكم أن يجازيكم وقد عبدتم معه غيره، وما الذي ظننتم به حتى جعلتم معه شركاء؟
أظننتم أنه محتاج إلى الشركاء والأعوان ؟
أم ظننتم أنه يخفى عليه شيء من أحوال عباده، حتى يحتاج إلى شركاء أو وزراء تعرفه بها كملوك الدنيا ؟
أم ظننتم أنه لا يقدر وحده على استقلاله بتدبيرهم، وقضاء حوائجهم ؟
أم هو قاسٍ-تعالى وتقدس- فيحتاج إلى شفعاء يستعطفونه على عباده؟
أم ذليل-سبحانه - فيحتاج إلى ولي يتكثر به من القلة، ويتعزز به من الذلة ؟
أم يحتاج إلى الولد فيتخذ لذلك صاحبة يكون الولد منها ومنه؟
تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً !!
تبارك الذي لم يتخذ ولداً ، ولم يكن له شريك في الملك، ولم يكن له ولي من الذل، وكبره تكبيراً ، سبحانه وتعالى.

وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما ً كثيراً والحمد لله رب العالمين.
....................................

كَتَبَهَا فضيلة الشيخ:
أَبُو طَارِقٍ
مَحْمُودُ بْنُ مَحْفُوظ
عفا الله عنه وعن والديه واهله

(http://mahfoouz.com/play-851.html )
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 ‪#‎abou゚moaz‬
شاركه على جوجل بلس

عن الكاتب العلوم الشرعية

    تعليقات بلوجر
    تعليقات فيس بوك

0 التعليقات:

إرسال تعليق