(الهمس الرفيق بجواز المسح على الجورب الرقيق)

الحمد لله الذي لم يجعل على المتقين من حرج في الدين، وأراد بهم اليسر ولم يرد بهم العسر وهو أرحم الراحمين.

والصلاة والسلام على نبي الرحمة، المبعوث بالحنفية السمحة السهلة، المرفوع عنه الإصر والأغلال التي كانت على الغابرين، وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين. 
وبعـــــد ؛

فقد رأيت بعض الناس يتكاسلون عن الصلاة لنبذهم التفقه في الدين، وجهلهم برخص الشرع المبين، وكثير من الشباب، والفتيات، والنساء، والمسافرين، والجنود، والعمال، والمرضى؛ ربما لا يصلون في الشتاء لما يقاسون لذع البرد وألم غسل الرجلين ، ولو كانوا يعلمون الرخصة لتيسر لهم الأمر، ولرفع عنهم الحرج ، وكنت دائماً أقول من جهل الرخص ترك الفرائض !
فما بالك بالصلاة التي هي الفارقة بين المسلم والكافر ؟!
وهذا بحث اختصرته لك من رسالة العلامة جمال الدين القاسمي، وتقديم الشيخ العلامة أحمد شاكر وتعليق محدث ديار الإسلام العلامة /
محمد ناصر الدين الألباني رحمهم الله جميعاً رحمة واسعة وأجزل لهم المثوبة، مع إضافات ونقولات أخر ومسائل يحتاج إليها كل مسلم وسميتها:
( الهمس الرفيق بجواز المسح على الجورب الرقيق )
أسأل الله أن ينفع بها الجميع .
وصلى الله على نبيناً محمد وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً .




ما الجورب ؟
قال الأزرق بن قيس-رحمه الله-: رأيت أنس بن مالك-رضي الله عنه -أحدث فغسل وجهه ويديه ومسح على جوربين من صوف، فقلت: أتمسح عليهما؟
فقال: إنهما خفان ولكنهما من صوف!
قال أحمد شاكر-رحمه الله-: وأنس صحابي من أهل اللغة قبل دخول العجمة واختلاط الألسنة فهو يبين أنا معنى الخف أعم من أن يكون من الجلد وحده ، وأنه يشمل كل ما يستر القدم ، وعليه: فالجوربان داخلان في مدلول كلمة ( الخفين) بدلالة الوضع اللغوي للألفاظ.
قال في القاموس: الجورب : لفافة الرِجل.
قال الشيباني في الجيم :وقال العدوي الجورب الغلالة .
وفي لسان العرب: الجورب : لفافة الرجل .
وقال ابن العربي: الجورب : غشاآن للقدم من صوف تتخذ للدفاء .
وفي التوضيح ( للحطاب المالكي ) الجورب : ما كان على شكل خف من كتان أو قطن أو غير ذلك .
وقال الحلبي في شرح المينة : الجورب ما يلبس في الرجل لدفع البرد ونحوه .
وبالجملة: فاللغة والعرف على أن الجورب هو مطلق ما يلبس في الرجل من غير الجلد منعلاً كان أو لا ، وتعريفه من باب توضيح الواضحات وهو عندنا ما يسمى عند العوام بالشراب رقيقاً كان أم ثخيناً من صوف أو قطن أو غير ذلك.
الأدلة من القرآن الكريم:
1- عموم المسح في آية الوضوء :
( يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين )
قال الشيخ جمال الدين القاسمي:
فظاهرها أن فرض الرجلين هو المسح كما روى ذلك عن ابن عباس وأنس وعكرمة والشعبي وغيرهم، وعلى مذهب هؤلاء الأئمة يكون مفاد الآية وجوب مسح الرجلين بما عليها من خف أو جورب أو تساخين خلافاً للشيعة الذين لم يجوزوا المسح على خف ولا جورب ولا تساخين بينما قالوا بوجوب المسح على الرجلين المكشوفين! فاللهم هداك !
2- عمومات أخر:
وهي الآيات التي فيها أمر بمتابعة الرسول كقوله تعالى:( وما آتاكم الرسول فخذوه )،
وقوله: ( لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة )،
وقوله: ( قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني ) ،
وقوله تعالى:( وما جعل عليكم في الدين من حرج )،
وقوله تعالى:( يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ).
ا لأدلة من السنة المطهرة:
1- حديث ثوبان: قال:( بعث رسول الله سرية فأصابهم البرد فلما قدموا على النبي شكوا إليه ما أصابهم من البرد فأمرهم أن يمسحوا على العصائب والتساخين ) رواه أحمد وصححه الحاكم ووافقه الذهبي وقال على شرط مسلم وضعفه أحمد بأن " راشد لم يسمع من ثوبان " وقال البخاري في التاريخ سمع منه وصححه القاسمي وأحمد شاكر والألباني ( رحمهم الله تعالى )
والعصائب: هي العمائم لأن الرأس يعصب بها،( والتساخين ) كل ما يسخن به القدم من خف وجورب ونحوهما ولا واحد لها من لفظها وإنما فسرها الأكثر بالخفاف لشهرتها ولا يمنع أن يدخل في عمومها الجوارب لا سيما والجوارب كانت معروفة عندهم.
2- حديث المغيرة بن شعبة:
( أن رسول الله توضأ ومسح على الجوربين والنعلين ) رواه أحمد 4/252، وأبو داود 159 ، والترمذي 99، وابن ماجة 559 وابن حبان 176، والنسائي في السنن الكبرى 8/493 ، والطبراني في الكبير 2/415 وابن حزم في المحلى 1/ 322.
وقال الترمذي: حسن صحيح، وصححه الألباني في الإرواء برقم 101 ، وصححه العلامة أحمد شاكر رحمه الله أيضاً
قال الألباني رحمه الله:( بعد تصحيح الترمذي له: وهو كما قال فإن رجاله كلهم ثقات رجال البخاري في صحيحه مجتمعاً بهم.
وقد أعله بعض العلماء بعلة غير قادحة ، منهم أبو داود فقد قال عقبة: كان عبد الرحمن ابن مهدي لا يموت بهذا الحديث لأن المعروف عن المغيرة أن النبي مسح على الخفين وهذا ليس بشيء لأن السند صحيح ورجاله ثقات كما ذكرنا وليس فيه مخالفة لحديث المغيرة المعروف في المسح على الخفين فقط بل فيه زيادة عليه بالزيادة من الثقة مقبولة، فالحق أنه ما فيه حادته أخرى غير الحادثة التي فيها المسح على الخفين وقد أشار إلى ذلك العلامة ابن دقيق العيد وراجع صحيح أبى داود 147) اهـ.
3- حديث أبي موسى الأشعري :
( أن رسول الله توضاً ومسح على الجوربين والنعلين )
أخرجه ابن ماجة 560 وقال الألباني : صحيح .
الآثار الواردة عن الصحابة رضوان الله عليهم:
قال الإمام أحمد-رحمه الله- : قد فعله سبعة أو ثمانية من أصحاب النبي .
1- عمر بن الخطاب –  بال يوم جمعة ثم توضأ ومسح على الجوربين والنعلين وصلى بالناس الجمعة ) .
2- علي بن أبي طالب – من طريق عمرو بن حريث عن على أنه
(بال ثم توضأ ومسح على الجوربين ) أخرجه ابن أبي شيبة 1969 وابن المنذر في الأوسط 458)
قال النووي: وحكى أصحابنا عن عمر وعلى على جواز المسح على الجورب وإن كان رقيقاً .
3- أنس بن مالك: قال الأزرق بن قيس:( رأيت أنس بن مالك أحدث فغسل وجهه ويديه ومسح على جوربين من صوف، فقلت: أتمسح عليهما؟ فقال: إنهما خفان ولكنهما من صوف ) .
وعن قتادة أن أنساً كان يمسح على الجوربين .
4-عبد الله بن عمر قال: ( المسح على الجوربين كالمسح على الخفين ). 5-البراء بن عازب عن رجاء بن ربيعة الزبيدي قال: رأيت البراء توضأ فمسح على الجوربين .
أخرجه عبد الرازق 778 وابن أبي شيبة 1، 172،وابن المنذر 1/ 463 والبيهقي 1/285 .
6- أبو مسعود البدري :
أنه كان يمسح على الجوربين / عبد الرازق777 وابن المنذر 1/ 462 .
أما التابعون فقد روى عن جم غفير منهم
1- سعيد بن المسيب- رحمه الله-:(الجوربان بمنزلة الخفين في المسح)
2- عطاء- رحمه الله-: سئل أيمسح على الجوربين ؟ قال: نعم، أمسحوا عليهما مثل الخفين أخرجه ابن أبي شيبة بسند صحيح (1/ 173) عمرو ص33
3- إبراهيم النخعي- رحمه الله-: كان لا يري بالمسح على الجوربين بأساً
4- الأعمش- رحمه الله-: سئل عن الجوربين؟ أيمسح عليهما من بات فيهما؟ قال: نعم
5- الحسن البصري- رحمه الله-: المسح عليهما بمنزلة الخفين .
6- سعيد بن جبير- رحمه الله-.
7- نافع- رحمه الله- مولى ابن عمر-رضي الله عنهما-.
8- عكرمة- رحمه الله-.
9-عبد الله بن المبارك- رحمه الله-.
10- سفيان الثوري - رحمه الله-.
مذاهب الأئمة الأربعة
3- مذهب الحنفية
كان أبو حنيفة- رحمه الله- يقول بجواز المسح على الجورب ولكنه اشترط فيه أن يكون منعلاً ومجلداً ، وخالفه الصاحبان أبو يوسف القاضي ومحمد بن الحسن الشيباني-رحمهما الله- وقالا:
يجوز المسح على الجوربين غير المنعولين وغير المجلدين بشروط اشترطوها ،
وروي عن أبي حنيفة رحمه الله تعالى أنه رجع إلى قولهما في آخر عمره وجوز المسح على الجوربين في مرضه وقال لعواده :
فعلت ما كنت أمنع الناس منه !
وهذا من إنصافهم وكمال علمهم لأن الجواز في الخف لرفع الحرج لما يلحقه من المشقة بالنزع وهذا المعنى موجود في الجورب فلا معنى للمنع منه مع جوازه في الخف إذ هو جمود على الظاهر. والله أعلم

2- المالكية
قال ابن القاسم-رحمه الله- في المدونة:
كان مالك-رحمه الله- يقول في الجوربين يكونان على الرجل وأسفلهما جلد مخروز وظاهرهما جلد مخروز: يمسح عليهما .
ثم رجع فقال: لا يمسح عليهما ، قال ابن القاسم: وقوله الأول أحب إلي ،
قال ابن يونس: وهو الصواب .
وهذا أكبر اعتبار أن أصحاب الأئمة كانوا يتجافون التقليد البحت ولا يعولون إلا على الدليل حيث يخالف الواحد منهم إمام مذهبه إذا اتضح له من الدليل ما لم يظهر لإمامه و كما قيل: ( وإذا جاء نهر الله بطل نهر معقل)!
دعوا كل قول عند قول محمد فما آمنٌ في دينه كمخاطر
3- الشافعية
نقل الترمذي في السنن باب ( المسح على الجوربين والنعلين) :
أن المسح على الجوربين قول غير واحد من أهل العلم وبه يقول سفيان الثوري وابن المبارك والشافعي وأحمد وإسحق قالوا: يمسح على الجوربين وإن لم يكونا منعلين (إذا كانا ثخينين !) .
قال النووي: والصحيح بل الصواب ما ذكره القاضي أبو الطيب والقفال وجماعات من المحققين أنه إن أمكنه متابعة المشي فيه جاز كيف كان ا هـ .
قلت: وهذا هو الصواب الذي لا محيد عنه .
4- الحنابلة
في الإقناع وشرحه:
ويصح المسح على جورب صفيق من صوف أو غيره وإن كان غير مجلد أو منعل أو كان به خرق وأمكنت متابعة المشي فيه.
وحديث المغيرة هو عمدتهم في ذلك: ( مسح رسول الله على الجوربين والنعلين ) وهو يدل على أنهما غير منعولين !
وقد أفتى العلامة الشيخ جميل الشطي وهو أخر من تولى الإفتاء من الحنابلة في بلاد الشام بجواز المسح على الجوارب المستعملة الآن وقد نشر هذه الفتوى في الجرائد والمجلات.
وإمام المذهب أحمد بن حنبل وإن كان قد ضعف الحديث إلا أنه قال (بجواز المسح على الجورب وهذا من إنصافه وعدله وإنما عمدته هؤلاء الصحابة وصريح القياس فإنه لا يظهر بين الجوربين والخفين فرق مؤثر يغير الحكم لأجله.
وقال: قد فعله سبعة أو ثمانية من أصحاب النبي نقل عن ابن المنذر في الأوسط 1/ 464 .
5- مذهب الظاهرية
قال ابن حزم رحمه الله:
اشتراط التجليد لا معنى له، لأنه لم يأت به قرآن ولا سنة ولا قياس ولا قول صاحب، والمنع من المسح على الجوربين خطأ لأنه خلاف السنة الثابتة عن رسول الله وخلاف الآثار ولم يخص عليه السلام في الأخبار خفين من غيرهما
يوضحه:
أولاً: أن كل المروى عن النبي في المسح على الجوربين ليس فيه قيد أو شرط، وجلىّ أن النصوص تحمل على عمومها إلى ورود مخصص، وعلى إطلاقها حتى يأتي ما يقيدها، ولم يأت هنا مخصص ولا مقيد لا في حديث ولا في أثر.
ثانياً: الآثار الواردة عن الصحابة في المسح على الجوربين مطلقاً غير مقيد وعن التابعين كذلك لم يرد عنهم بقيد ولا شرط وهذا يدل على أن هذه القيود والشروط لم تكن معرفة في عصورهم التي هي خير القرون .
6- ابن تيمية
الفتاوى: يجوز المسح على الجوربين سواء كانت مجلدة أو لم تكن .
ففي السنن أن النبي مسح على جوربيه ونعليه وهذا الحديث إذا لم يثبت فالقياس يقتضي ذلك فإنه لا فرق بين الخف والجورب إلا كون هذا من صوف وهذا من جلد ومعلوم أن مثل هذا الفرق غير مؤثر في الشريعة فلا فرق بأن يكون جلوداً أو قطناً أو كتاناً أو صوفاً.
ومعلوم أن الحاجة إلى المسح على هذا كالحاجة إلى المسح على هذا سواءً ومع التساوي في الحكمة يكون التفريق بينهما تفريق بين متماثلين وهذا خلاف العدل والاعتبار الصحيح الذي جاء به الكتاب والسنة.
وقال: ومن فرق بينهما بكون هذا ينفذ الماء منه وهذا لا ينفذ منه فقد ذكر وصفاً طردياً عديم التاثير.
وقال: ويجوز المسح على اللفائف! وهو أن يلف على الرجل لفائف من البرد أو الجراح أو نحو ذلك، وهي بالمسح أولي من الخف والجورب والذين منعوا المسح عليهما ضيقوا تضيقاً يظهر خلافه للشريعة بلا حجة معهم أصلاً.

فتوى اللجنة الدائمة
وقد سئلت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء بالمملكة العربية السعودية فتوى رقم 1946 عن حكم المسح على الجوربين هل يجوز أم لا ؟
فأجابت:
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسوله وآله وصحبه .... وبعد:
في المسح على الجوربين في الوضوء خلاف بين الفقهاء فمنهم من منعه ومنهم من أجازه والصحيح أنه جائز إذا لبسهما على طهارة وكانا ساترين للقدمين والكعبين لمدة يوم وليلة للمقيم وثلاثة أيام للمسافر إلى غير ذلك من شروط المسح التي دلت عليها الأحاديث الصحيحة ؛
لما ثبت عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه أنه قال:( توضأ النبي e ومسح على الجوربين والنعلين )
رواه أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجة وقال الترمذي: حديث حسن صحيح، وقد عمل بذلك كثير من الصحابة، قال أبو داود: ومسح على الجوربين على بن أبي طالب وعبد الله بن مسعود، والبراء بن عازب، وأنس بن مالك، وأبو أمامة، وسهل بن سعد، وعمرو بن حديث، وروى ذلك عن عمر بن الخطاب وابن عباس رضي الله عنهم وهو قول جماعة من أهل العلم وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والافتاء
عضو عضو نائب رئيس الرئيس
عبد الله بن قعود عبد الله بن غديان عبد الرازق عفيفي عبد العزيز بن عبد الله بن باز
أحكام تتعلق بالمسح على الجوربين:
المسح على الجوربين بمنزلة المسح على الخفين :
1- فيشترط لصحة المسح عليهما أن يلبسا على طهارة:
لحديث المغيرة بن شعبة وفيه:( دعهما فإني أدخلتهما طاهرتين ) وفي رواية:( فإني دخلت القدمين الخف طاهرتين ) فمسح عليهما (في 1/86).
2- مدة المسح ومتى تبدأ:
الأحاديث الصحيحة فيها أن النبي أمر بالمسح وفي بعضها ( رخص) وفي غيرها ( جعل ) المسح للمقيم يوماً وليلة وللمسافر ثلاثة أيام ولياليهن راجع م 1/232، والنسائي 1/84 وابن ماجة 552 ومن الواضح جدا أن الحديث كالنص على ابتداء مدة المسح من مباشرة المسح في أول مرة كما صح ذلك عن عمر حيث أختصم عنده سعد وعبد الله بن عمر في المسح على الخفين فقال عمر: يمسح عليهما إلى مثل ساعته من يومه وليلته قال الألباني: صحيح على شرط البخاري ومسلم.
3- كيفية المسح وهل يشترط فيه الاستيعاب:
المحل المشروع مسحه ظهر الخف (فقط دون أسفله ) لقول على  لو كان الدين بالرأي لكان أسفل الخف أولى بالمسح من أعلاه لقد رأيت رسول الله يمسح عليه اسم المسح
قال ابن القيم-رحمه الله-:
لم يصح عنه أنه مسح أسفلهما وإنما جاء في حديث منقطع والأحاديث الصحيحة بخلافه.
* هل المسح على الجورب يخصص بحالة السفر أو الضرر كحال السرية الذين اشتكوا له البرد ؟
الجواب:
تقرر في الأصول أن اللفظ العام الوارد على سبب خاص يحمل على عمومه ولا يخص بالسبب الذي ورد فيه، وترك الاستفصال في حكاية الحال ينزل منزلة العموم في المقال.
ثم إن ما ورد من مسحه صلوات الله عليه على الجورب وهما من التساخين غير مقيد بحالة لا أمراً ولا فعلاً وكذا ما صح عن مسحه صلوات الله عليه في الوضوء على عمامته وهي من العصائب غير مقيد بحالة دون أخرى.
وقد قال عليه الصلاة والسلام:( إن الله يحب أن تؤتي رخصه كما يكره أن تؤتى معصيته ) صحيح رواه أحمد.(صحيح الجامع )1885

* هل يشترط في الجورب أن يكون ثخيناً حتى نمسح عليه ؟ أم يجوز المسح على الجورب الرقيق ؟
الجواب:
الصحيح أنه لا يشترط أن يكون الجورب ثخيناً بل يجوز المسح على الجورب ولو كان رقيقاً وذلك لعدم ورود دليل بمثل هذه الشروط بل جاءت الأخبار عنهم مطلقة غير مقيدة ( الخف – الجوربين – التساخين )
بل قال النووي: حكى أصحابنا عن عمر وعلي أنهما أجازا المسح على الجورب وإن كان رقيقاً !
وهذا محض الفقه فإن العلة واحدة ومتحققة في الجميع ولا فرق.
وكذلك عن أبي يوسف ومحمد وإسحق وداود وحجتهم حديث المغيرة السابق .
وقد ذكر النووي رحمه الله في المجموع 1/502:
أنه إذا لبس خف زجاج يمكن متابعة المشي عليه جاز المسح عليه وإن كانت ترى تحته البشرة والله أعلم
قال الألباني-رحمه الله-:
لا يشترط الجورب أن يمنع وصول الماء إلى البشرة لعدم ورود دليل يدل عليه وكل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل.
قال ابن عثيمين- رحمه الله-:
القول الراجح أنه يجوز المسح على الجورب المخرق والخفيف الذي ترى من ورائه البشرة لأنه ليس المقصود من جواز المسح على الجورب ونحوه أنه يكون ساتراً فإن الرجل ليست عورة يجب سترها، وإنما المقصود الرخصة على المكلف والتسهيل عليه بحيث لا نلزمه بخلع هذا الجورب أو الخف عند الوضوء بل نقول: يكفيك أن تمسح عليه. هذه هب العلة التي من أجلها شرع المسح على الخفين وهذه العلة يستوي فيها الخف والجورب المخرق والسليم والخفيف والثقيل أ.هـ. [ مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين 4/167]
* هل يصح المسح على النعلين دون جوربين ؟
وهل يشترط أن تكونا ساترين لمحل الفرض، وأن يثبت بنفسه من غير شد ؟
الجواب:
يجوز المسح على النعلين ولو لم يكن معهما جوربان ؛
لحديث أوس بن أوس الثقفي:( أن رسول الله توضأ ومسح على نعليه وقدميه ) صحيح- أبي داود. فهذا دليل على مسحه على النعلين استقلالاً ومعلوم أنهما دون الكعبين ! فلا يشترط أن يكون ساتراً لمحل الفرض ولا أن يثبت بنفسه والبراءة الأصلية مستصحبة وقد بين شيخ الإسلام ابن تيمية ذلك في الفتاوى.
* هل يجزيء المسح على الجورب المخرق ؟
الجواب:
الصحيح من أقوال أهل العلم الجواز، برهان ذلك أن الأصل البراءة والإباحة ، فمن منع واشترط السلامة من الخرق أو وضع له حداً فيطالب بالدليل وإلا فقوله مردود لقوله  كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل ) متفق عليه.
وقد صح عن الثوري أنه قال: امسح عليهما ما تعلقت بها رجلك، وهل كانت خفاف المهاجرين والأنصار إلا مخرقة مشققة مرقعة ؟ [ المصنف لعبد الرزاق 753 بسند صحيح]
وقال شيخ الإسلام-رحمه الله-:
ويجوز المسح على اللفائف في أحد الوجهين حكاه ابن تميم وغيره وعلى الخف المخرق ما دام باقياً والمشي فيه ممكناً وهو قديم الشافعي واختيار أبي البركات وغيره من العلماء .
وقال ابن حزم-رحمه الله-:
وقد علم رسول الله إذا أمر بالمسح على الخفين وما يلبس في الرجلين أن منها ما يكون مخرقاً خرقاً فاحشاً أو غير فاحش وغير المخرق والأحمر والأسود والجديد والبالي فما خص عليه السلام بعض ذلك دون بعض ولو كان حكم ذلك في الدين يختلف لما أغفله الله تعالى أن يوحي به (وما كان ربك منسياً )
ولا أهمله رسول الله المفروض عليه البيان حيث قال له ربه ( وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ) حاشاه .

* المسح أفضل أم غسل القدمين ؟
قال ابن المنذر-رحمه الله-:
المسح أفضل لأجل من طعن فيه من أهل البدع من الخوارج والروافض، وإحياء ما طعن فيه المخالفون من السنن أفضل من تركه .
ولم يكن يتكلف شيئاً من ذلك بل إن كان لابساً مسح وإلا غسل وهذا أعدل الأقوال ، ولكن إذا اشتدت الحاجة إلى المسح ومع ذلك ترك رغبة عنه فهذا مخوف.
وعن أنس قال: كنا عند عمر نهينا عن التكلف رواه البخاري 4/362
* هل يجوز لمن تيمم أن يلبس خفيه ويمسح عليهما ؟
فيه قولان للعلماء:
والصحيح أنه يجوز، لأن التيمم طهارة رافعة للحدث قائمة مقام الوضوء ، والله تعالى أعلم .
* هل يستمر حكم المسح حتى مع الجناية ؟
والجواب:
كلا بل لابد من خلعهما وغسل البدن بالماء كما أمر بذلك النبي كما في حديث صفوان بن عسال أمرنا رسول الله أن نمسح على الخفين إذا نحن أدخلناهما على طهر ثلاثاً إذا سافرنا ، ويوماً وليلة إذا قمنا ولا نخلعهما إلى من جنابة ) رواه أحمد والترمذي والنسائي وصححاه.
* إذا انتهى وقت المسح هل ينتقض الوضوء ؟
الجواب:
أنه لا ينتقض بمجرد ذلك، فإن الطهارة لا ينقضها إلا الحدث وهذا على طهارة وليس هناك نص على انتقاض طهارته ولا إجماع ولكن يبطل جواز المسح مستقبلاً، وقد اختار ذلك ابن المنذر وابن حزم وغير واحد من أهل العلم. والله أعلم.


* إذا تعذرت الأحوال وحالت دون الخلع لتجديد الغسل ضرورة فهل يشرع له أن يمسح على الجوربين بعد انتهاء التوقيت ؟
قال شيخ الإسلام-رحمه الله-:
مثل أن يكون هناك برد شديد متى خلع تضرر كما يوجد في أرض الثلوج أو كان في رفقة متى خلع وغسل لم ينتظروه ولم يعرف الطريق أو يخاف إن فعل ذلك من عدو أو سبع أو فاته واجب.
قيل: يتيمم. وقيل: يمسح للضرورة.
وهذا أقوى لأن لبسها صار كلبس الجبيرة من بعض الوجوه وأحاديث التوقيت ليس فيها النهي عن الزيادة إلا بطريق المفهوم والمفهوم لا عموم له، وعلى هذا يحمل حديث عقبة لما خرج من دمشق إلى المدينة يبشر الناس بفتح دمشق ومسح أسبوعاً بلا خلع فقال له عمر أصبت السنة وهو حديث صحيح.
س: ما حكم المسح على الجورب المصنوع من حرير ؟
قال العثيمين-رحمه الله-:
لا يجوز أن يمسح عليه لأنه محرم عليه لبسه .
س: إذا مسح الإنسان وهو مقيم ثم سافر ؟
قال-رحمه الله-: يتم مسح مسافر على القول الراجح.
س: ما الحكم إذا مسح على جورب متنجس ؟
الجواب : لا يجوز المسح على الجورب المتنجس بل يجب تطهيره قبل المسح لئلا يزداد تنجيساً بالمسح. والله أعلم
* إذا لبس جوربين فوق بعضهما على طهارة وخلع أحدهما هل يجوز له أن يمسح على أسفل بعد خلع الأعلى منهما ؟
قال الألباني-رحمه الله-:
يجوز له إتمام المدة بالمسح على الجورب الأسفل لأنه يصدق عليه أنه أدخل رجليه طاهرتين.
* هل خلع الجوربين ينقض الوضوء لمن مسح عليهما ؟
الجواب : الصحيح أنه لا ينقض . والله أعلم .
أخرج الطحاوي بسند صححه للألباني عن أبي ظبيان ( أنه رأى علياً رضي الله عنه بال قائماً ثم دعا بماء فتوضأ فمسح على نعليه ثم دخل المسجد فخلع نعليه ثم صلى )
والجوربان في الأحكام كالنعلين والخفين ولا فرق كما تقدم ذلك .
* ما الحكم لو أن رجلا توضأ في نعليه أو غسل اليمنى ثم لبس فيها النعل ثم غسل اليسرى ثم لبس النعل هل يجوز أن يمسح عليهما بعد ذلك ؟
قال شيخ الإسلام-رحمه الله-:
نعم يجوز فإن من فعل الطهارة فيهما واستدامها فيهما أولى وأمرى بالجواز من الذي أدخلهما طاهرين بعد ذلك ورد على المخالف في الفتاوى رداً قوياً .
هل هناك شروط للمسح على الخف والجورب ونحوهما ؟
قال ابن عثيمين-رحمه الله-:
يشترط للمسح على الخفين أربعة شروط:
1- أن يكون لابسهما على طهارة:
ودليل ذلك قول النبي للمغيرة بن شعبة ( دعهما فإني أدخلتهما طاهرتين ) .
2- أن تكون الخفاف والجوارب طاهرة:
فإن كانت نجسة فإنه لا يجوز المسح عليهما ودليل ذلك: أن رسول الله : صلى ذات يوم بأصحابه وعليه نعلان فخلعهما في أثناء صلاته وأخبر أن جبريل-عليه السلام- أخبره بأن فيهما أذى أو قذراً.
ولأن النجس إذا مسح عليه بالماء تلوث الماسح بالنجاسة.
3- أن يكون مسحهما في الحدث الأصغر لا في الجنابة أو ما يوجب الغسل: ودليل ذلك حديث صفوان بن عسال وقد سبق .
4- أن يكون المسح في الوقت المحدد شرعاً :
لحديث على بن أبي طالب جعل النبي للمقيم يوماً وليلة وللمسافر ثلاثة أيام ولياليهن " يعني في المسح على الخفين أخرجه مسلم.
كيفية المسح على الجوربين

المسح على الجوربين كالمسح على الخفين يمسح على ظاهرهما فقط خطاً بالأصابع مرة واحدة. وهو ما وردت به السنة وأيده عمل السلف واختاره الأئمة فعن جرير بن عبد الله البجلي رأيت رسول الله بال ثم توضأ ومسح على خفيه ( حديث صحيح أخرجه الستة إلا أبا داود )
وفي حديث المغيرة رضي الله عنه المتقدم: توضأ النبي ومسح على الجوربين والنعلين، مثله في حديث وعلى تفيد الاستعلاء وتؤيد أن المسح إنما يكون على ظاهر الخف أو الجورب لاعلى باطنهما .
قال ابن القيم-رحمه الله- في الزاد ( 1/194) قال: وكان يمسح على ظاهر الخفين ولم يصح عنه مسح أسفلهما إلا في حديث منقطع والأحاديث الصحيحة على خلافه وقد عمل به الأئمة من السلف فعن الشعبي قال:يمسحهما من ظاهر قدميه إلى أطراف أصابعه.
وقال الحسن البصري-رحمه الله-: المسح على الخفين خطاً بالأصابع.
وعن سعيد بن عبد العزيز قال سألت الزهري-رحمه الله- عن المسح على الخفين فقال بيده هكذا، وأمر أصابعه من مقدم رجله إلى فوقها. لأخرجها ابن أبي شيبة 1/169 بأسانيد صحيحة، إلا الأخير فهو حسن.
عدد مرات المسح
ويمسح مرة واحد فقط عليهما كما يؤيده ظاهر الأحاديث في المسح ويؤيده أثر ابن عمر المتقدم وقد روى عن ابن عباس مثله عند ابن المنذر في الأوسط (1/455) وفي الطريق إليه ليث بن أبي سليم وهو ضعيف هذا والله أعلم بالصواب والحمد لله رب العالمين. اهـ(أحكام المسح على الجوربين )
حكم المسح على الجبيرة
قال محمد بن صالح العثيمين- رحمه الله تعالى-:
الجبيرة في الأصل ما يجبر به الكسر، والمراد بها في عرف الفقهاء " ما يوضع على موضع الطهارة لحاجة " مثل الجبس الذي يكون على الكسر أو اللزقة التي تكون على الجرح أو على ألم الظهر أو ما شابه ذلك.
فالمسح عليها يجزئ عن الغسل. فإذا قدرنا أن على ذراع المتوضئ لزقة على جرح يحتاج إليها فإنه يمسح عليها بدلاً من الغسل، وتكون هذه الطهارة كاملة بمعنى أنه لو فرض أن هذا الرجل نزع هذه الجبيرة أو اللزقة، فإن طهارته تبقى ولا تنتقض لأنها على وجه شرعي، ونزع اللزقة ليس هناك دليل على أنه ينقض الوضوء أو ينقض الطهارة ، وليس في المسح على الجبيرة دليل خال من معارضة.
فيها أحاديث ضعيفة ذهب إليها بعض أهل العلم وقال: إن مجموعها يرفعها إلى أن تكون حجة.
ومن أهل العلم من قال: إنها لضعفها لا يعتمد عليها وهؤلاء اختلفوا فمنهم من قال: يسقط تطهير محل الجبيرة لأنه عاجز عنه.
ومنهم من قال : بل يتيمم له ولا يمسح عليها.
لكن أقرب الأقوال إلى القواعد بقطع النظر عن الأحاديث الواردة فيها أنه يمسح وهذا المسح يغنيه عن التيمم فلا حاجة إليه.
وحينئذ نقول:
إنه إذا وجد جرح في أعضاء الطهارة له مراتب:
1- أن يكون مكشوفاً ولا يضره غسل ففي هذه المرتبة يجب عليه غسله إذا كان في محل الغسل.
2- أن يكون مكشوفاً ويضره الغسل دون المسح ففي هذه المرتبة يجب عليه المسح دون الغسل.
3- أن يكون مكشوفاً ويضره الغسل والمسح فهنا يتيمم له.
4- أن يكون مستوراً بلزقة أو شبهها محتاج إليها وفي هذه المرتبة يمسح على هذا الساتر ويغنيه عن غسل العضو ولا يتيمم.اهـ [ مجموع فتاويه 4/171]
قلت: وقد ثبت عن النبي من حديث ثوبان –رضي الله عنه-
أمرهم أن يمسحوا على العصائب والتساخين. صحيح وقد تقدم

العصائب: جمع عصابة وهي ما عصب به فيدخل فيها ما يعصب به الكسور والجروح بالإضافة لما تقدم من أنها العمائم فيكون هذا الحديث شاملاً بعمومه المسح على الجبيرة. والله أعلم
وهل يمسح عليهما معاً بكلتا يديه الرجلين معاً أم يبدأ باليمنى ثم باليسرى ؟
قولان لأهل العلم:
الأول: يمسحهما معاً بكلتا يديه قياساً على ممسوح آخر " وهو الأذنان " !
الثاني: يمسح اليمنى أولاً ثم يمسح اليسرى بعدها لأن هذا المسح بدل عن غسل الرجلين وفي حالة الغسل يبدأ باليمنى ثم باليسرى والبدل له حكم المبدل منه .
قلت: ولم يأت دليل على تعيين إحدى الكيفيتين السابقين فيبقى الأمر على السعة فبأي طريقة مسح أجزأه ذلك و قد جاء في الحديث " فمسح عليهما " هكذا !
الخاتمة
لا يخفى أن الرخص المأثورة عن النبي e نعمة عظمى في كل حال وعلى أي حال وإنما يظهر تمام نعمة تشريعها في بعض الأحوال مثل رخصة المسح على الجوربين في أيام البرد وأوقات السفر وحالات المرض وتشقق الرجلين واليدين وقد يظن قوم أن التشدد في العزائم وترك الرخص من التقوى وحاشا لله !
كيف وقد قال النبي e :
(لا تشددوا على أنفسكم فإنما هلك من قبلكم بتشديدهم على أنفسهم وستجدون بقاياهم في الصوامع والديارات ) صحيح –الصحيحة[ 3124]
وقال e: " إن الله تعالى يحب أن تؤتى رخصه كما يحب أن تؤتى عزائمه "، وقالe." هلك المتنطعون " السلسة الصحيحة .
وصدق رسول الله e ،وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم تسليماً والحمد لله رب العالمين ...

كتبه فضيلة الشيخ
أبو طـارق
محمود بن محفوظ
http://www.mahfoouz.com/play-826.html )
_________________________
#abou゚moaz
شاركه على جوجل بلس

عن الكاتب العلوم الشرعية

    تعليقات بلوجر
    تعليقات فيس بوك

0 التعليقات:

إرسال تعليق